غزة-الأيام-محمد الجمل-على امتداد المناطق الشرقية لمحافظتي خان يونس ورفح، جنوب قطاع غزة، تنتشر العشرات من مزارع الدواجن مختلفة الأشكال والأحجام، غالبيتها مغلقة وخالية منذ أشهر طويلة.
فمن بين كل خمسة مربين توقف ثلاثة على الأقل عن تربية أفواج جديدة من الدواجن في مزارعهم، بسبب الخسائر الفادحة التي تعرضوا لها، بينما زُج العشرات منهم في السجون، بعد عجزهم عن تسديد قيمة أقساط مالية، كثمن للأعلاف والأدوية التي استهلكوها خلال مراحل التربية.
ويقول المربي إسماعيل حماد: إنه مني بخسائر متتالية على مدار عام كامل بسبب انخفاض أسعار الدواجن وارتفاع التكاليف، فخلال فترة التربية في مزرعته وما بعدها كان ثمن الكيلو الواحد من الدجاج يتراوح ما بين 6 - 8 شواكل، في حين تزيد تكلفة إنتاج الكيلو على ذلك.
وأشار إلى أن المربي يدفع ثمن الصوص على الفور، ثم يأخذ الأعلاف والأدوية بنظام ديون، بعد توقيع كمبيالات يقوم بتسديدها بعد بيع الدجاج لأحد التجار، وفي نهاية كل فوج يكتشف المربي أنه تعرض لخسارة تصل إلى آلاف الشواكل، فيحاول من جديد ويربي أفواجاً أخرى، ثم يمنى بخسارة ثانية وثالثة، فيزيد المبلغ المتراكم عليه من الديون، حتى يصبح عاجزاً عن التربية، وهنا قد يزج في السجن إذا ما قدّم صاحب المال ما لديه من أوراق للجهات الشرطية والقضائية، ويصبح حينها من أصحاب "الذمم المالية"، كما هو متعارف عليه في أوساط التجار.
فيما يقول المربي خالد إسماعيل وفضّل عدم ذكر اسمه كاملاً: إنه مديون لأحد التجار بآلاف الشواكل، بعد سلسلة من الخسائر التي مني بها، إما بسبب مرض الدواجن ونفوقها، أو نتيجة انخفاض الأسعار بصورة كبيرة.
وبيّن أنه منذ نحو عامين لم تتحسن الأسعار سوى لفترات محدودة، وأن المزارعين يربون أفواجاً جديدة أملاً بتعويض الخسائر، وأن كثيراً منهم استسلموا وأغلقوا مزارعهم بانتظار تحسن الحال، أو انصرفوا لمهن أخرى.
وأوضح أنه، منذ عدة أشهر، لم يحقق أي مزارع أو مربٍ أرباحاً من تربية الدواجن، فمحظوظون هم من استطاعوا تغطية تكاليف التربية دون خسائر.
في حين أكد تجار أعلاف أنهم تأثروا كثيراً بسبب الأزمة الراهنة، فالديون المستحقة لهم على المربين ارتفعت بشكل كبير، وهذا حد من قدرتهم على جلب أعلاف وبيض، وفي نفس الوقت يصارعون للحصول على أموالهم المستحقة.
نصف المربين في السجن
وكانت نقابة مربي الدواجن في غزة أكدت أن قطاع الدواجن يُعاني أزمات طاحنة تُهدد المُربين ومزارعهم، وأغلب العاملين بهذا القطاع أصبحوا في السجون أو تحت المطاردة من الجهات القضائية، بعد رفع قضايا عليهم؛ بدعوى الذمم المالية.
وأوضح مروان الحلو، رئيس النقابة في غزة، أن توالي الحروب وتعرض المزارعين لأضرار لم يتلقوا بعدها تعويضات، إضافة إلى انخفاض الأسعار والمنخفضات الجوية، كلها عوامل أسهمت في زيادة الأزمة.
وجدد الحلو ومزارعون آخرون مطالبهم بتحديد أسعار الدواجن وتثبيتها، بحيث يحظى المربي بهامش ربح معقول، وتكون السلعة متوفرة بسعر جيد للمواطنين.
بينما يقول المربي أحمد عيد، وكان يبيع الدجاج على عربة "كارو" في سوق الجمعة وسط محافظة رفح، في محاولة لتوفير أرباح التاجر والبائع: إنه مني بخسارة للمرة الرابعة على التوالي خلال أقل من سبعة أشهر؛ فثمن كيلو الدجاج الحي في السوق 7 شواكل، وهذا يعني أنه يخرج من المزرعة بـ 6 شواكل، وهذا أقل من التكلفة التي قد تصل في فصل الشتاء إلى 9 شواكل للكيلو الواحد.
وبيّن أن انخفاض الأسعار لم يشجع الناس على الشراء؛ فقطع الدواجن المستوردة الرخيصة باتت تشكل بديلاً لكل العائلات تقريباً، ومزاحمة لحوم الديك الرومي والأسماك الطازجة للدواجن أثر أيضاً على المبيعات.
وطالب عيد وغيره من مربي الدواجن بضرورة اتخاذ إجراءات فورية وعاجلة لحماية المزارعين والمربين، خاصة الفئة الأكثر فقراً، من خلال فرض رقابة على كميات البيض التي تدخل إلى القطاع، وتحديد الأسعار، وحتى تعويض المزارعين المتضررين.