كتب: رئيس جمعية جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين أسامة عمرو-
بداية فإنني وباسم الآلاف من رجال وسيدات الأعمال في فلسطين والشتات نتقدم منكم بالتهنئة على تكليفكم بترأس الحكومة الفلسطينية، والتي يتم تشكيلها في أحلك ظروف شعبنا وأشدها ضراوة، وفي خضم مخاض عسير على كافة المستويات، بينما تنفذ إدارة ترامب برنامجا مفصلا، صناعة إسرائيلية، لوأد تطلعات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال. وإننا نثمن لكم موقفكم الجرئ والمسؤول بالتقدم لإشغال منصب ينوء بأحمال وأعباء هائلة في مرحلة يلفها القنوط والإحباط والحاجة وعدم الرضى، والأهم من كل ذلك فشل وانهيار مرحلة أوسلو بما لها وما عليها.
إننا في القطاع الخاص نشارككم الأمل بالنجاح في تلبية الحد الأدنى من التطلعات الشعبية والوطنية على الرغم من الحصار السياسي والاقتصادي المضروب على قيادتنا وشعبنا، ونتوسم فيكم الأمل والقدرة على ترجمة كتاب التكليف وردكم عليه إلى برنامج عملي يتم تنفيذه بالشراكة مع كافة قوى الفعل الفلسطيني. ونتطلع إلى العمل معكم على ترسيم مرحلة جديدة من العلاقة المتكافئة بين القطاع العام والخاص، وأنت العالم ببواطن الأمور، وما آلت إليه الحال في ضوء الاحتلال والتشوه الذي أصاب هذه العلاقة المبنية على الشراكة التاريخية، بعد إعادة صياغتها وتحويلها عمليا إلى علاقة تابع ومتبوع، وتقييم جدواها على أساس الولاء وليس تقاسم المسؤوليات والأعباء في السراء والضراء.
لقد أصبتم يا دولة الرئيس حينما أعلنتم التزامكم بأن تكون حكومتكم "حكومة الكل الفلسطيني"، ليس سياسيا وفصائليا فقط، وإنما على كافة الأصعدة بحيث نصبح جميعا مكونا أساسيا من مكونات منظومة المسؤولية والتكامل في صناعة الأمل لشعبنا وتوفير كل مقومات صموده واستمرار عطائه. فنحن كقطاع خاص يا دولة الرئيس جزء أصيل من هذا الكل الوطني، وبالتأكيد سنكمل بعضنا في مسيرة العمل الجاد والتنمية الاقتصادية. فالصمود الاقتصادي هو جوهر الصمود السياسي، وليس أمامنا مفر من العمل على قلب رجل واحد لتجاوز هذه المرحلة والاستمرار في بناء أسس دولتنا الفتية في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والديمقراطية.
أتوجه إليكم اليوم بأمل العمل المشترك لتعزيز الشراكة المستدامة بين القطاع العام والخاص في التنمية الاقتصادية، وكافة القطاعات الأخرى في تنمية الإنسان وحماية حقوقه تحت مظلة منظومة العدالة والمساواة وسيادة القانون والحكم الرشيد. فكما يقول المثل، يد واحدة لا تصفق، وأنتم الأدرى بمدى الاغتراب الذي يعانيه القطاع الخاص هذه الأيام، وتعمق الإحساس باليأس، واضطرار البعض للبحث عن ملاذات استثمارية أكثر عدلا وأمنا وأمانا واستقراراً. إننا يا دولة الرئيس ندرك جيداً محدودية الإمكانيات لدى حكومتكم، ولكننا متأكدون أنكم ونظرا لخبرتكم الواسعة مقتنعون بأن التكاتف والتعاضد بين كافة مكونات منظومتنا الاقتصادية والاجتماعية هي الضمانة للتقدم إلى الأمام.
لقد أثلج صدرنا ما صرحتم به من التزام بأن تكونوا رئيس وزراء للجميع في وطن واحد وحيد بعيدا عن المحاصصة وتفتيت الجغرافيا، وإننا نتطلع لأن يكون في صلب برنامجكم استعادة وحدة الوطن والحشد والتجهيز لتداول السلطة ديمقراطيا عبر صندوق الاقتراع، ونتطلع إلى قيامكم بإرساء قواعد متينة للحكم الرشيد ومكافحة الفساد والترهل الإداري.
وكما تعلم يا دولة الرئيس فقد ضاقت علينا مساحة الحريات وتقبل الرأي الآخر، ويضيق الأفق علينا يوما بعد يوم، ونشهد منذ سنوات تضاؤل قيم العلمانية وسلوكياتها، وتغلغل الطائفية السياسية والأيدولوجية محلها، ناهيك عن الشعور بتقلص مدى الحريات. إن هذه المظاهر والسلوكيات، والعصبوية المقيتة تصيبنا في مقتل، ولا بد من جرأة الطرح في تصويب المسار، ونحن جاهزون، بل تواقون، لنتحمل نصيبنا من جهود استعادة العلمانية وقيم التسامح والليبرالية، التي لطالما شكلت مصدر ثروتنا الفكرية والإبداعية على مر العصور.
إننا نتطلع إلى مبادرتكم لدمج الشباب والمثقفين والمختصين في الجهد الحكومي، وسيحسب لكم التاريخ استقدام كفاءات شابة من أبنائنا وبناتنا ليكونوا معكم وبكم قادة حاضرنا ومستقبل أمتنا، وهم أهل لها وقادرون على حمل رايات المرحلة بإبداع واقتدار. ونتطلع أيضا إلى تكريس جهودكم وزملاءكم في الحكومة لاستعادة ثقة مؤسسات المجتمع المدني وفلسطينيي الشتات بالسلطة الوطنية، وخلق الظروف المثلى لعودتهم إلى وطنهم مستثمرين وحالمين وبنائين، ويملؤهم شعورهم بمواطنتهم أينما كانوا. وليس أفضل من عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية مدخلا لزرع الأمل بيننا وبينهم بغد أكثر إشراقا وأملا.
ندرك جيدا استحالة الظروف والتحديات التي تواجهكم على كافة الأصعدة، ولكننا على ثقة بأنكم بحنكتكم ودأبكم لطمأنة كافة مكونات المجتمع وفعالياته بأن حكومتكم ستكون على مسافة واحدة من الجميع، ستستنهضون شعبنا للمساهمة في تحمل أعباء هذه المرحلة الصعبة. ولدينا كبير الأمل فيكم، وأنتم من الخبراء الاقتصاديين المشهود لهم، للعمل على تطوير خطة وطنية اقتصادية لتعزيز الصمود وتحصين الموقف السياسي، بالشراكة مع القطاع الخاص وباقي مكونات المجتمع الفلسطيني. ولا بد من السعي الحثيث، متسلحين بوضوح الرؤيا والمسؤولية الجماعية، لخلق اصطفاف عربي ودولي رافد للاقتصاد الوطني، ولا بد من إحداث انقلاب عميق في برامج سفاراتنا حول العالم لتكون جزءا من برنامجكم لاستعادة المشهد وإحياء التضامن مع شعبنا وقضيتنا.
لطالما كنا كقطاع خاص سباقين ومبادرين للدفاع عن نظامنا السياسي كلما اشتد الحصار، ونحن جاهزون الآن كما كنا دوما، للاصطفاف خلف الحكومة كشركاء في تحمل المسؤولية، في سعيها لتكون حكومة الكل الفلسطيني كما صرحتم، وسنكون جنودا مغاوير في الدفاع عن برنامج وحدوي، يقوم على أساس وحدة الوطن والشعب والاقتصاد والرؤية المستقبلية.
إن القطاع الخاص بمؤسساته على أهبة الاستعداد للقيام بما يمليه عليه واجبه الوطني، والتنسيق معكم لتنشيط اقتصادنا الوطني، وكلنا أمل أن تبادروا لإطلاق منصة للحوار الوطني الاقتصادي الجاد والمسؤول، حتى نتمكن معاً من التوصل إلى رؤية مشتركة لهوية اقتصادنا ومتطلبات النهوض به، على قاعدة الشراكة الحقيقية وتحمل كل فريق لمسؤولياته في تعزيز صمود اقتصادنا ونموه، وتوفير الحد الأقصى من الكرامة الاقتصادية لأبناء شعبنا.
ختاما يا دولة الرئيس، فإننا نتطلع إلى سياسات ومواقف جريئة للعمل بسياسة التعامل بالمثل مع إسرائيل، وبحيث لا يكون السوق الفلسطيني مرتعا للنشاط الاقتصادي الإسرائيلي في الوقت الذي يتم فيه منع منتجاتنا من نيل حصتها من السوق الإسرائيلي، وبالتأكيد فإننا نتطلع إلى الالتزام بسياسة "لا مكان لمنتجات المستوطنات في بيوتنا أو للعمالة الفلسطينية هناك، ونعم للمنتج المحلي بدلا من منتوجات الاحتلال في كل مناحي حياتنا". والله الموفق.