الاتحاد الأوروبي: ري بذور الأحلام في فلسطين

تاريخ النشر
الاتحاد الأوروبي: ري بذور الأحلام في فلسطين
المهندسان عيسى ضبابات ومحمد ضراغمة

طوباس-علي غيث-لقد سعى البشر دائمًا للعيش بالقرب من مصادر المياه لضمان وجودهم.  باقتراب عام 2020 فإن الهدف السادس من أصل سبعة عشر هدفاً للتنمية المستدامة الموضوعة من قبل الامم المتحدة يدعو إلى توفير المياه النظيفة والصرف الصحي لجميع الناس. يرتبط ضمان الإدارة المستدامة وتوافر المياه ارتباطاً وثيقاً بالوصول إلى المدن المستدامة (الهدف 11)، الأمر الذي سيؤدي إلى خلق فرص عمل إضافية (الهدف 8) وتنشيط النمو الاقتصادي العام. وبذلك، ستتحسن الصحة (الهدف 3) ، وسيتم تحقيق العدالة الاجتماعية (الهدف 16).

تم إجبار الكثير من الفلسطينيين على الانتقال إلى مناطق أخرى ليكونوا قريبين من مصادر المياه النادرة بسبب الاحتلال الإسرائيلي وهو وضع محفوف بالمخاطر. في عام 1967 ، صادرت إسرائيل جميع الموارد المائية في الأراضي المحتلة. وقد فرضت قيوداً على المياه على الفلسطينيين على مدار السنين، حيث استولت السلطات الإسرائيلية على الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى سد وأحياناً تدمير الأنابيب والخزانات التي تقوم بتوصيل المياه إلى المنازل الفلسطينية.

يعتقد المهندس عيسى ضبابات من طوباس، وهو المدير التنفيذي لمجلس المياه والصرف الصحي لمناطق طوباس وميثلون، أن الفلسطينيين يواجهون تحدياً كبيراً فيما يتعلق بإمكانية الوصول إلى المياه.  لذلك، لا يتعين عليهم الانتقال ليكونوا أقرب إلى مصادر المياه؛ على العكس من ذلك، يجب أن تصل مرافق المياه إليهم حتى يتمكنوا من الاستفادة منها في سبل عيشهم. ففي النهاية، الماء حق أساسي من حقوق الإنسان المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية.

أكّد مدير البرنامج في الاتحاد الأوروبي مهند حجازي، تعليق عيسى وأكد أن الاتحاد الأوروبي مصمم على دعم حقوق الإنسان في فلسطين، وخاصة تلك المتعلقة بالمياه. لهذا السبب يعد الاتحاد الأوروبي داعماً رائداً لقطاع المياه في فلسطين. فقد استثمر الاتحاد الأوروبي منذ عام 2011 أكثر من 100 مليون يورو في قطاعات المياه والصرف الصحي وإدارة النفايات الصلبة.

المشروع الأحدث الذي يدعمه الاتحاد الأوروبي هو بناء محطة معالجة مياه الصرف الصحي في تياسير بحيث يحتوي على مكونات التجميع والنقل وإعادة الاستخدام. تم التخطيط للمشروع وإعداد مخرجاته منذ سنوات، ولكن في عام 2016، بدأ البناء وتم إنشاء محطة كبيرة لمعالجة مياه الصرف الصحي لاستخدامها في أغراض الري الزراعي، وبالتالي توفير مياه الشرب لأن طوباس والقرى المحيطة شحيحة المياه، وسكانها يحصلون على ما بين 50 إلى 55 لتراً فقط من المياه، أي نصف السعة المخصصة دوليًا للشخص الواحد، حيث يبلغ الحد الأدنى الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية إلى 100 لتر من المياه للشخص الواحد يومياً.

المهندس عيسى ضبابات: الرجل ذو الحلم

ولد المهندس عيسى في عام 1963 ودرس الهندسة المدنية وهو أبٌ مساندٌ لابنة وابن. يؤمن المهندس عيسى بضرورة التعليم وتأثيره على الأجيال القادمة. ابنه ، حمدان ، هو طالب هندسة مدنية في السنة الأولى ، وابنته روان ، طالبة طب في السنة الأولى. تصور المهندس عيسى لأولاده مستقبلاً مشرقاً بينما كانوا يكبرون في طوباس، وكمثل أي أب جعل ذلك هدف حياته وقام بتوفير كل ما يحتاجونه لينجحوا في حياتهم وليصبحوا فلسطينيين متفاعلين وبناة لمستقبل أفضل على الرغم من الاحتلال الاسرائيلي الذي كان له آثاره على الفلسطينيين في جميع أنحاء الأرض.

علاوة على ذلك، بينما كان يربي أولاده بحب ورعاية، كانت مسقط رأسه طوباس تعاني من خسارة كبيرة في مستويات المياه بسبب حوادث الكسر المتعددة في خط التغذية الرئيسي في طوباس، الواقع في يرزا، وهي قرية قريبة تبعد 7 كم عن طوباس. تقوم جرافات الاحتلال، في كل مرة تقتحم يرزا، بهدم وتدمير خطوط الأنابيب الرئيسية؛ مما يؤدي الى استنزاف المياه المخصصة لطوباس.

كان لعمليات الهدم والتدمير العديد من الآثار الضارة على سبل العيش في القرية والمناطق المحيطة بها. بدأ المواطنون، الذين يعتمدون على الزراعة كوسيلة للدخل -في خضم ندرة المياه -في استخدام ما تبقى من مياه الشرب لأغراض الري الزراعي مما أدى إلى حرمان إضافي من المياه.

حينها قرر عيسى أن يصبح هو عامل التغيير، وأن يضمن حصول أسرته وجيرانه والمجتمع بأكمله في طوباس على حقهم غير القابل للتصرف في الماء.

وكان المهندس عيسى متحمساً أيضاً لخدمة المجتمعات المحلية في المناطق المجاورة. لذلك أخذ على عاتقه أن يمول في البداية عدة مشاريع متعلقة بالمياه حتى يتم تأمين التمويل من الهيئات الحكومية الفلسطينية حتى لا يعرض الخطط للخطر بسبب قلة التمويل. بالإضافة إلى ذلك، كان لديه دافعاً كبيراً لإجراء التغيير ولم يكن يريد أن يجعل لليأس طريقاً.

في بعض الأحيان كان يقوم بتمويل شراء الأراضي شخصياً بدلاً من تمويل الجهات الحكومية، مثل سلطة المياه الفلسطينية ووزارة المالية لإيواء مشاريع المياه المستقبلية إلى أن تتمكن الجهات الحكومية من أن تعيد أمواله.  كان المهندس عيسى مصراً على عدم تعريض هذه المشاريع للخطر وذلك لان اي مشروع متعلق بالمياه يحتاج إلى الأرض وعدم القدرة على تأمين الأموال لشرائها من مالكها الشرعي سيحقق ذلك الخطر. من ناحية ثانية فإنه اعتبر نفسه شريكاً للسلطات الفلسطينية في الكفاح من أجل الحق في المياه.

لم يتوقف اقتناعه في حلم تحقيق الاستقلال المائي هناك، وبصفته رائدًا في قطاع المياه في المنطقة، فقد كان يبحث عن اكتشاف حلول مبتكرة لمشاكل المياه التي تلوح في المنطقة.

لم تكن هناك شبكات صرف صحي أو محطات تنقية في طوباس. لذلك ، كانت المنازل مزودة بحفر الصرف الصحي التي تفتقر إلى الصيانة المناسبة. وكانت هذه الحفر أيضاً عرضة للانفجارات المتكررة، مما كان يؤثر على الظروف الصحية والبيئة العامة في القرية والذي كان يحرّض على المشاجرات بين الجيران عندما كانت مصارف المجاري تغمر المكان. علاوة على ذلك، كانت المياه العادمة تصل الى المياه الجوفية مما كان يلوث مياه الشرب، وبالتالي أدى إلى تفاقم الوضع الصحي أكثر.

اعتبر المهندس عيسى المياه العادمة كمصدر مياه قابل للمعالجة، وأنه يمكن إعادة استخدامها لتلبية الاحتياجات الزراعية بعد معالجتها بواسطة تقنيات التكنولوجيا الحيوية المتقدمة. وبطريقة مشابهة يمكن التخلص من العديد من المشاكل البيئية والصحية والمجتمعية الناشئة عن حفر المجاري الحالية من خلال إنشاء شبكة آمنة للصرف الصحي تصل إلى الأسر في طوباس وتياسير. 

من خلال هذا الحل يتم استخدام مياه الشرب للشرب فقط، ويتم استخدام المياه المعالجة في الزراعة، وهو أمر مفضل بسبب ارتفاع مستويات الأمونيا التي يحملها. كذلك يعتبر هذا الحل حلاً اقتصادياً إضافياً للمزارعين حيث ستحل هذه المياه المعالجة محل الأسمدة الكيماوية الضارة.

رسم عيسى حلمه على الورق ونقشها في ذهنه إلى أن جعلها الاتحاد الأوروبي حقيقة واقعة من خلال دعمه لمحطة المعالجة في تياسير، وهي مؤسسة بقيمة 22 مليون يورو ستعمل بكامل طاقتها في الجزء الثاني من عام 2019. سيعطي المشروع للفلسطينيين في المنطقة أملاً وسيعزز حقهم في المياه ويعزز صمودهم في أراضيهم.

لذا، كما يرى عيسى، فإن دعم الاتحاد الأوروبي في هذا المشروع سيغير المنطقة ويؤثر على حياة سكانها بشكل إيجابي على الصعيد البيئي والاجتماعي والاقتصادي، بالإضافة إلى تعزيز قدرتهم على الصمود. قال المهندس عيسى: "عندما يكون هناك ماء، هناك فرصة للابتكار والتطلع نحو تطورات أضخم".

كان محمد ضراغمة لا يزال طالبًا في جامعة النجاح في نابلس بينما كان المهندس عيسى ضبابات يكد لتحقيق نتائج ملموسة ويتعاون مع الاتحاد الأوروبي وهيئة المياه وهيئة البيئة ووزارة المالية ومجلس الخدمات المشتركة والمقاطعة والبلدية. وكان محمد ضراغمة يطمح أن يصبح مهندساً ميكانيكياً. عندما تخرج في عام 2017، تقدم المهندس الطموح الذي يبلغ من العمر 24 عامًا بطلب للحصول على وظيفة "مشغل محطة معالجة مياه الصرف في تياسير" من خلال منشور على "فيسبوك" ولم يكن مدركاً آنذاك أن هذا الطلب سيغير مجرى حياته ويحقق حلمه.

المهندس محمد ضراغمة: صانع التغيير

كان المهندس الشاب مفتونًا بمفهوم المشاريع الخضراء أثناء دراسته للحصول على شهادته، لذلك التحق بمسابقة لإنتاج مشاريع خضراء؛ و بالتحديد إنتاج غاز الميثان من فضلات الحيوانات والنباتات المنزلية. بعد فترة وجيزة من التخرج، وبعد تقديم طلب وظيفته، تم اختياره للانضمام إلى محطة معالجة المياه في تياسير. انضم هو وثلاثة مرشحين آخرين إلى عدة ورش عمل تدريبية في رام الله وأريحا من أجل اختيار أفضل المتقدمين.

تركت الطبيعة التنافسية للورشة محمد متعطشاً للمعرفة، غافلاً عن أنه قد يتم اختياره للمهمة. ومع ذلك، فقد أذهلته المعلومات الجديدة، التي استرضت فضوله وألهمته على التركيز والمثابرة على أمل أن يكون جزءًا من هذا المشروع التحويلي الذي يتم بناؤه في مسقط رأسه.

في صباح أحد الأيام، تلقى اتصالاً من مجلس الخدمات المشتركة لإبلاغه بنجاحه في عملية الاختيار، وأنه يجب عليه أن يذهب إلى المجلس لتوقيع العقد. في البداية، لم يستطع ان يستوعب مشاعره، لكنه ركض نحو والديه وأخبرهم بما قد حصل. لقد كانوا فرحين وفخورين بإنجاز ابنهم.

يتعلم المهندس محمد أشياء جديدة كل يوم في المحطة، وهو مصمم على التغلب على أي عقبات قد تواجهه من أجل تحسين مهنته. إنه شغوف بالتأثير الذي قد يخلفه هذا المشروع على حياة الناس، وهو متحمس أكثر لفرص الإصلاحات البيئية والاجتماعية التي تلوح في الأفق. والأهم من ذلك، كيف سيعمل هذا المشروع على ترسيخ الفلسطينيين في أراضيهم والحفاظ على وجودهم.

يحفز العمل الديناميكي محمد على القراءة خلال ساعات الليل ليكون جاهزًا للمتابعة مع رئيسه الجديد المهندس عيسى ضبابات في اليوم التالي. إنه واثق من أن اليوم التالي لن يكون عادياً لأنه سيعيش ظروفاً وقضايا مختلفة يحتاج إلى حلها. يشارك في الوقت الحالي في التشغيل البيولوجي، بحيث يضمن كفاءة محطة معالجة المياه وصيانة الآلات. في المستقبل، سيقوم بتشغيل الشبكات الكهربائية وشبكات الصرف الصحي.

يأمل المهندس الشاب في رؤية الأراضي الفلسطينية خضراء ومزدهرة. حيث يقول محمد: "أنا ممتن جداً للاتحاد الأوروبي لدعمه هذا المشروع، ولإيمانه بي وللسماح لي بعيش حلمي ومتابعة شغفي الذي لم أعتقد أنني يمكن أن أجده في أي وظيفة".

قال المهندس عيسى عندما سئل عن المهندس محمد : "أحب ان استثمر في الشباب ، وخاصة المهندسين الواعدين الذين هم على استعداد لتطوير أنفسهم خلال هذه العملية. أنا أؤمن به لأنه يمكنني أن أرى امكانيته.  إنه شاب مهذب".

يعتبر الاتحاد الأوروبي مؤيد قوي للفلسطينيين في سعيهم لتحقيق حقوقهم الإنسانية غير القابلة للتصرف، والحفاظ على وجودهم وتعزيز تقدمهم وفعاليتهم. اذ يؤمن الاتحاد الأوروبي أيضًا بحق الإنسان الأساسي في المياه والصرف الصحي ويضمن تطبيق هذا الحق من خلال مشاريعه ذات الصلة في فلسطين.

يتجسد الدعم الثابت لحق الفلسطينيين في المياه في محطة تياسير لمعالجة المياه لأنه يحدد النوايا التي يتم متابعتها بإجراءات معقدة. يؤمن الاتحاد الأوروبي أيضًا بإقامة شراكات مع المجتمعات المحلية والسلطات الفلسطينية لتحقيق أفضل النتائج، كما في حالة المهندسين عيسى ومحمد. 

ومع ذلك، لا يتوقف الابتكار أبدًا، ويدرك الاتحاد الأوروبي جيدًا التطورات العالمية في قطاع البيئة ، ويعتزم تطبيق المشاريع الدولية في فلسطين أيضًا. علاوة على ذلك، وانطلاقًا من اقتناع الاتحاد الأوروبي بالاستدامة، تم إطلاق مشروع جديد يسمى Nexus، حيث يعمل على معالجة المياه بالطاقة الخضراء. 

يهدف المشروع المستقبلي إلى استخدام الطاقة الشمسية في تشغيل التوربينات الهوائية التي تدير بدورها المحطة وتساعد على تقليل الفواتير الكهربائية بنسبة 20-25٪، وبالتالي ضمان الاستدامة الفعالة تماشياً مع جهود الاتحاد الأوروبي في الحد من آثار البيئية العالمية.