الأغوار-وفا-قبل شروق الشمس تستيقظ أم سعيد دراغمة متوجهة برفقة أبنائها إلى منطقة "سهل سميط" الواقع بين قريتي الفارعة والنصارية، لجني محصول الخيار، وتستمر في العمل ساعات طويلة تمتد أحيانا حتى آخر النهار.
تقول أم سعيد لـ"وفا" إنها تعمل في مجال الزراعة منذ 11 عاما، حيث اضطرت للعمل في هذا القطاع لمساعدة زوجها المقعد في تحمل أعباء الحياة، فتقوم هي وأبناؤها بأخذ قطعة أرض مزروعة والتكفل بجني محاصيلها على نسبة ربح 30% من المزارع صاحب الأرض، كما أنها تعمل في المواسم المختلفة صيفا وشتاء.
تضطر أم سعيد وعائلتها في الكثير من الأحيان للمبيت في الحقول الزراعية، خاصة في أوقات ذروة الموسم وضغط العمل، وتبيت كغيرها من العاملات في الزراعة إما في "كونتينر" حديدي يتم العمل على تهيئته بأبسط المقومات للمبيت والاستراحة فيه، بينما تبيت أغلب العائلات العاملة في الزراعة في خيام بلاستيكية بسيطة.
وتضيف: "للنساء العاملات في الزراعة جوانب معاناة أكبر من الذكور، يمكثن فترات طويلة في الأرض ويضطررن للمبيت، خاصة في ظل عدم وجود وحدات خاصة أو حمامات في الأراضي الزراعية، ومن المطلوب توفير حمامات متنقلة للتخفيف من المشقة على العاملات".
وبالرغم من ظروف العمل الصعبة إلا أن الابتسامة لا تفارق محيا أم سعيد، وتعتبر عملها الشاق لا يقل شأنا عن أي وظيفة أو عمل مرموق آخر، فكل شخص يعمل في مجاله لتأمين حياة كريمة لنفسه ولعائلته.
وفي قطعة أرض مجاورة في سهل سميط تعمل آلاء أبو حسن التي تأتي من منطقة جنين وتترك خلفها ثلاثة أطفال برفقة شقيقتهم الكبرى.
وتقول آلاء إن المرأة تضطر للعمل أحيانا في مثل هذه الأعمال الصعبة بالنسبة لها لتحمل الأعباء والظروف المادية الصعبة ولتساعد أسرتها، مضيفة أنها بالرغم من كل الظروف الصعبة التي تعمل بها إلا أنها تحب العمل في الأرض.
ونوهت إلى أكثر المخاطر والصعوبات التي تواجهها النساء أثناء عملهن في الزراعة منها التعرض للدغات الأفاعي والعقارب، فضلا عن ظروف العمل الصعبة نظرا للأجواء الحارة جدا في مناطق الأغوار، وعدم توفر أماكن مريحة للاستراحة والمبيت خاصة أن أغلب العاملين في الأراضي الزراعية يبيتون في خيام بلاستيكية.
من جهتها، أشارت عائشة حموضة من نقابة الزراعة، مسؤولة المرأة في اتحاد نقابات عمال فلسطين، إلى أن واقع المرأة في سوق العمل الفلسطيني هو 19.7% من مجموع القوى العاملة، ونسبة 62% من النساء العاملات يعملن في القطاع الزراعي، وبالرغم من النسبة الكبيرة للنساء العاملات في الزراعة إلا أن هذه الفئة هي الأكثر فقرا وانتهاكا واستغلالا.
وأوضحت حموضة أنه من خلال سلسلة اللقاءات التي عقدتها نقابة الزراعة يتضح أن واقع المرأة في الزراعة مصنف ضمن اتجاهين، أولهما أنها ما زلت تعيش في ثقافة اجتماعية تدفعها للعمل بنمطية يكون المتحكم فيها هو الرجل، كما أنها تعمل في ظروف لا تتوافر فيها شروط الصحة والسلامة المهنية، إضافة لعدم وجود حمامات وسكنات صحية وبيئة ملائمة للوقاية من المبيدات الكيميائية.
وأضافت: "بالرغم من كثرة العاملين والعاملات في القطاع الزراعي إلا أن قانون العمل لا يشمل في كثير من بنوده العمال الموسميين"، وتطرقت إلى عدم وجود تأمين صحي لهذا القطاع، داعية إلى توفير تأمين صحي مجاني للعاملين فيه الذي يستوعب غالبية القوى العاملة من النساء، والذي يعمل على تثبيت المواطنين في الأرض ضد ممارسات الاحتلال.
وأشارت حموضة إلى أنه في حال تعرض العاملين بالزراعة لإصابات تتم المعالجة بشكل شخصي وبمردود مالي من قبل العامل نفسه، وهذا يشير إلى أن هؤلاء العمال يعيشون في ظروف خالية من حقوق الإنسان أو العامل، داعية إلى سلسلة لقاءات بين النقابات وصناع القرار لإيجاد آليات لحل هذه الإشكاليات التي يتعرض لها العاملون في الزراعة.
وتشير الأرقام والنسب التقديرية بحسب حموضة، إلى أن حوالي سبعة آلاف عامل موسمي يعملون خلال المواسم الزراعية المختلفة في منطقة سهل سميط وحدها؛ ثلثهم من النساء، كما تتركز أماكن عمل النساء في الزراعة في مناطق أريحا وجنين ومناطق طوباس والأغوار كونها مناطق زراعية.