غزة -محمد الجمل-الأيام-جذبت قطع من الشوكلاتة لشركة عالمية، عشرات المتواجدين في سوق رفح الأسبوعية الشعبية "السبت"، جنوب قطاع غزة، حين كان أحد الباعة ينادي معلناً أن ثمن الواحدة أربعة شواكل فقط، فانهال المتسوقون عليه للشراء، دون الانتباه لتاريخ الإنتاج أو الصلاحية، عدا أحدهم، الذي أمسك مغلفاً وقرأ التاريخ المدون عليه، ثم وضعه وأمسك آخر، وهكذا، ثم سأل البائع عن صلاحيتها، فأخبره بأن أياماً متبقية على انتهائها.
لكن المشتري قال: إن بعضها انتهت صلاحيته من فترة وأخرى على وشك الانتهاء، فنهره البائع قائلاً: مش عاجبك تشتريش".
يقول البائع العشريني أحمد سالم: إنه حصل على البضاعة من أحد التجار، وأخبره ببيعها على وجه السرعة في الأسواق الشعبية المزدحمة وبسعر مخفض، شريطة ألا يبقى في نفس المكان أكثر من 20 دقيقة، لتلافي تعرضه للمساءلة من مفتشي التموين، موضحاً أنه تمكن من بيع معظم ما جلبه.
سلع تالفة
يقول محمد العبادلة، مدير دائرة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد الوطني في غزة: إن فترة تسلم وتسليم المعابر شابها بعض التشويش في عمليات الرقابة على السلع، وهو ما استغله بعض التجار بإدخال بضائع إما فاسدة، أو تخالف المواصفات الفلسطينية، ما دفع الدائرة لزيادة نشاطها في محاولة لضبط الأسواق، وتم ضبط ومصادرة كميات كبيرة من السلع وإتلافها، وتحرير عشرات المحاضر، وإحالة بعض التجار للنيابة.
وقال العبادلة، منذ خرجت طواقم الوزارة في غزة من المعبر، وتسلمته طواقم أخرى، بدأنا نشعر بمشكلة، فالتجار سارعوا باستغلال هذه الحالة، وغياب التنسيق، وأصبح مفتشو الوزارة يضبطون بصورة يومية سلعاً وبضائع فاسدة في الأسواق، أو مخالفة للمواصفات، من بينها مواد غذائية وبسكويت وشوكولاتة، وعصائر ومشروبات غازية، وعلب تونة وغيرها من السلع.
وبيّن أنه خلال فترة الثمانية أشهر، وغياب وجود نقطة تفتيش لوزارة الاقتصاد خارج المعبر، كانت هناك عشرات الشكاوى تصل وزارة الاقتصاد حول وجود سلع تالفة أو قريبة من التلف.
وبحسب العبادلة، ترافق هذا مع تضاعف كبير في عدد محاضر الضبط، فكلما زادت كميات البضائع غير المفحوصة التي تدخل القطاع، زاد عدد محاضر الضبط والإتلاف.
رقابة ولكن!
بينما يؤكد عبد الرازق الجبور، مدير وزارة الاقتصاد الوطني في معبر كرم أبو سالم، الذي تديره السلطة الفلسطينية، أن ثمة رقابة صارمة ومتعددة المراحل على كل سلعة تدخل القطاع من خلال هذا المنفذ.
وأوضح أنه يتوجب على التاجر الحصول على إذن استيراد من قبل اللجنة الرئاسية لتنسيق دخول البضائع للقطاع، ومن ثم يسمح له بالاستيراد، وعند وصول السلعة للمعبر، تتولى وزارة الاقتصاد معاينتها، ثم يتم تحويلها للوزارة أو الجهة المعنية، سواء كانت وزارة صحة أو مواصلات، أو زراعة، حسب التخصص، فيما تبقى معظم السلع لدى وزارة الاقتصاد، ليتولى مفتشوها الفحص.
ونوه الجبور إلى أن عملية فحص جودة السلعة تتم وفق معايير حددتها مؤسسة المقاييس والمواصفات الفلسطينية، وأول فحص يشمل تاريخ الإنتاج والصلاحية، ومن ثم فحص السلعة بالعين وبحاسة الشم، فكثير من السلع تم إتلافها وتاريخ صلاحيتها سليم، لكن هناك علامات فساد كانت واضحة عليها، وقد يتطلب الأمر أخذ عينات من السلع وإرسالها لمختبرات خارجية.
تجار يتلاعبون
وأكد المهندس الجبور أن بعض التجار يحاولون التلاعب، وهذا بدا واضحاً في الفترة الأولى من تسلم السلطة الفلسطينية إدارة معبر كرم أبو سالم، فثمة تجار حاولوا استغلال الوضع القائم والفترة الانتقالية، بتمرير سلع إما فاسدة أو غير مطابقة للمواصفات الفلسطينية، لكن الوزارات العاملة في المعبر تنبهت لذلك، وشددت الرقابة، وتم ضبط مئات الأطنان من البضائع والسلع غير المطابقة للمواصفات الفلسطينية، وجرى إتلاف بعضها، واتخاذ إجراءات بحق بعض التجار، ممن تكررت محاولات إدخالهم لتلك السلع.
ووصف الجبور حجم التعاون والتنسيق ما بين وزارة الاقتصاد في المعبر ومثيلتها في غزة بالضعيف.
رقابة متعددة
ويرى الجبور أن عمل الوزارات في معبر كرم أبو سالم تعدى الفحص، بل أصبح هناك متابعة لمصدر السلعة، فقبل أسابيع وصلت كمية من الفستق "أكثر من 16 طناً"، ورغم أنها كانت صالحة، لكن بتتبع المصدر أتضح أنها وصلت من مخزن تعرض للحرق، وبالتالي منع تسويقها، وتم إتلافها.
وشدد الجبور على أن العلاقة بين محاولات التجار إدخال بعض السلع غير المطابقة للمواصفات وجهود الوزارات في المعبر عكسية، فكلما زادت الرقابة وشددت تراجعت محاولات التجار، والعكس صحيح، وهذا بدا واضحاً من خلال تراجع نسبة المضبوطات والإتلافات خلال الفترات الماضية، مقارنة بالأيام والأسابيع الأولى من تسلم السلطة الفلسطينية لمعبر كرم أبو سالم.
وأشار إلى أن وزارة الاقتصاد منعت سلعاً من التسويق لأنها لا تحتوي على ملصق باللغة العربية يوضح المكونات وطريقة الاستخدام، وألزمت التاجر بوضع هذا الملصق على كل عبوة قبل تسويقها، كما أتلفت مئات الأطنان من سلع متنوعة لمخالفاتها المواصفات الفلسطينية.
وبيّن أن تعدد الجهات الرقابية على المعبر، ووجود أكثر من منفذ وبوابة لدخول البضائع، يتيح للتجار التلاعب، فمن أبرز نتائج استمرار الانقسام وجود بوابتين لإدخال السلع للقطاع، فبالإضافة لمعبر كرم أبو سالم، هناك بوابة صلاح الدين أو "البوابة القطرية"، وهي مخصصة لاستيراد البضائع من مصر، ولا يوجد أي سيطرة للسلطة الفلسطينية عليها، ولا يعلمون ما يدخل من خلالها.
وأعرب الجبور عن قلقه لوجود بعض التضارب في الصلاحيات، ذاكراً مثالاً على ذلك حيث حظرت وزارة الاقتصاد في معبر كرم أبو سالم تسويق كمية من الأرز، وألزمت التاجر بوضعها في المخازن لحين التحقق من صلاحيتها، غير أن وزارة الاقتصاد في غزة أعطت إذناً بإخراجها، وتحويلها كمساعدات إنسانية.
في حين قال مصدر مطلع في معبر كرم أبو سالم: إن إدارة المعبر ضبطت حلوى، لكن بالفحص الأولى اكتشف المفتشون عدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي، لسوء رائحتها ومذاقها، وتم التحفظ عليها، غير أن التاجر جلبها نفسها من خلال "البوابة القطرية" عبر بوابة صلاح الدين، وتم تسويقها وبيعها في قطاع غزة بسعر يصل إلى نصف قيمتها.
خطورة البوابتين
بدوره، أكد الدكتور عبد الله أبو الهنود، أستاذ الاقتصاد في الكلية العربية للعلوم التطبيقية، أن تعدد البوابات ينعكس سلباً على رقابة البضائع، ويعطي مجالاً للتجار للتحايل، واستغلال ظروف الانقسام لتمرير بعض السلع التي تحظرها جهة وتسمح بها أخرى، خاصة أن كل منفذ له جهة تراقبه وقوانين مختلفة، محذراً في الوقت ذاته من خطورة وجود أكثر من منفذ لدخول البضائع.
وأوضح أن هذا كله يأتي في إطار ما أسماه العبثية الاقتصادية التي يعيشها قطاع غزة، حيث أفرزت نتائج كارثية على كل المستويات، أبرزها سعي الأفراد ومن بينهم التجار لتحقيق الثروة والاكتناز الذاتي، غير مبالين بنتائج هذا السلوك الخطير على حياة الأفراد، حتى وإن كانت نتائجه جلب سلع فاسدة، فالانقسام وتبعاته يمثل أرضية جيدة لذلك.
تلاعب مستمر
أما الدكتور ماهر الأغا، مدير الرقابة الدوائية على المعابر في السلطة الفلسطينية، فأكد أن الأدوية على المعبر لها تعامل خاص، من حيث التنسيق وطريقة التفتيش والرقابة، لكنه اشتكى من تلاعب التجارب بأمرين، الأول محاولة التجار والشركات إدخال أنواع من الأدوية عبر خلطها بأنواع أخرى، فمثلاً تصل حاوية دواء معين، وعند تفتيشها يعثر على أنواع أخرى غير مدرجة داخلها، قد تكون تالفة، أو مخدرة أو غيرها.
أما الأمر الثاني بحسب الأغا فيتمثل بوصول الأدوية عند العاشرة مساءً، وهذا أمر غير مقبول، وربما يكون مقصوداً، فوصول الأدوية متأخراً قد يصعب تفتيشها بدقة، أو التحقق منها كما يعتقد التجار، خاصة في الظلام وتعب المفتشين الذين يكونون قد قضوا ساعات طويلة من العمل.
وعن مصادر الدواء، أكد الأغا أن هناك ثلاثة مصادر لدخول الدواء قطاع غزة، الأول معبر كرم أبو سالم، والثاني معبر رفح، ولا يسمح بدخول الأدوية مع المسافرين إلا بكميات بسيطة "استخدام شخصي" شريطة أن يحمل المريض تقارير طبية ووصفات تثبت حاجته لهذه الكمية، أما الثالث فهو من خلال بوابة صلاح الدين، وهي غير خاضعة لأي سيطرة أو إشراف من قبل وزارة الصحة برام الله، أو الجهات الرقابية في السلطة الفلسطينية.
طرق الإتلاف
ويقول الإداري والمختص بإتلاف البضائع في معبر كرم أبو سالم محمد أبو شبيكة: إن إتلاف أي سلعة أو بضاعة يكون بعد استيفاء كل الشروط القانونية، وعبر لجنة مكونة من كافة الوزارات والهيئات، والعملية تتم بناء على نوع السلعة، فهناك سلع تتلف في حاويات المعبر، وثمة سلع تتلف بمعرفة البلدية وبوجود معدات خاصة، وأخرى بمعرفة سلطة جودة البيئة، المهم أن تتم عملية الإتلاف بأمان، مع ضمان عدم استخدام السلعة مطلقاً.
ونوه إلى أن بعض التجار تتكرر أسماؤهم في محاضر الإتلاف، وهذا دليل على أنهم يكررون محاولاتهم إدخال سلع غير مطابقة للمواصفات والمقاييس الفلسطينية.
نقاط تفتيش جديدة
بينما يؤكد مدير دائرة حماية المستهلك بغزة محمد العبادلة أن الوزارة وضعت نقطة رقابة خارج معبر كرم أبو سالم التجاري، لتفحص السلع والبضائع التي تدخل القطاع، حيث جرى تفعيل الآلية السابقة، وهم يحاولون ضبط الأسواق من جديد.
وأوضح أن الآلية التي كانت تتم سابقاً، وجرى تفعيلها مجدداً في وقت لاحق، تتلخص في أخذ عينات من البضائع والسلع فور دخولها قطاع غزة، ويتم معرفة عنوان المخزن المراد تخزين البضاعة فيه بدقة، ويمنع التاجر من تسويقها قبل صدور نتائج فخص العينة، حيث تنقل إلى مختبرات الوزارة، وتفحص على يد متخصصين، وفي حال كانت جيدة وتتوافق مع المقاييس الفلسطينية، وتاريخ صلاحيتها تبقى فيه أكثر من ثلث المدة يسمح له بالتسويق، وإن كانت هناك أي مشكلة تهدد حياة وسلامة المستهلكين، يتم إتلافها فوراً.
وأوضح أنه تم التواصل مع الأطقم العاملة داخل معبر كرم أبو سالم التابعة لوزارة الاقتصاد الوطني في حكومة الوفاق، وحثهم على إرسال عينات لمختبرات الوزارة، وبدأ يحدث تنسيق محدود، وإرسال بعض العينات، لكنه دون الحد الأدنى المطلوب، ويتمنى لو كان التنسيق والتعاون أفضل.
وأكد العبادلة أن كل مادة غذائية لها مواصفة خاصة تحدد طريقة حفظها، سواء في الظل أو في ثلاجة، أو في ظروف معينة، كما أن السلعة نفسها يدون على غلافها طريقة الحفظ السليمة والاستهلاك، وأحياناً يتلاعب التجار في طريقة حفظ المواد، لتوفير الأموال، سواء بتجنب تشغيل المولدات الكهربائية فترات طويلة، أو عرضها في الشمس، أو حفظ في درجة حرارة معينة، وهنا تتدخل وزارة الاقتصاد عبر مفتشيها لضبط الأمر، وإجبار التجار على إتباع طريقة الحفظ السليمة وربما مصادرة وإتلاف السلع في حال كانت فاسدة.
وأوضح العبادلة أن هناك 35 مفتش تموين يجرون جولات تفتيشية على المحلات والمصانع التي تنتج المواد الغذائية، والمفتش لديه صلاحيات إما بأخذ عينة من السلعة في حال شك بصلاحيتها، أو مصادرة وإتلاف الكمية بالكامل في حال كان ثمة تلف ظاهر، سواء من خلال الشكل أو الرائحة، وفي هذه الحالة يتم فحص السلعة من قبل ثلاثة مفتشين مؤهلين وجميعهم يحملون شهادات جامعية في التصنيع الغذائي، ويصدر حكم فوري بالمصادرة والإتلاف، بعد إتمام الإجراءات القانونية.
وبيّن أن هناك شكلين من أشكال فساد السلع، الأول فساد من المصدر، وهذا يتم التعامل معه قبل التسويق، والثاني تلف خلال العرض، إما لحاجة السلعة لتبريد مستمر، ولم تحصل عليه بسبب أزمة الكهرباء، أو نظراً لطول فترة العرض، وانتهاء تاريخ الصلاحية قبل البيع، وهذا يزيد من الأعباء والمهام الملقاة على عاتق مفتشي التموين.
التعامل مع التجار
وأوضح العبادلة أن التعامل مع التجار المخالفين يتدرج حسب وضع كل تاجر، ففي حال كان سجل التاجر نظيفاً ولم يسبق له أن أخطأ أو أدخل مواد فاسدة، يتم إتلاف البضاعة وتوقيعه على تعهد بعدم تكرار الأمر، وإذا تكرر الأمر تفرض غرامة على التاجر ويوقف إذن الاستيراد الخاص به لمدة شهر أو شهرين تحدده طبيعة المادة المستوردة، وإذا تكرر الأمر لمرة ثالثة تزيد مدة الغرامة، وتطول فترة منع الاستيراد، وقد يعرض التاجر على النيابة والقضاء للحبس.
مشكلة الوكالات
وظهرت مشكلة أخرى نتجت عن وجود انقسام وتعامل أكثر من جهة مع التجار، وهي مشكلة الوكالات، فوزارة الاقتصاد الوطني في الضفة الغربية ومعبر كرم أبو سالم، تحمي الوكالات، وتمنع أي تاجر من استيراد سلعة لها وكالة حصرية لتاجر آخر، وفي حال حدث ذلك يتم احتجاز السلعة داخل معبر كرم أبو سالم، وتطلب من المستورد الجديد عمل تسوية مع الوكيل، ولا يفرج عن السلعة إلا بكتاب خطي من الوكيل الأصلي، يسمح بخروجها، في حين أن وزارة الاقتصاد في غزة ألغت كلياً الوكالات، وتسمح لأي تاجر باستيراد أي سلعة، وهذا يخلق إرباكاً كبيراً، ما يعني أن الاستيراد من خلال معبر كرم أبو سالم يتم عبر الوكالات، بينما من خلال بوابة صلاح الدين دونها.
المصلحة تحرك التجار
بينما يقول التاجر إبراهيم "اسم مستعار": إن التاجر دائماً تعنيه مصلحته الربحية، لذلك لن يتوانى عن إدخال أي سلعة تدر عليه أرباحاً أعلى، وكلما كانت السلعة رديئة أو فاسدة كان ثمنها أقل، وبالتالي تجلب ربحاً أكبر، مبينا أن فترة تسلم وتسليم المعابر وتضارب الصلاحيات، كانت فترة مثالية بالنسبة لبعض التجار لتمرير سلع رديئة وسيئة.
وأضاف إبراهيم: إن هناك ثلاث طرق يتبعها التجار لتمرير بضائعهم الرديئة، إما استغلال الوضع القائم من انقسام وتعدد الصلاحيات لإدخال البضائع بطرق هم يعرفونها، أو البحث عن بعض الموظفين من ضعاف النفوس لدفع رشاوى لهم، خاصة أن الموظفين من الحكومتين يتقاضون أقل من 50% من رواتبهم ويحتاجون أي مبالغ، أما الطريقة الثالثة تزوير التواريخ أو إخفاء البضائع بالتعاون مع الجهة التي استوردوا منها، وهذا ما وثقه معد التحقيق، اذ اكتشف مفتشو وزارة الاقتصاد في معبر كرم أبو سالم سمكاً مستورداً من دولة آسيوية تاريخ إنتاجه في شهر كانون الأول عام 2018، علماً أن الضبط كان في شهر آب، أي قبل الموعد المحدد بأربعة أشهر، ما دفع إدارة المعبر لاحتجازه، وطلب رسالة توضيح خطية من الشركة عما حدث.
وأقر إبراهيم بضبط بعض السلع التي هُربت، لكن الكثير منها تم إدخاله وتسويقه في القطاع.
نظامان اقتصاديان
وأوضح الخبير الاقتصادي أبو الهنود أن وجود نظامين اقتصاديين منفصلين بين الضفة وغزة، وكذلك وجود جهتين رقابيتين على الاقتصاد في غزة، خلق ثغرات وفجوات رقابية واسعة، أتاحت لبعض التجار استغلال هذا الواقع باتباع سلوكيات اقتصادية خطيرة، من بينها غياب الجودة على السلع، والتلاعب في الصلاحية، وحالة الإغراق غير المراقبة للأسواق.
وقال أبو الهنود: شجع الانقسام وتبعاته التجار لإدخال كل شيء إلى قطاع غزة، دون وجود معايير اقتصادية واضحة تقيد الأمر.
وأضاف: كيف يمكن أن نفسر وجود سلعة تباع في بلد المنشأ بدولارين مثلاً، وفي غزة تباع بعد استيرادها ودفع جماركها بدولار واحد؟
ووصف أبو الهنود المعابر ببوابة الصحة والسلامة للمواطنين، إذا ما صحت الرقابة عليها، وتعرضت السلع التي تدخل من خلالها لمعايير الجودة، تصبح صحة الناس في مأمن، أما إذا فسدت الرقابة حتماً سيكون هناك تردٍ في الحالة الصحية والغذائية للمواطنين، موضحاً وجود دلالات خطيرة تحتاج إلى مراجعة معمقة، من بينها ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان، خاصة سرطان المعدة والقولون، وهما مرضان مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بتناول أغذية فاسدة ومسممة.
وهو ما طابقه تصريح الدكتور خالد ثابت، رئيس قسم الأورام في مستشفى الشفاء الحكومي، بأن ما يزيد على 1600 حالة سرطان جديدة يتم اكتشافها في قطاع غزة سنوياً.
وأوضح أن الحالات المكتشفة شهرياً تزيد على 120 حالة سرطان جديدة، تضاف إلى أعداد المصابين بالسرطان في الفترات السابقة، ما يضخم عدد الحالات المصابة بالمرض، مبيناً أن هناك ارتفاعاً في أنواع معينة من السرطانات، خاصة سرطان القولون، بسبب الملوثات التي تدخل عن طريق الأطعمة.
ودعا أبو الهنود إلى ضرورة وجود رقابة على من يراقب دخول الأغذية، وهذا أمر مهم لضمان سلامة ما يدخل من خلال المعابر، فالفقر وشح الرواتب قد يشكل مدخلاً للرشوة.
وأوصى أبو الهنود بتوحيد النظام الاقتصادي الفلسطيني بين شطري الوطن، ومن ثم ضبط المعابر في القطاع، بوجود جسم رقابي وضريبي واحد، وأن يتم العمل بناء على إستراتيجية اقتصادية وطنية، تحمي الناس أولاً، ثم تحمي المنتج المحلي، وتضع ضمانات لعمل التجار.
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي محمد سكيك، مدير مركز التجارة الفلسطيني "بال تريد"، المتخصص في مراقبة أداء المعابر بغزة، أن غياب جسم موحد لمراقبة دخول وخروج السلع من قطاع غزة، وتحديد الكميات ومعايير الجودة أدى إلى مشاكل، بل كوارث اقتصادية، في القطاع، وأضر بالمستورد والمستهلك على حد سواء.
وأوضح سكيك أن بعض التجار للأسف استغلوا آثار الانقسام ووجود أكثر من جهة تشرف على دخول البضائع، وغياب التناغم بينها، وبدؤوا بإدخال بضائع لا تتوافق مع معايير الجودة الفلسطينية، المحددة وفق القانون.
وقال: حين يشعر التاجر بغياب الرقابة وانعدام التنسيق والتعاون بين جهتي الانقسام اللتين تسيطران على المعابر وعلى الأسواق، سيكون هناك خروقات بالجملة، وسيكون هناك أرضية خصبة لأشياء خارجة عن المنظومة القانونية والاقتصادية.
وأكد أنه بالإضافة إلى مشاكل البضائع الرديئة والسيئة وربما التي يعتري بعضها الفساد، طغت ظاهرة اقتصادية جديدة وخطيرة وهي الإغراق"، بحيث يدخل التجار كميات أكبر بكثير من حاجة المستهلكين، وهذا يتسبب في انهيار الأسعار بصورة كبيرة، كما حدث في شهري أيار وحزيران الماضيين، حين أغرقت أسواق قطاع غزة بالموز، وأصبح ثمن الكيلوجرام حوالى شيكل واحد في بعض الأحيان.
كما تحدث سكيك عن غياب حماية للوكلاء، وهم من المفترض الموكلون بإدخال سلعة معينة، حيث بدأ بعض التجار يدخلون على خطوط زملائهم، ويدخلون ذات السلعة، ما تسبب في تضرر التاجر.
وأضاف: السؤال المهم الذي يراود الاقتصاديين في قطاع غزة خلال الفترة الحالية هو: من يقرر ماذا يدخل؟ وكيف وبأي آلية وبناء على ماذا يقرر؟
وأكد أن تسليم المعابر للسلطة الفلسطينية أثر بشكل كبير على الاقتصاد الغزي، وأصبح هناك أكثر من جهة رقابية، لكن للأسف الرقابة شكلية وهذا يفسر حالة الإغراق التي حدثت في الأسواق، وازدواجية فرض رسوم، وشكوى الناس من سوء البضائع.
وأكد سكيك أنه تمت مناقشة هذا الموضوع في الأروقة الاقتصادية، وخرج الجميع بتوصية اقتصادية مهمة، تتمثل بضرورة وجود جهة ناظمة موحدة للحياة الاقتصادية، من أجل ضبط عملية إدخال البضائع وضبط معايير الجودة، ومنع إدخال أي سلع فاسدة.