رام الله-أخبار المال والأعمال-أظهرت وثيقة مسرّبة حصل على نسخة منها موقع "أخبار المال والأعمال"، موجّهة من جمعية البنوك في فلسطين إلى وزير المالية شكري بشارة، ومحافظ سلطة النقد عزام الشوا، مطالبة كافة البنوك للوزارة بوقف تحويل أي مبالغ إلى حسابات الأسرى والأسرى المحررين، مشيرةً إلى أن البنوك ستقوم بتحويل أرصدة هذه الحسابات إلى حساب وزارة المالية.
الوثيقة الصادرة بتاريخ يوم الخميس 7 أيار 2020، وموضوعها "قرار الجيش الإسرائيلي رقم 67 صادر بتاريخ 9-2-2020"، جاء فيها: "بالإشارة إلى القرار المذكور أعلاه، وعطفا على تواصلنا مع معاليكم ومع معالي محافظ سلطة النقد الفلسطينية بالخصوص، نؤكد على المخاطر التي ستقع على البنوك نتيجة لوجود هذه الحسابات لديها (المحرر: حسابات الأسرى والأسرى المحررين). وبناءً على إجماع الهيئة العامة لجمعية البنوك، فإن كافة البنوك تطلب من معاليكم التوقف عن تحويل أي مبالغ لهذه الحسابات، علماً بأن البنوك ستقوم بتحويل أرصدة هذه الحسابات إلى حساب وزارة المالية". وأكدت مصادر في وزارة المالية صحة الوثيقة.
ورد محافظ سلطة النقد عزام الشوا على جمعية البنوك برسالة وجهها إلى رئيس مجلس إدارة الجمعية ماهر المصري، جاء فيها: "لاحقا لاجتماعنا يوم أمس (المحرر: الأربعاء)، وحرصا منا على حماية حقوق كافة الأطراف والحفاظ على سلامة القطاع المصرفي، نأمل التروي في اتخاذ أي قرار نهائي لإعطاء كافة الجهات الرسمية فرصة لاعتماد حل بديل لحماية القطاع المصرفي والتي سنوافيكم بها بأسرع وقت ممكن".
وأضاف الشوا في رسالته: "هناك تواصل حثيث مع فخامة الرئيس محمود عباس ودولة رئيس الوزراء الأخ د. محمد اشتية ومعالي وزير المالية من أجل التوصل إلى حل بديل يحمي ويحفظ حقوق كافة الأطراف. شاكرين ومقدّرين تفهمكم وتعاونكم".
وبعث الشوا نسختين عن الرسالة: واحدة لرئيس الوزراء محمد اشتية والثانية لوزير المالية شكري بشارة.
البنوك: اقترحنا إيجاد آلية حكومية مختلفة لإيصال الحقوق إلى أصحابها
بدورها، قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير، ومؤسسات تعنى بالأسرى، إن "بنكين على الأقل شرعا بإغلاق حسابات الأسرى وأسر الشهداء تحت تهديد التشريع الإسرائيلي الجديد، وخشية على تضرر مصالحهم والتعرض لملاحقات قضائية في المحاكم الإسرائيلية".
وتعرض فرعي بنك القاهرة عمان في جنين وأريحا إلى اعتداء من مجهولين بالرصاص وزجاجات حارقة، في حين ألصق نشطاء بيانات ورسائل على واجهات أحد فروع البنك في رام الله، مطالبينه بالتراجع عن الإجراء.
ولاقت الاعتداءات إدانة فلسطينة واسعة، على اعتبار أن البنك اتخذ هذا الإجراء بناءً على التهديدات الإسرائيلية، وحفاظا على استمرار عملياته في السوق الفلسطيني.
واستنكرت جمعية البنوك في فلسطين الإعتداء على فرعي بنك القاهرة عمان في جنين وأريحا، مؤكدةً أن "على جهات إنفاذ القانون الوقوف عند مسؤولياتها والتصرف بحزم لمنع هذه التصرفات ومحاسبة الفاعلين".
وأكدت أن "إجراءات البنوك فيما يخص القرار الإسرائيلي الأخير، جاءت لتجنيب أصحاب الحسابات من خطر مصادرتها الداهم من قبل قوات الاحتلال، وكذلك تجنيب البنوك والموظفين قضايا تعويضية لدى محاكم الاحتلال".
وأضافت: "من أجل تجنب هذه المخاطر، اقترحت البنوك على الجهات المعنية منذ حوالي الشهر ايجاد آلية حكومية مختلفة لإيصال الحقوق إلى أصحابها وتجنيب البنوك مخاطر ملاحقة قوات الاحتلال لها".
وأكدت الجمعية التزامها بالعمل ضمن اللجنة المشكّلة من رئيس الوزراء وبرئاسة محافظ سلطة النقد لإيجاد الحلول الملائمة لهذا الملف وذلك في أسرع وقت ممكن تلافيا للمخاطر. كما أكدت أن كافة البنوك حريصة بصورة تامة على أموال مودعيها وعلى القيام بدورها الوطني في توفير الرفع المالي لكافة القطاعات الاقتصادية والمجتمع.
خبير اقتصادي: عدونا الاحتلال وليس البنوك
وفي منشور له، قال الخبير الاقتصادي د.نصر عبد الكريم، إن "عدونا الاحتلال وليس البنوك. حقوق الأسرى والمحررين لا أحد يجرؤ أن يمس بها فهي من المسلمات".
وأضاف: قد ننتقد وندين كثير من الممارسات غير المنصفة للبنوك في علاقاتها مع المواطنين، وقد نشكّك في دورها التنموي، ولكن هذه البنوك لا حول ولا قوة لها بخصوص الأمر العسكري الاحتلالي، فأيديها مكبّلة مرةً بفعل استمرار هيمنة الاحتلال على مفاصل حياتنا العامة ومرة أخرى وهي لا تقل أهمية بفعل إحكام أميركا القبضة على مفاصل النظامين النقدي والمصرفي العالمي بذريعة "تجفيف منابع الإرهاب تمويليا".
وتابع: "حتى أكبر بنوك العالم والتي تنتمي لدول كبرى ليست حرة تمامًا!! فشبح الملاحقات القضائية الأميركية بتهم عدة منها تسهيل غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب أو اختراق العقوبات أو غيرها يلاحقها دوما".
وقال د.عبد الكريم: "تذكروا أن أحد البنوك الفلسطينية جاهد لممارسة أعماله ولم يفلح لأن وديعة كبيرة له تم حجزها في دولة ليست غربية".
وأضاف: "لذا، حتى لا نخوض معاركنا مع البنوك وهي حيوية لنّا ولاقتصادنا وفيها 14 مليار دولار ودائع للمواطنين، أفراد وشركات ومؤسسات عامة، وفيها مساهمين متنوعين، ناهيك عن أنها ليست صاحبة سيادة كاملة بمعناها المصرفي، علينا أن نوجّه سهامنا للاحتلال الإسرائيلي وتتكاتف جهودنا جميعا بما فيها البنوك وسلطة النقد والحكومة والرئاسة لنبطل هذا القرار أو على الأقل نحد من مخاطره، وأن نجد صيغة فنية تحمي حقوق الأسرى والمحررين وفي نفس الوقت تجنّب البنوك مخاطر لن يكون بمقدورها أن تتحملها".
وختم: "نعم وألف نعم، لحقوق الأسرى والمحررين، ولا ألف لا، لتجريم نضالاتهم، ولا لتعسّف الإحتلال الإسرائيلي، ونعم وألف نعم للمحافظة على استقرار الجهاز المصرفي وإن وجب عليه أن يصحح علاقاته مع المواطنين ويستعيد ثقتهم. معركتنا واحدة ضد الاحتلال ولا داعي لأن نكون عون للاحتلال على البنوك لأن هذا ما يريده الاحتلال".
رئيس الوزراء: تم الاتفاق مع البنوك على تجميد أي إجراء بخصوص حسابات الأسرى
في سياق متصل، أعلن رئيس الوزراء محمد اشتية، مساء الجمعة، إنه "تم الاتفاق مع البنوك على تجميد أي إجراء بخصوص حسابات الأسرى لديها عقب التهديد الإسرائيلي باتخاذ إجراءات بحقها"، موضحا أن الاتفاق جاء بعد اتصالات أجراها على مدار اليوم مع إدارات البنوك وسلطة النقد.
ولفت اشتية في بيان صدر عنه إن "اللجنة التي تم تشكيلها لدراسة الأزمة ستجتمع وتقدم توصياتها خلال أيام وهي مكونة من: سلطة النقد وهيئة شؤون الأسرى والمحررين وجمعية البنوك ووزارة المالية"، مشيراً إلى أنه "على ضوء هذه التوصيات سيكون هناك موقف موحّد من جميع الأطراف بخصوص التهديد الإسرائيلي ضد البنوك التي تقدم خدماتها لذوي الأسرى والشهداء".
وأضاف: "وعليه، فإن عائلات الأسرى تستطيع تفعيل حساباتها البنكية ابتداء من يوم الأحد. وسوف يناقش مجلس الوزراء الأمر هذا الأسبوع".
وجدد اشتية رفض الحكومة للتهديدات الإسرائيلية للبنوك بخصوص مخصصات الأسرى والشهداء، وقال: "لن نخضع لهذه التهديدات وسنجد حلولا تحفظ حقوق الأسرى والشهداء وتحمي البنوك من بطش الاحتلال وأي إجراءات قضائية".
وكان تشريع إسرائيلي جديد، يدخل حيز التنفيذ ابتداء من يوم السبت 9 أيار 2020، ينص على اعتبار الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية للأسرى "مدفوعات محظورة".
وعلى أساس هذا التشريع، تم توجيه رسائل للبنوك العاملة في السوق الفلسطينية بـ "عدم تنفيذ عمليات ممنوعة تتعلق بأموال على علاقة بالإرهاب وإمكانية تعريضها لدعاوى قضائية، وفي حال استمرار البنوك في الاحتفاظ بحسابات الأسرى والمقدّرة بنحو 12 مليون دولار شهريا سيكون مدراء وموظفو البنوك شركاء في الجريمة، وبالتالي تعريض أنفسهم لعقوبة تصل إلى سبع سنوات سجن وغرامة باهظة".
سلطة النقد: لن نتخلى عن دورنا في حماية أموال المودعين جميعا
وفي وقت لاحق، أصدرت سلطة النقد بيانا أكدت فيه أن "حقوق أسر الأسرى والمحررين محفوظة لدى البنوك وسوف تنسّق مع الحكومة حول ضمان استمرارية تلقيهم لمستحقاتهم"، مشيرةً إلى أن "اللجنة المشكّلة بقرار من رئيس الوزراء باشرت العمل على تحليل المخاطر التي تلحق بمستحقات ذوي الأسرى وانعكاسات الأمر العسكري على البنوك العاملة".
وقالت سلطة النقد إنها تتابع عن كثب مبادرة بعض البنوك بإغلاق الحسابات تجنبا لتبعات تهديد سلطات الاحتلال، وتؤكد أن هذه الإجراءات تمت بدون التقيد بقوانين وتعليمات سلطة النقد التي توجب إعلامها بشكل مسبق. وسوف يتم معالجة هذا الأمر وفق قانون سلطة النقد".
واستنكرت سلطة النقد الاعتداءات غير المسؤولة على أفرع البنوك ودعت الأجهزة التنفيذية لاتخاذ إجراءات رادعة بحق من أقدم على هذا العمل.
وأضافت إنها "تتابع الهجمة غير المبررة على البنوك"، مؤكدة "وقوفها التام لحماية الجهاز المصرفي، والتي تعتبره قطاعا وطنيا بامتياز، وتعزيز دوره التنموي في ظل ما نواجه من معيقات اقتصادية يضعها الاحتلال أمامنا جميعا".
وشددت سلطة النقد على أنها "لن تتخلى عن دورها في حماية أموال المودعين جميعا وفي إدارة ملف الحسابات لذوي الأسرى"، مطالبةً الجميع بـ "التعامل بحكمة بالغة وبشكل يضمن عدم إقدام الاحتلال على مصادرة أموال من البنوك كما حدث سابقا عام 2004 مستندة إلى ذات الأمر العسكري الذي عدّل حديثا في شهر شباط 2020".