رام الله-أخبار المال والأعمال-استضاف معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس"، اليوم الأربعاء، محاضرة لأستاذة الاقتصاد في جامعة "كلية لندن" ماريانا مازوكاتو، إحدى أهم منظري ريادية دور الدولة في الاقتصاد.
وتأتي المحاضرة ضمن سلسلة "محاضرات يوسف الصايغ التنموية"، تخليدا للمفكر الاقتصادي الفلسطيني يوسف الصايغ.
وتمحورت محاضرة مازوكاتو حول فكرة رئيسية أن "الدولة المساهم الأكبر في تكوين الثروة والنمو الاقتصادي وليس مجرد مصلح للسوق".
وشارك في المحاضرة التي ألقتها مازوكاتو من لندن عبر منصة إلكترونية، نحو 250 متابعا، وبثت في خمس جامعات فلسطينية، ومعهد وسبع جامعات في أوروبا والعالم العربي وجنوب افريقيا، وركزت على ضرورة تغيير النهج الاقتصادي المتبع في العالم، والذي أثبت فشله عبر السنوات في خلق تنمية مستدامة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وأشارت الأكاديمية الاقتصادية المثيرة للجدل، إلى ارهاصات هذا التغيير بتغير اللغة منذ الأزمة المالية التي بدأت في العام 2008، والتي ازالت الغبار عن الدور الكبير الذي تلعبه الدولة في الاقتصاد والابتكارات وتكوين الثروة، خلافا للاعتقاد السائد بأن دورها ينحصر في القواعد والأساسيات فيما مهمة تحقيق النمو والتنمية والابتكار والابداع على القطاع الخاص.
وقالت مازوكاتو "السياسات تركزت حول إيجاد علاج لإخفاقات السوق، وهذا لم ينجح، ومنذ الأزمة المالية في 2008، بدأنا نسمع لغة جديدة وتوجهات جديدة".
وأضافت "لن نتمكن من تحقيق تنمية مستدامة إلا باستراتيجية جديدة للتحول الاقتصادي".
وقبل أن تستعرض نماذج دولية لدور استثمارات الدولة في التنمية، وخطوات مستقبلية لتحقيق تنمية مستدامة وصولا إلى العدالة الاجتماعية، عرضت مازوكاتو خمسة تحديات/ مشاكل تواجه العالم تشكل دليلا للتغيير الاقتصادي.
وتتمثل أولى هذه المشاكل بالنظام المالي، التي قالت انه "يمول نفسه فقط، ولا يمول الاقتصاد الحقيقي".
وأضافت، النمو في قطاع الوساطة المالية أكبر بكثير من النمو الذي يحققه الاقتصاد الفعلي.
والمشكلة الثانية تتمثل بتحول القطاع الإنتاجي/ الصناعة نفسه إلى قطاع مالي، عبر عمليات إعادة شراء الأسهم، "فتتحرك الأموال دون أن تنعكس على الإنتاج".
والمشكلة الثالثة تتمثل بغياب المساواة، حيث تتقلص حصة العمال من عوائد انتاجهم عاما بعد عام.
والمشكلة الرابعة تتعلق بالتغيرات المناخية، حيث لم تتغير الممارسات للحد من انبعاثات الكربون رغم مرور سنوات طويلة على وضع هدف عالمي بهذا الخصوص.
وأخيرا المشاكل المتعلقة بالدولة، والنظرة غير الصحيحة لحقيقة دورها، والانطباع أنه يقتصر على القواعد ووضع السياسات، في حين أن الابتكارات التي ساهمت في تغييرات وتحولات جذرية في حياة البشر هي نتيجة استثمارات الدولة بالدرجة الأولى، وليس القطاع الخاص.
وعرضت مازوكاتو العديد من النماذج التي تبرز دور الدولة في الريادية والابتكارات، كما عرضت نماذج لصناديق استثمارية للدول، كان لها الدور الأبرز في تحقيق التنمية.
ومازوكاتو أستاذة في اقتصاد الابتكار والقيمة العامة في جامعة كلية لندنUniversity College London، وهي مؤسسة ومديرة معهد الابتكار والغرض العام في الجامعة الذي يُعنى بإعادة تعريف دور السياسات العامة في تحديد معدل النمو الاقتصادي واتجاهه.
وصنفت كأكثر الاقتصاديين تأثيرا في العالم حسب مجلة كوارتز، وتعمل مازوكاتو مع سياسيين وصناع قرار من دول مختلفة حول العالم، وبشكل أساسي مع المفوضية الأوروبية. هي مستشارة حزب العمال البريطاني في السياسة الاقتصادية، كما أنها مستشارة المرشحة الديمقراطية الأميركية إليزابيث وورن، وأيضا مستشارة زعيم الحزب القومي الأسكتلندي نيكولا ستورجن.
وتركز على دور الابتكار والنمو الاقتصادي من خلال تحليل دور الحكومات في دعم الابتكارات كعامل أساسي لنجاحها، ومن هنا تطرقت كأمثلة إلى شركات "غوغل"، و"آبل" و"فيسبوك"، والتي نجحت في دولة معينة وربما لم تلق ما يشابهها في دول أخرى مثلاً في دول أوروبا.
والتساؤل الأهم هنا، حسب رأي مازوكاتو، ما هو السر وراء نجاح هذه الشركات؟ هل نجحت باستخدام نفس آليات السوق المتبعة في العالم؟ هل هناك آليات تمويلية مختلفة تتبنى الابتكارات الجديدة وتخاطر في تمويلها أكثر من البنوك؟ أم أن الأمر يتعلق بسياسات تسويقية ناجحة جدا تختلف عن الآليات التسويقية التقليدية؟ اهتمت مازوكاتو في تحليل اللغة، والخطاب، والصور، والكلمات المستخدمة لوصف القطاع الخاص بأنه أكثر قدرة على الابتكار والإبداع من ناحية، وتشويه صورة القطاع العام ودوره والادعاء بأن تضخم القطاع العام في بعض الدول يحول دون أخذ القطاع الخاص لدوره الاستثماري الحيوي.
وترى دور الدولة في هذه الحالات تعدى ما يدعيه الاقتصاديون وصانعو "سياسات التصحيح الهيكلي" قيما يتعلق باختلالات السوق، حيث لم يقتصر دور الدولة على تمويل البحوث الأولية وإنما تعداها لتمويل البحوث التطبيقية.
أي أن الدولة أخذت دور تحمل المخاطرة التي لا يتحملها المستثمرون عادة، والتي بطبيعة الحال تزداد في القطاعات التي تعتمد على التجربة والابتكار. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، إذا كانت الدولة التي تحمل المخاطرة، إذاً، لصالح من تعود عوائد الاستثمار؟ من هنا تطرح وجوب إيجاد آليات لإعادة توزيع القيمة المضافة بصورة مباشرة أكثر من الضرائب.
وتأتي أفكار مازوكاتو على النقيض من أفكار غالبية اقتصاديي مرحلة الليبرالية الجديدة و"السوق الحرة"، وتدعو من خلال طروحاتها إلى دور أكبر للحكومات من أجل تحقيق النمو الاقتصادي. فالادعاءات التي تقول، إنه بإمكان القطاع الخاص وحده أن يقود السوق والنمو هو أمر غير صحيح بحسب تحليلها لعدد من الصناعات التي تقوم على الابتكار وتحليل الدور الذي لعبته الحكومات لتحقيق ما حققته هذه الشركات.