رام الله-أخبار المال والأعمال-أعد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) حديثا دراسة بعنوان "فرص وتحديات تطبيق استراتيجية التنمية الاقتصادية بالعناقيد في السياق الفلسطيني على ضوء التجارب الدولية وأولويات التنمية الوطنية".
وتقدم الدراسة التي أعدها الدكتور بيتر ويلسون، الخبير المتخصص في الاقتصاد الصناعي وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، عرضا وافيا لموضوع التنمية الاقتصادية القائمة على العناقيد، بدءاً من المفهوم النظري للعناقيد، والتجارب الدولية وواقع العناقيد في السياق الفلسطيني وإمكانات نموها.
وأكد رئيس الوزراء محمد اشتية في التمهيد الخاص الذي أعده للدراسة أن النجاح في هذا النهج السياساتي "يتطلب تطوير كل عنقود على المستويين الأفقي والعامودي؛ أفقيا من خلال تطوير البنية التحتية الأساسية بكافة مكوناتها من شبكات المياه، والكهرباء، والاتصالات، والصرف الصحي وغيرها؛ وعموديا من خلال تطوير القطاع الحيوي الذي تتمتع فيه المنطقة بميزة نسبية".
وقال اشتية: "لقد حان الوقت الذي تتبنى فيه فلسطين نموذجا تنمويا جديدا قادر على التصدي لسلسلة التحديات التي واجهتها البلاد سابقا وما يواجهها من تحديات جديدة أخذت بالظهور حديثا. وهو ما دعا الحكومة الفلسطينية الحالية لاعتماد نموذج التنمية العنقودية والذي يبدو الأقدر على المساهمة في تصحيح الاختلالات التنموية بين المناطق الفلسطينية"، لافتًا إلى أن التركيز على تطوير القطاعات الاقتصادية دون مراعاة توزيعها الجغرافي بين المحافظات المختلفة أدى إلى تنمية غير متكافئة بين المناطق والمحافظات الفلسطينية في الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة.
وأضاف أن من متطلبات إنجاح هذا النموذج استكشاف حلول مبتكرة وإبداعية للتغلب على العقبات التي تعيق الجهود الفلسطينية الساعية لتحقيق تنمية متوازنة وعادلة من خلال تركيز الموارد والقطاعات الاقتصادية والمؤسسات في منطقة جغرافية واحدة بما يمكن العناقيد من العمل بشكل مترابط وداعم لبعضها البعض".
بدوره، أشار المدير العام للمعهد رجا الخالدي في تقديمه إلى أن المعهد تبنى إعداد الدراسة نظراً "لأهمية التنمية العنقودية في برنامج الحكومة الفلسطينية، كأداة لتعزيز تنافسية المناطق والصناعات"، لافتًا إلى أن الدراسة تقدم مجموعة من التوصيات البنّاءة في مجال إنجاح التجربة على مستوى الوطن، مبينًا أن "لدى فلسطين فرصة جيدة لتنمية عنقودية ناجحة".
وتنطلق الدراسة من التحديات التي تواجه التنمية العنقودية في فلسطين، والتي تشكّل عنصرا جوهريا في السياسة التنموية الصناعية والإقليمية والابتكارية للعديد من البلدان. بالإضافة الى تسليطها الضوء على ارتباط تطور العناقيد في السياق الفلسطيني بالمؤسسات الداعمة لعمل العناقيد (كالاتحادات العامة، وغرف التجارة والصناعة وغيرها)، والتي تعاني من جهتها ضعفا بنيويا يحول دون قيامها بالدور المناط بها بدعم العناقيد. لا وبل أحيانا يؤدي نقص المعرفة الكافية بالعناقيد إلى اضطلاع هذه المؤسسات بدور منافس إذ تنظر للعناقيد على انها خطر يهدد وجودها، مما يؤدي الى انعدام الثقة بينها، والذي تؤكده الدراسة مرارا وتكرارا على كونه عنصرا جوهريا من عناصر نجاح العناقيد وتحقيقها الأهداف المرادة من انشائها على المستوى الفردي للشركات وعلى المستوى الوطني.
كما تشير الدراسة الى ضعف علاقات التعاون بين العناقيد بأنواعها في فلسطين والجامعات والمراكز البحثية والعلمية والمؤسسات الراعية للابتكار، مما يضعف من قدراتها الابتكارية واعتمادها على المنافسة السعرية لا المنافسة في المنتجات والصناعات كما هو حال العناقيد في الاقتصادات المتقدمة.
تستعرض الدراسة أيضاً تحديات أخرى منها أن المنشآت متناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسطة (MSMEs) والتي غالبا ما تكون في مراحل مبكرة من التطور والنضج، تشكل الغالبية العظمى من منشآت العنقود الواحد. بالإضافة الى عوامل أخرى منها عدم وجود إطار قانوني حوكمي للعناقيد، وضعف التخطيط الاستراتيجي، والمهارات القيادية، والقيود المرتبطة بالاحتلال كحرية نقل البضائع والتجار، وضعف الطلب وسوء ظروف عوامل الإنتاج.
من جهة أخرى، تسلط الدراسة الضوء على أحد التجارب العنقودية الناجحة في فلسطين وهو تجمع عنقود الجلود والأحذية والذي اثبت قدرته على النمو والتطور برغم البيئة غير المواتية والظروف الاقتصادية والسياسية السائدة، حيث أكدت الدراسة انه ينبغي على صانعي السياسات استقاء الدروس من هذه التجربة عند وضع سياسة عنقودية شاملة لفلسطين. كما تقدم الدراسة مجموعة من الإرشادات والتدخلات التوجيهية، تتناول مبررات اعتبار بعض أنشطة العناقيد المختارة ذات أهمية خاصة. حيث تعد العملية التعاونية على كافة المستويات "الحكومية، والقطاع الخاص، والمؤسسات الأكاديمية والبحثية، والمؤسسات التعاونية" أحد المتطلبات الأساسية للسياسات العنقودية واتباع نهج وهدف ورؤية عنقودية مشتركة.
ودعت الدراسة في توصياتها إلى ضرورة إنشاء هيئة تنسيقية، تتولى أعمال التنسيق على اختلافها وتعقيدها بين أعضاء العنقود، ومع المؤسسات الداعمة والمنظمات غير الحكومية التي قد تساهم بتقديم مساعدات من نوع ما للعنقود.