غزة-الحياة الجديدة- عماد عبد الرحمن - لم يخطر على بال "ش. ي" دكتور صيدلي أن حياته ستنقلب رأسا على عقب وسيتحول من دكتور له مكانة اجتماعية مرموقة ويشار له بالبنان في الأوساط المهنية والاجتماعية الى مطارد للشرطة، تاركا بيته وزوجته وأطفاله ومختبئا عند أصدقائه، هربا من تنفيذ أحكام بالحبس صادرة بحقه على خلفية قضايا "ذمم مالية".
بدأت قصة " ش.ي" عندما استلم ثمن بضاعة له بشيكات مؤجلة، وعند استحقاق موعدها فوجئ بعدم وجود أرصدة لهذه الشيكات، الأمر الذي أدى الى تعثره في سداد شيكات مستحقة عليه لشركات أدوية ومستحضرات تجميل، فوقع رهينة شباك الشيكات المرجعة فلم يستطع تحصيل ما له ولا الإيفاء بما عليه، ولم يعد أمامه بعد تراكم مديونيته وعجزه عن تحصيل ديونه إلا إغلاق صيدليته والهروب قدر استطاعته لعله يجد حلا لوضعه المأساوي.
2017 الأسوأ اقتصاديا على القطاع
حالة الدكتور " ش.ي" أصبحت ظاهرة تتكرر يوميا في قطاع غزة، وأصابت الكثير من فئات المجتمع، وما ظاهرة الشيكات المرجعة إلا مؤشرا على مدى الانهيار الحاصل في الوضع الاقتصادي الأمر الذي صنف معه عام 2017 الأسوأ اقتصاديا على قطاع غزة، حيث وصل عدد الشيكات المرتجعة حوالي 340 ألف شيك، بما يعادل 112 مليون دولار قيمة الشيكات المرتجعة، ووصلت أوامر الحبس الى ما يقارب 98314 أمر حبس على ذمم مالية.
أسباب الظاهرة
وفي هذا الإطار أشار د. سمير أبو مدللة رئيس قسم الاقتصاد بجامعة الأزهر الى أن اتساع ظاهرة الشيكات المرتجعة في غزة أدت إلى ادخال الوضع الاقتصادي في أزمة حقيقية، مرجعا سبب هذه الظاهرة الى تراجع الاقتصاد الفلسطيني نتيجة حالة الحصار الذي دام أكثر من 10 أعوام والانقسام الفلسطيني الفلسطيني، والدمار الذي لحق بالقطاع الخاص نتيجة الحروب المتكررة وتباطؤ عمليات التعويض، بالإضافة الى الأزمة النقدية التي يعاني منها الموظفون العموميون منذ حوالي العام، والغالبية منهم مقترضون من البنوك، وتخلفهم عن سداد ما عليهم من أقساط وشيكات لعدم قدرتهم المالية، بالإضافة الى ارتفاع معدلات البطالة التي وصلت الى ما يقارب 46.6% وانتشار حالات الفقر والفقر المدقع لتصل الى 65% ، كل هذا أدى الى تراكم الأزمات، وتدحرجت الأزمة ككرة الثلج وكبرت يوما بعد يوم.
ونوه د. سمير أبو مدللة الى أن ما أدى الى تفاقم الأزمة أكثر خاصة لدى فئة تجار الجملة والتجزئة أنهم أوغلوا في البيع بالدين في بداية أزمة خصومات رواتب الموظفين العموميين على أمل أن تنتهي الأزمة سريعا بعد شهر أو أثنين ولكن مع استمرار الأوضاع وطول الفترة ، امتنع الموظفون عن سداد التزاماتهم، وانكشف التجار وتفاقمت أزمتهم، مؤكدا ان ظاهرة الشيكات المرتجعة تدخل الاقتصاد في أزمة حقيقية عنوانها أنه لا يوجد نقد للتداول بين الشركات وبعضها وبين المواطنين، وبالتالي يتأثر الوضع المالي للتشغيل ما يؤثر على الناتج الاجمالي ولن يكون هناك توظيف جديد.
وأوضح الخبير الاقتصادي د. ماهر تيسير الطباع مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة تجارة وصناعة محافظات غزة أن الأوضاع الاقتصادية الكارثية التي يمر بها القطاع والمتمثلة في انعدام توفّر السيولة النقدية بين المواطنين وانعدام القدرة الشرائية للمواطنين أدت إلى ارتفاع حاد في حجم الشيكات المرتجعة، وانتشار ظاهرتها خلال السنوات الأخيرة وألقت بآثارها السلبية على حركة دوران رأس المال وأحدثت ارباكاً كبير في كافة الأنشطة الاقتصادية الأمر الذي سيؤدي الى تباطؤ النمو الاقتصادي وتعميق الأزمة الاقتصادية وسيحدث إرباكا في التدفقات النقدية وعدم تمكن أصحاب الشيكات من الإيفاء بالتزاماتهم في مواعيدها.
ظاهرة "التكييش"
وأشار د. الطباع الى وجود صنفين من الشيكات المرتجعة الأول نتيجة تعثر مالي حقيقي، والآخر بسبب النصب والاحتيال، حيث إن البعض يصدر شيكات من دفاتر قديمة ومن حسابات موقوفة، بالإضافة إلى ظاهرة "التكييش" والتي تقوم فكرتها على لجوء العديد من المواطنين إلى شراء سلعة معينة كالسيارات أو الأجهزة الكهربائية والالكترونية والجوالات بالتقسيط عن طريق الشيكات، ومن ثم بيعها لذات الشركة أو لشركة أخرى أو لأشخاص ليحصلوا بذلك على سيولة نقدية ويكون سعر البيع النقدي أقل من السعر الحقيقي، منوها الى أن هذه الظاهرة لها مخاطر كبيرة على الاقتصاد الفلسطيني وتؤدي إلى تعثر المواطنين وإفلاس التجار وتسببت في زيادة أعداد الشيكات المرجعة، نظراً لعدم قدرة أصحابها على التسديد بسبب الديون المتراكمة والخسائر في بيع البضائع بسبب "التكييش".
وطالب د. الطباع سلطة النقد بتدخل عاجل وسريع لبحث إمكانية تأجيل كافة مستحقات القروض ولكافة الفئات لمدة ستة أشهر على الأقل، وذلك بهدف توفير السيولة النقدية المعدومة في أسواق القطاع حتى لا تتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والتي أدخلت قطاع غزة إلى منحنى خطير جدا ووصل إلى الرمق الأخير من حاله الموت السريري.
سلطة النقد
وحسب البيانات الصادرة عن سلطة النقد الفلسطينية فان إجمالي الشيكات المرجعة في قطاع غزة خلال عام 2017 بلغ نحو 112 مليون دولار أي ما نسبته 9.7% من إجمالي الشيكات المرجعة في فلسطين، مقابل 62 مليون دولار إجمالي الشيكات المرجعة خلال عام 2016 ، بينما في عام 2015 بلغ إجمالي الشيكات المرجعة حوالي 37 مليون دولار.
ولأول مرة يتجاوز حجم الشيكات المرجعة حاجز المليار دولار على مستوى فلسطين حيث بلغ إجمالي الشيكات المرجعة في فلسطين نحو 1.154 مليار دولار خلال عام 2017، وبلغ عددها 735,479 شيكل, مقابل 775 مليون دولار خلال عام 2016 و670 مليون دولار خلال عام 2015.
محاربة الظاهرة
ويأتي ارتفاع ظاهرة الشيكات المرجعة بالرغم من الإجراءات الصارمة التي اتبعتها سلطة النقد خلال السنوات الأخيرة للحد من هذه الظاهرة ، حيث قامت السلطة بوضع عمولة كبيرة على الشيكات المرجعة وتصنيف صاحب الحساب الذي يرجع له أكثر من شيك في خانة القائمة السوداء بحيث لا يصدر له أي دفاتر شيكات.
وكانت سلطة النقد قد أعلنت دأبها منذ سنوات على محاربة ظاهرة الشيكات المرجعة لعدم كفاية الرصيد واتخاذها سلسلة من الإجراءات للحد من هذه الظاهرة لما لها من آثار سلبية على النسيج الاجتماعي والاقتصادي حيث أطلقا نظاما آليا للشيكات المعادة في عام 2010، وتدرس سلطة النقد امكانية اتخاذ مجموعة من الإجراءات منها التشدد في التعامل بإيجابية مع طلبات تسوية تصنيف العملاء المصنفين على نظام الشيكات درجات تصنيف طويلة الامد، ووقف العمل بإقرارات العملاء الخطية لأغراض اجراء تسوية رضائية واستبدالها بتصريح مشفوع بالقسم صادر عن الجهات القانونية، وإطلاق نظام الاستعلام الائتماني الموحد للقطاع الخاص.