بيت لحم-"الحياة الجديدة"-عبير البرغوثي-شهد القطاع السياحي في فلسطين وفي العالم كما باقي القطاعات الاقتصادية خلال الأشهر السابقة ومنذ بداية عام 2020 حصارا لم يسبق له مثيل بسبب جائحة كورونا، حصار فرض التباعد بين مكونات وأفراد المجتمع الواحد ليمتد الى حالة من التباعد الجغرافي بين الدول، وتوقفت الأنشطة والرحلات السياحية وحركة الطيران للأفراد لدرجة تقترب من الصفر إلا للحالات الضرورية والتجارية، ليلحق الأذى بالدخل والايرادات الناتجة عن حركة المسافرين والسياح، فالقطاع السياحي من القطاعات الاقتصادية المحركة لعجلات كثيرة ضمن المركبة الاقتصادية، وتوقفها يؤثر مباشرة على أنشطة التجارة والسفر والمواصلات والفنادق والمطاعم وغيرها من الأنشطة المرتبطة بخدمات السياحة الداخلية أو الخارجية، ووفق منظمة السياحة العالمية يتوقع تراجع عدد السياح الدوليين بشكل عام في عام 2020م مقارنة بالعام السابق بسبب القيود المفروضة على السفر لمواجهة تفشي (كوفيد-19)، هذه المعطيات تضع ملف حماية هذا القطاع من آثار الجائحة على أولويات السياسات واجراءات التدخل من مختلف الحكومات، ونظراً لما يمثله هذا القطاع من أهمية على الناتج المحلي الاجمالي والتشغيل في الأراضي الفلسطينية كان لنا هذا اللقاء مع رولا معايعة/ وزيرة السياحة والآثار،لتسليط الضوء على عمل الوزارة وخططها لمواجهة الجائحة واعادة الحياة لهذا القطاع في فلسطين.
3 ملايين سائح في 2019
جائحة "كورونا" فاجأت الحكومات في الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء، والتجربة أظهرت التفاوت على مستوى الاستجابة وردة الفعل من دولة الى أخرى لأسباب متنوعة، فكيف كانت تجربة وزارة السياحة في فلسطين في هذا السياق بعد مرور نحو شهرين على تفشي الوباء.
تؤكد معايعة أن السياحة في فلسطين تشكّل أحد أهم عناصر الدخل القومي وتوفير فرص العمل لأبناء شعبنا، علاوة على كونها النافذة التي يطل منها العالم على فلسطين ويتعرف من خلالها عن كثب على حقيقة وطبيعة ما يعيشة الشعب الفلسطيني جراء استمرار الاحتلال وإجراءاته العسكرية، حيث انه وبالرغم من هذا الاحتلال إلا أن شعبنا جعل من السياحة قصة نجاح تمكنا من خلالها من استقطاب أكثر من ثلاثة ملايين سائح في 2019 بواقع 2.7 مليون ليلة مبيت في الفنادق الفلسطينية، الأمر الذي شجّع القطاع الخاص على مزيد من الاستثمارات في هذا القطاع وخاصة في قطاع الفنادق حيث وضع رئيس الوزراء د. محمد اشتية بتاريخ 18 كانون ثاني الماضي حجر الأساس لأربعة فنادق جديدة في بيت لحم.
ومما لا شك فيه أن جائحة "كورونا" قد أتت على كل العالم، إلا أن الخطوات التي اتخذتها دولة فلسطين كانت سبّاقة من حيث سرعة الاستجابة للإجراءات الضرورية لحماية الانسان الفلسطيني، وبالتاكيد فإننا في وزارة السياحة والآثار ومنذ البداية قد عملنا على تنفيذ كل التوصيات الخاصة بمواجهة الوباء والتي كانت تصلنا أولا بأول من وزارة الصحة الفلسطينية كجهة الاختصاص التي كانت تطبق إجراءات منظمة الصحة العالمية وتعليماتها ومنها ما هو مرتبط بآلية التعامل واستقبال السياح وأيضا الالتزام بقائمة الجنسيات التي مُنعت من دخول فلسطين والأماكن المقدسة والفنادق.
السياحة.. تحديات الأزمة في ظل التباعد الدولي وقيود الاحتلال
وفي ظل تفاقم الضغوط على المؤسسات السياحية في ظل توقف أنشطة السياحة الوافدة من الخارج، إضافة إلى توقف حركة السياحة الداخلية والمحلية بسبب إجراءات الحجر وتقييد التنقل بين المدن والتجمعات خلال الأسابيع الماضية، سألنا حول استراتيجية الوزارة ومدى توفر خطة متكاملة للتعامل مع أزمة كورونا، وكيف تقوم الوزارة بتنشيط وتنفيذ رؤيتها الخاصة بحكم طبيعة عملها ومسؤوليتها عن أحد أهم القطاعات حساسية لظروف حالات عدم الاستقرار والطوارئ والأزمات، ضمن تناغم مع الخطة العامة للحكومة، وهنا تقول معايعة "منذ إعلان حالة الطوارئ قمنا بتشكيل فرق عمل متخصصة لمواجهة هذه الأزمة والمتابعة مع جهات الاختصاص سواء على صعيد القطاع الخاص أو لجان الطوارئ أو المؤسسات الحكومية أو الجهات الدولية، وقد عملت هذه الفرق على وضع الخطط والبرامج لمواجهة الأزمة وكيفية مساعدة القطاع الخاص على تخطيها وتذليل العقبات والعراقيل وخطط إعادة الإنعاش والترويج السياحي لما بعد الأزمة وعمل دراسات لتقدير الخسائر والمتضررين، ورسم خطة واضحة لكيفية إنعاش قطاع السياحة ما بعد جائحة الكورونا، وكون الجائحة عالمية كان من الطبيعي أن يتأثر قطاع السياحة والسفر والتنقل حول العالم بهذا الوباء".
إغلاق مبكر للمؤسسات الفندقية منذ اكتشاف الاصابة الأولى مطلع آذار
أثبتت التقارير أن السفر والاختلاط يشكّلان بوابة الاصابة بفيروس "كورونا" المستجد، ولذلك أقدمت الحكومات على تقييد حركة تنقل الأفراد داخليا وخارجيا وصولاً لإعلان حالات إغلاق المطارات والحدود، ما شكّل ضغطا مزدوجا على الاقتصاد وعلى المواطنين لغاية نبيلة، كما يقال في الأزمات توضع الأسر والأفراد والمؤسسات على المحك، فكيف واجهت الوزارة الهجمة الأولى لفيروس (كوفيد -19) على القطاع السياحي؟ وهل كانت الاجراءات منسجمة مع المخاطر التي حملها الوباء؟ وكيف كان تعاونكم مع المؤسسات ذات العلاقة وتجاوب المعنيين مع الوزارة؟ وهنا توضح الوزيرة: "بتاريخ 4/03/2020 وردتنا إخبارية عن اصابة اثنين من الوفد اليوناني الذي كان أقام في أحد فنادق بيت لحم، وعليه تم على الفور إعلام وزارة الصحة لاتخاذ الاجراءات الاحترازية والوقائية اللازمة وعزل الفندق والعاملين به، وتتبع كل برنامج وتحركات الوفد اليوناني وأيضا الوفود السياحية الاخرى المقيمة في الفندق والتواصل مع جهات الاختصاص لإخراجها وضمان مغادرتها، وعند صدور القرار بإغلاق كافة الفنادق في فلسطين والغاء كافة الحجوزات تم العمل على تسهيل وضمان مغادرة السياح المقيمين لدينا من خلال التعاون مع وزارة الخارجية ووزارة الشؤون المدنية وشرطة السياحة والآثار ومكاتب السياحة والفنادق ولجان الطوارئ".
وتضيف معايعة "أستطيع أن أؤكد أن الوزارة وبالشراكة مع مختلف الجهات ذات العلاقة وعلى رأسهم وزارة الصحة كانت اتخذت مختلف الاجراءات الكفيلة والتدابير الصحية اللازمة، التي ساهمت في حصر الوباء في منطقة جغرافية محصورة ولم تنتقل منها لأي مكان لآخر، لولا هذه الاجراءات لانتقل الوباء من منطقة الى عدد من أكبر من المناطق الفلسطينية لا سمح الله".
%21 من العاملين في القطاع السياحي يتوقع استفادتهم من صندوق وقفة عز
قطاع السياحة يمثل شريان الحياة الاقتصادية للعديد من الأنشطة الاقتصادية، الفنادق، شركات السفر والسياحة، المؤسسات التجارية والحرفية، مؤسسات خدمات السياح وصولا الى شركات النقل والاتصالات وغيرها، خاصة في ظل تفاقم واستمرار توقف حركة السفر وفق بيانات منظمة السياحة العالمية وتوقعاته العام 2020.
وعلى المستوى الفلسطيني تمثل السياحة مصدر دخل مهم لقطاعات ومؤسسات مهمة في العديد من المدن الفلسطينية، فكيف تعاملت الوزارة مع هذه القطاعات على أرض الواقع؟ وكيف كانت خطوات الوزارة لمساعدة المؤسسات لا سيما سريعة التضرر على تجنب الخسائر الناجمة عن توقف الأنشطة السياحية بشكل عام؟تقول معايعة: "في سبيل مواجهة الأزمة الناتجة عن إغلاق المؤسسات السياحية وتضرر القطاع السياحي الفلسطيني الذي يعتبر أكثر القطاعات تضررا وآخر القطاعات التي من المتوقع ان تعود لها الحياة، فقد عملت الوزارة على إعداد الدراسات بالخسائر والمتابعة مع جهات الاختصاص لتذليل العقبات ان أمكن،وبالتالي كنا على تواصل مع جميع اجزاء القطاع السياحي وبشكل يومي لحل كافة الاشكاليات التي نتجت وتنتج كل يوم بسبب جائحة الكورونا، علاوة على حصر الاضرار التي لحقت بكافة اجزاء هذا القطاع، ونتيجة لذلك سيدعم صندوق وقفة عز حوالي 21% من العاملين في القطاع السياحي، علاوة على التعاون مع سلطة النقد لتذليل العقبات التي نتجت أمام القطاع السياحي الفلسطيني نتيجة جائحة كورونا".
وتتابع معايعة "وكانت الوزارة تابعت منذ اللحظة الأولى ومن خلال جمعيات القطاع الخاص قضية العاملين والموظفين في هذا القطاع السياحي، وصولا الى الاتفاق الذي أبرم في 6/03/2020 بين أطراف الانتاج الثلاثة: حكومة ونقابات وقطاع خاص بما يضمن حق العاملين لشهري آذار ونيسان".
الانتصار على الجائحة لا يتم بالضربة القاضية أو بحركة إخضاع واحدة، بل يتطلب تعاون وتضافر جهود ومساهمات من كافة الأطراف والجهات، لأنها عملية متشعبة وينظر لها كمعركة متعددة الميادين والجبهات، ومواجهة جائحة كورونا تمتد على ثلاث مراحل: الاجراءات الاحترازية، ومرحلة التنفيذ والحجر وأخيرًا مرحلة إعادة الحياة الى طبيعتها بعد الأزمة، فهل تعمل الوزارة على بلورة خطة أو برنامج عمل لمرحلة ما بعد الأزمة، كما يقال خطة النزول عن شجرة مرحلة الحجر؟ تجيب الوزيرة: "تعمل الوزارة على إعداد واعتماد مجموعة من الخطط لإعادة انعاش القطاع السياحي الفلسطيني، هذا القطاع الذي أوصل فلسطين للعالم وعرّف ملايين السياح بأهمية فلسطين ومكانتها الدينية والتاريخية. وهذه الخطط سيتم المباشرة بتنفيذها في القريب العاجل حتى نكون جاهزين لاستقبال السياح من جديد بعد زوال الجائحة".
21.436 عاملاً مباشرا متوقفون عن العمل في القطاع السياحي
العديد يتحدث عن آثار الجائحة على الأنشطة والقطاعات الاقتصادية، وما هي الخسائر التي تعرضت لها تلك الأنشطة، فهل لدى الوزارة معطيات رقمية وإحصائية عن أثر الجائحة على قطاع وأنشطة السياحة في فلسطين، تقول معايعة "للأسف فإن حجم الخسائر كبير وكما أشرنا سابقا فإن القطاع السياحي هو القطاع الأكثر تضررا وهو آخر القطاعات التي ستعود لها الحياة بعد زوال الجائحة، حيث أدت هذه الأزمة الى توقف الحركة السياحية في فلسطين بالكامل وذلك شمل إغلاق 210 فنادق بواقع 11500 غرفة فندقية وإغلاق مكاتب السياحة والسفر والمطاعم السياحية ومتاجر التحف الشرقية ومشاغل الحرف التقليدية ووقف عمل الأدلاء السياحيين والباعة المتجولين ومزودي الخدمات للفنادق والمطاعم وغيرها، حيث إنه ووفق بيانات جهاز الإحصاء المركزي فإن عدد العاملين بشكل مباشر في مؤسسات القطاع السياحي الخاص يقارب 21.436 عاملاً وأضعافهم يعملون بشكل غير مباشر كمزودي الخدمات وغيرهم، مما ترتب عليه خلق أزمة اقتصادية غير مسبوقة لهذا القطاع الذي يعتبر الأكثر تضررا والذي يشكّل محورا ومركزا لدائرة اقتصادية أكبر مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر به".
السياحة نشاط عابر للحدود، وتنشيطه وإعادته للحياة يتطلب تواصلاً مع باقي العالم، تعزيزًا للعلاقات، وترويجًا للعرض السياحي والتعريفي بفلسطين كوجهة سياحية عالمية بكل المعاني، فكيف تقوم الوزارة بالتنسيق والتعاون الاقليمي في ظل الجائحة بهدف إبقاء فلسطين كوجهة سياحية وكذلك تعزيز التعاون والتضامن مع الخارطة السياحية الفلسطينية رغم القيود والعقبات التي يفرضها وجود الاحتلال؟، هنا تقول: "جائحة كورونا فرضت علينا معطيات جديدة في مجال الترويج السياحي العالمي، وتحوّل الترويج السياحي من ترويج لأفضل المواقع السياحية الى ترويج لأفضل الإجراءات الصحية التي تم اتخاذها لحماية المواطن والسياح، وهذا ما نعمل عليه من خلال التواصل مع المنظمات الاقليمية والدولية وشرح الإجراءات التي اتخذتها فلسطين للحماية من الفيروس، كما تعمل الوزارة على التواصل الدائم مع منظمة السياحة العالمية لمتابعة آخر التطورات التي تطرأ على الصناعة السياحية في العالم في ظل الجائحة ومتابعة الإجراءات والتوصيات التي تصدر عن المنظمة وكذلك الاحصائيات والدراسات ومقترحات مواجهة الأزمة، والاستفادة من خبرات الدول الأعضاء".
فلسطين قصة نجاح وإصرار على الحياة
المعاناة كانت كبيرة بسبب الجائحة، فالعمل في فلسطين يقع تحت حصارين، حصار بسبب الجائحة وحصار بسبب استمرار الاحتلال في الليل والنهار، ومع ذلك ننظر بعين الاحترام والتقدير للمبادرات والانتصارات على القيود والظروف المجافية، فما هي الدروس والعبر التي تعتبرونها قصص نجاح ومبادرات للتميز من خلال تجربة الوزارة في مواجهة جائحة كورونا على القطاع السياحي في فلسطيني بشكل عام، هنّا توضح معايعة "استطاعت فلسطين بالرغم من صغر حجمها وإجراءات الاحتلال التي تحد من تطورها، أن تعطي العالم درسا في سرعة الاستجابة من خلال اتخاذ سلسلة من الإجراءات والتي عملت على حماية الانسان الفلسطيني وعملت على منع انتشار أو انتقال وباء كورونا مما ساهم في اعتبار فلسطين قصة نجاح وإصرار على الحياة أمام دول العالم".
وتضيف: "يبقى أن نشير الى أن الحياة لن تتوقف، فحسب الجهات الدولية المختصة ستعود الحياة لشرايين السفر والسياحة بشكل متدرج في قادم الأيام، فقد تكون هذه الأزمة هي الأصعب التي نواجهها منذ عقود، وغالبًا ستكون نقطة فاصلة بين ما قبلها وما بعدها على كافة المستويات، لكن التعلم من الأزمة واشتقاق الدروس منها هي التي ستميز الدول والحكومات من الآن وحتى في مواجهة أية أزمات مشابهة مستقبلاً، والتقييم والتوثيق وتصنيف إجراءات التدخل ومعرفة كفاءتها ستكون الإرث العملي للأجيال القادمة".