رام الله-أخبار المال والأعمال-عقد في مقر معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) الجلسة الرابعة لمنتدى الحماية الاجتماعية الفلسطينية الشاملة لدراسة كافة جوانب الإخفاق في إطلاق نظام الضمان الاجتماعي ولطرح مواقف الأطراف وقوى الضغط تجاه هذه المسألة الحيوية.
وناقشت الجلسة أهمية إزالة الإزدواجية بين أنظمة التقاعد المعمول بها في فلسطين، والآليات الممكنة لبدء تطبيق الضمان الاجتماعي بالتدريج، والاستفادة من الأخطاء السابقة.
وشارك في اللقاء مجموعة من ذوي الاختصاص والخبرة في هذا الشأن ضمن مجموعة متخصصة تم تشكيلها في تشرين الثاني 2020، وقدم د. أحمد خالد الأستاذ المساعد في كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت ورقة ملاحظات، فيما قدم التعقيبات كل من د. عاطف علاونة، ممثلا عن القطاع الخاص، ومحمود زيادة أمين عام اتحادات النقابات العمالية الفلسطينية المستقلة، وماجد الحلو رئيس هيئة التقاعد الفلسطينية.
ورقة بحثية
واستعرض خالد ورقة أعدها حديثًا حول الموضوع، حيث شملت على تغطية شاملة لبنود قانون الضمان الاجتماعي لعام 2016 وسبل احيائه بما يتجاوب مع المطالب المختلفة لتعديله وتوضيحه، وأيضاً بما يحصد الدروس المستفادة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بفلسطين جراء جائحة كوفيد-19.
وذكر خالد بعض من الإشكاليات والمقترحات التي تمثل ضرورة يتوجب ملاحظتها والأخذ بها عند إقرار قانون ضمان اجتماعي جديد، بما يضمن خلق نظام تقاعدي يلبي الحد الأدنى من حياة كريمة للفئات المجتمعية التي ستنتمي لهذا القانون. ومن هذه الإشكاليات: عدم المساواة مع نظام التقاعد العام، والمساس بحقوق مكتسبة للعامل/ة ترتبت بموجب قانون العمل، تشكيل مجلس إدارة مؤسسة الضمان وتحديد مسؤوليته، الآلية التشريعية في إصدار القانون واللوائح التنفيذية.
وقدم خالد مجموعة من المقترحات ودعا إلى الأخذ بالملاحظات الواردة في هذه الورقة التي من شأنها أن تحقق المساواة وتزيل الازدواجية بين أنظمة التقاعد المعمول بها في فلسطين، وتزيل أيضا الازدواجية في التعامل مع العاملين في القطاعات المختلفة بما يحقق المساواة والعدالة في التطبيق. وهذا بالتأكيد سيمكّن ويسهّل من عملية الانتقال مستقبلا إلى نظام تقاعد واحد ينطبق على العاملين في كافة القطاعات العاملة في فلسطين، وهذه هي النتيجة المنطقية التي ينبغي العمل عليها مستقبلا حيث لا يمكن الاستمرار في العمل ضمن أنظمة تقاعد مختلفة ومتنوعة ومتباينة.
رؤية من القطاع الخاص
وفي تعقيبه على الموضوع، تحدث علاونة في مداخلته عن قانون الضمان الاجتماعي الذي يعاني من غياب مرجعية محددة متفق عليها، ويظهر هذا في أسس احتساب راتب التقاعد في قانون الضمان الذي يختلف عن احتساب راتب التقاعد في القطاع العام، وذلك بسبب أن قانون الضمان مرجعيته قانون العمل بينما قانون التقاعد مرجعيته قانون الخدمة المدنية.
ورأى علاونة أن اختلاف القوانين ينجم عنها أنظمة مختلفة، ولا ضرر في ابقائها كما هي لأن ذلك ليس له علاقة بتحقيق المساواة والتكافل الاجتماعي، وتطرق علاونة الى عدة نقاط رئيسية في تقييم قانون الضمان الاجتماعي، تتمثل النقطة الأبرز في الديمومة والاستدامة للنظام، إذ أن هناك عدة نقاط خلل في القانون ربما تتسبب في إفلاس النظام وتحول دون ديمومته، وطرح علاونة مثالا على ذلك بأن يقوم أصحاب الدخل العالي بالتواطؤ مع أصحاب العمل في السنوات، بحيث يتم رفع الراتب لضمان الحصول على راتب تقاعدي عالي، بالمقابل يقاسم صاحب العمل المتقاعد جزءًا من هذا الراتب. لذا، أوصى بضرورة العمل على إصلاح هذه النقاط في القانون من خلال وضع سقف للرواتب والذي تم تحديده من خلال الدراسة الاكتوارية (يجب أن يكون سبعة أضعاف الحد الأدنى للأجور)، كما تطرق علاونة الى نقطة الاشتراكات والتي يجب أن تكون 3 اشتراكات وليس 12 اشتراكًا وذلك لمنع التلاعب في تسجيل المدنيين في القطاع الخاص، وأكد على أهمية الإدارة السليمة لصندوق الضمان وأن تتولى جهة محايدة هذه المسؤولية، وأكد أيضاً على أن راتب التقاعد في قانون الضمان يهدف إلى توفير الدخل لمن لا دخل له، وبالتالي فهو راتب تكافلي اجتماعي وليس "ورثة"، بالإضافة الى ضرورة تطبيق قانون الضمان على مراحل بسبب الاعتبارات والأعباء المالية والإدارية.
الفقراء هم المستفيدون الأوائل من الضمان
من جانبه، تساءل محمود زيادة في مداخلته عن المستفيد من قانون الضمان الاجتماعي، ثم تطرق الى نقطة يراها مأخذًا في النظام والتي تتمثل في عدد سنوات الخدمة الطويلة التي يجب أن يقضيها العامل للحصول على راتب التقاعد عند تقاعده، خصوصًا في ظل معدل البطالة المرتفع في البلاد والتقلبات المتكررة في سوق العمل، ثم تطرق الى مأخذ آخر في النظام وهو سقف الرواتب والذي يعمّق من اللامساواة ويزيد من الفوارق الطبقية في المجتمع، وبالتالي سيشكّل عائقًا أمام تحقيق الحماية الاجتماعية والتكافل الاجتماعي.
ورأى زيادة أن موقف القطاع الخاص تجاه قانون الضمان يمكن وصفه بالأصولية في الديمومة، إذ أنه يرى أن القطاع الخاص لن يسهم في راتب التقاعد بأكثر من قيمة مكافأة نهاية الخدمة، وطالب زيادة بضرورة بناء رؤية استراتيجية بخصوص قانون الضمان، ودعا الى ضرورة البدء بتطبيق البنود التي تخدم الفئات الأكثر حاجة وذلك بعد تعديلها.
الاستفادة من الأخطاء السابقة
وتحدث الحلو في مداخلته أن فلسطين من الدول السبع حول العالم التي لا تحظى بخدمة الضمان الاجتماعي.
ورأى الحلو أن ارتفاع التكاليف على أصحاب العمل تحول دون تطبيق قانون الضمان، وأن غياب الوعي في أهمية الضمان الاجتماعي ونجاح معارضي تطبيق قانون الضمان حالَ دون تطبيق القانون، موضحًا أن النجاح في تطبيق القانون في المستقبل يتطلب الاستفادة من الأخطاء السابقة.
وأضاف: يجب تطبيق القانون على القطاع الخاص دفعة واحدة وإن لم يكن هذا ممكنا فإنه يتم تطبيق القانون بالتدريج لتخفيف عبء التكاليف على القطاع الخاص.
وأشار إلى أن عدم الانتهاء من تجهيز اللوائح التنظيمية والقانونية أعاق سير تطبيق القانون، أما بخصوص مستحقات العمال الفلسطينيين في إسرائيل، فأشار الى أن صندوق الضمان الاجتماعي لم يكن مهيئًا لاستقبال هذه الأموال.
وطالب الحلو بضرورة بناء الثقة بين القائمين على صندوق الضمان والعمال الفلسطينيين، وذلك من خلال نصوص صحيحة وإدارة صحيحة ووجود لوائح شفافة، وكما طالب باستقلالية صندوق الضمان لكي يتمكن من تحقيق العدالة، وكما طالب بمشاركة أوسع من طرف القطاع الخاص. ورأى أن وجود قانون مطبق للضمان الاجتماعي أفضل من عدمه، وذلك لحماية حقوق العمال وأصحاب العمل، وأكد على أن عدم تطبيق قانون الضمان منذ سنوات سابقة يعد خسارة كبيرة.
ورقة موقف
وأشار المشاركون في الجلسة، إلى أن أحد أهم الأسباب في عدم تطبيق قانون الضمان يعود إلى قلة الثقة في الحكومة في تولي مسؤولية إدارة صندوق الضمان، وإلى أن غياب إطار مرجعي ينظم العلاقة بين أصحاب العمل والعمال والحكومة ودور كل منهم تجاه الآخر يعيق تطبيق قانون الضمان، وبينوا أن الحاجة ملحّة لوجود قانون للضمان الاجتماعي، ولاسترجاع حقوق العمال في إسرائيل، بالإضافة إلى أهمية استقلالية المؤسسة، وأن غياب ذلك يشكّل أهم مكامن فشل تطبيق قانون الضمان، وأن تقوم الحكومة بتمويل العجز في الصندوق.
وفي ختام الجلسة شكر المدير العام لمعهد ماس رجا الخالدي المشاركين، وأوضح بأن المعهد سيعمل على إعداد ورقة موقف تعكس نقاط التوافق حول إطلاق أنظمة الحماية الاجتماعية كإطار شامل وواضح ينظم عمل كافة الجهات في سعيها نحو تحقيق الحماية الاجتماعية الشاملة، وعبّر عن أمله بأن يساهم هذا الجهد البحثي والحوار العلمي الأهلي في تعزيز جاهزية كافة الأطراف لإعادة فتح هذا الملف وتلبية الحاجة للمضي قدماً دون تردد في وضع الأسس الصحيحة للحماية الاجتماعية الشاملة.
وأشار الخالدي إلى أن المعهد قام بإطلاق هذه المبادرة من واقع غياب أنظمة الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي، وذلك بالتزامن مع آخر تطورات الوضع والأزمة الناشئة بسبب جائحة كورونا التي أوصلت شريحة واسعة من المجتمع الفلسطيني إلى ما دون خط الفقر والبطالة، مما رسّخ لدى المعهد القناعة بضرورة لعب دوره (كجهة بحثية محايدة) في التمهيد لبناء أنظمة الحماية الاجتماعية الشاملة وفق أسس علمية.
ولفت إلى أن الحماية الاجتماعية أحد أهم السياسات والأدوات الضرورية لمواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني، وأن المعهد عقد خلال الشهرين الماضيين ثلاث جلسات، ناقشت الأولى "أسس الانطلاق نحو الحماية الاجتماعية - الإطار المفاهيمي وتجارب الدول خلال جائحة كوفيد-19". فيما ناقشت الثانية "الأثر الاقتصادي الكلي المتوقع لتطبيق قانون الضمان الاجتماعي في فلسطين"، أما الثالثة فقد ناقشت "الطريق الى التغطية الصحية الشاملة في دولة فلسطين ونظام التأمين الصحي المطلوب".