خطط مرنة للشركات وتدخلات حكومية للحد من تدهور سوق العمل

تاريخ النشر

رام الله-(وكالة وفا-جعفر صدقة)- إحدى المؤسسات المالية الكبرى، ومقرها الرئيسي برام الله، عمدت إلى برنامج دوام مرن لموظفيها من خارج المدينة، وخصوصا من محافظات الشمال، للتعامل مع الإعاقات التي تسببها مئات الحواجز التي ينشرها الاحتلال على طرق الضفة، وتقطع أوصالها منذ بدء العدوان على قطاع غزة، وتكثفت منذ بدء العدوان على محافظات الشمال. ويمكن لأي موظف في هذه المؤسسة تؤخره حواجز الاحتلال عن موعد دوامه الرسمي، تعويض التأخير في نهاية الدوام، دون اتخاذ أية إجراءات بحقه، كالخصم مثلا.

هذه المؤسسة وغيرها من مئات الشركات ومؤسسات القطاع، إضافة إلى المؤسسات الحكومية، عمدت إلى خطط عمل مرنة للتكيف مع الواقع الصعب الذي فرضه الاحتلال، متجنبة أية تسريحات في صفوف موظفيها.

حتى الآن، تؤكد وزيرة العمل إيناس عطاري، أن الوزارة لم تسجل حتى حالة تسريح واحدة بسبب الإرباكات التي أحدثتها ممارسات الاحتلال في مواعيد الدوام، وتقول إن مؤسسات القطاع الخاص "أظهرت تعاونا وثيقا مع الوزارة، وحرصا على الحفاظ على موظفيها، رغم ما يمر به عدد كبير من الشركات من ظروف مالية معقدة، بسبب تراجع الأنشطة الاقتصادية".

الحواجز وما تسببه من قطع للطرق وإعاقة لتنقل الأفراد والبضائع، مجرد جزئية من منظومة ممارسات الاحتلال التي تترك آثارا مباشرة في المنشآت وفي الاقتصاد الفلسطيني عموما، وقفزت بالمؤشرات السلبية، كالبطالة والفقر، إلى مستويات تاريخية، بل تكاد تكون غير مسبوقة على مستوى العالم.

منذ بدء الحرب على القطاع، وتداعياتها في الضفة وصولا إلى عدوان مماثل على محافظات الشمال، خصوصا جنين وطولكرم، قفز معدل البطالة من نحو 24% (في الربع الثالث من عام 2023)، إلى نحو 52% حاليا، بواقع 80% في قطاع غزة، ونحو 35% في الضفة، من حوالي 55% في القطاع و16% في الضفة قبل العدوان.

في القطاع، فإن هذا المعدل غير المسبوق من البطالة سببه توقف الأنشطة الاقتصادية التي انهارت تماما، وتوقف العمل، باستثناء بعض الخدمات المرتبطة بالإغاثة خصوصا مع مؤسسات دولية، لكن في الضفة فإن السبب الرئيسي لهذا الارتفاع هو منع العمال الفلسطينيين من الوصول إلى أماكن عملهم داخل أراضي الـ48.

وفق وزارة العمل، فإن عدد العمال المنظمين (يحملون تصاريح عمل) الذين كانوا يعملون داخل أراضي الـ48 حتى تشرين الأول/أكتوبر 2023، بلغ حوالي 200 ألف عامل، وتسريحهم، أو بالأحرى منعهم بالقوة من الوصول إلى أماكن عملهم، ساهم، بشكل فوري، في زيادة معدل البطالة في الضفة بنحو 20%، فيما كانت التسريحات من منشآت الاقتصاد المحلي قليلة للغاية.

عدد لا بأس به من الشركات، خصوصا في قطاع المقاولات، توقف تماما عن العمل لينضم العاملون فيها إلى صفوف البطالة، لكن في الشركات التي حافظت على استمرارية، لم تشهد عمليات تسريح.

وقالت عطاري: منذ بدء الحرب على قطاع غزة وتداعياتها في الضفة، وتاليا العدوان المباشر على محافظات الشمال، لم نسجل سوى 280 حالة تسريح (حالات تلقت الوزارة منها شكاوى تتعلق بالحصول على حقوق ومستحقات تمت معالجتها جميعا تقريبا)، رغم ما تتعرض له منشآت القطاع الخاص من ضائقة مالية، مشيرة إلى أن جزءا كبيرا من هؤلاء المسرحين كانوا يعملون مع مؤسسات دولية أوقفت عملها في الأراضي الفلسطينية.

وأضافت: هناك تفهم وتعاون كبير من مؤسسات القطاع الخاص، ونلمس حرصا واضحا من هذه المؤسسات على الحفاظ على موظفيها. والشركات التي لجأت إلى إعادة هيكلة بسبب ما تمر به من ضائقة مالية بسبب الأوضاع في البلاد، عددها قليل.

تدخلات حكومية

إضافة إلى خطط عمل مكّنت الشركات من الحفاظ على موظفيها، أو أكبر عدد منهم، كتقليص أو إزاحة الدوام أو العمل عن بعد أو في فروع للشركة في مناطق سكن الموظفين غير القادرين على الوصول، أو في بعض الحالات الصعبة، أشارت عطاري إلى جملة من التدخلات الحكومية للحفاظ على نوع من الاستقرار في سوق العمل، أو على الأقل الحد من تدهوره تحت وقع عدوان الاحتلال وممارساته الممنهجة، وفق الإمكانات المتاحة في ظل الضائقة التي تمر بها السلطة الوطنية بسبب اقتطاعات إسرائيل، الجائرة وغير القانونية، من عائدات الضرائب الفلسطينية (المقاصة).

من هذه التدخلات، ومعظمها ممول من مانحين، برامج لدعم رواتب العاملين في شركات تواجه ضائقة مالية كبيرة، إما كليا أو جزئيا، ولفترات محددة حتى تتمكن الشركة من العودة للوفاء بالتزاماتها كاملة، دون تسريح أي من موظفيها.

وقالت عطاري: بهذا البرنامج، تمكنا من تثبيت مئات العاملين في وظائفهم، والحيلولة دون تسريحهم بسبب الأوضاع القائمة.

برامج أخرى تستهدف خصوصا العاملين الفلسطينيين الذين مُنعوا قسرا من الوصول إلى أماكن عملهم في الداخل، مثل برنامج "بادر"، وهو برنامج إقراض بحد أقصى 60 ألف شيقل، وفائدة صفرية، لتمكين العاملين من فتح مشاريع خاصة بهم، إضافة إلى توفير تأمين صحي مجاني شمل حتى الآن أكثر من 15% إجمالي هؤلاء العمال.

تحدي البطالة في الاقتصاد الفلسطيني ليس وليد عدوان الاحتلال الحالي على الضفة والقطاع، إذ منذ عقود لم ينزل عن رقم من خانتين، ووصل قبيل بدء العدوان على القطاع في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى 24%، وهو من أعلى المعدلات في العالم، وتفاقم بشكل كبير منذ بدء العدوان.

وقالت عطاري: صحيح أن الوضع صعب للغاية بسبب سياسات الاحتلال، لكن لا ننكر أن هناك نوعا من سوء الإدارة في سوق العمل على مدى العقود الماضية، لهذا بدأنا سياسة هدفها توجيه البرامج وفق أولويات ومواءمات صحيحة بما يساهم في خفض البطالة، أو على الأقل وقف تفاقمها.

وبحسب وزيرة العمل، فإن خفض معدل البطالة بنقطة مئوية واحدة، يحتاج إلى استحداث 14400 وظيفة، بينما الاقتصاد الفلسطيني، بكل مكوناته الحكومية والخاصة، لا يوفر سوى 8 – 10 آلاف وظيفة سنويا، ما يعني أن إعادة معدلات البطالة إلى مستويات معقولة تحتاج إلى جهد كبير واستثمارات ضخمة على مدى سنوات طويلة.

مشاريع الريادة هي الحل

وفي كل الأحوال، تبقى قدرة الاقتصاد الفلسطيني على توليد الوظائف، سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، محدودة، ولن تستطيع، في أفضل أحوالها، استيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، ويقدر عددهم بأكثر من 50 ألفا سنويا.

"لهذا، إضافة إلى برامج ذات طبيعة إغاثية كالمال مقابل العمل، الذي ينفذ خصوصا في قطاع غزة خلال فترات الهدن وحتى بعد استئناف العدوان، فإن تركيزنا ينصبّ على دعم برامج طويلة الأمد، خصوصا المشاريع الريادية، سواء بالتدريب المهني أو بالدعم المالي عبر برامج ممولة من المانحين"، قالت عطاري.

وأضافت: للحكومة رؤية واضحة نحو التحول الرقمي، ومن هنا بدأنا تطوير منصة رقمية لمواءمة المهارات لأسواق العمل، المحلية والدولية، وربط الباحثين عن العمل بالمشغلين، وهذا تطلب عقد اتفاقيات دولية، ونتوقع أن يستفيد عدد كبير من الباحثين عن عمل من فرص عمل عن بعد، خصوصا في قطاع غزة.

إضافة إلى العمال الذين يعملون داخل أراضي الـ48، حيث لدى وزارة العمل قاعدة بيانات عن أماكن سكناهم ومهاراتهم والقطاعات التي كانوا يعملون فيها، أشارت عطاري إلى برامج تستهدف شرائح معينة، كالشباب بين 16 و18 عاما المتسربين من المدارس بسبب الظروف المعيشية الصعبة لأسرهم، والنساء، خصوصا في المحافظات التي تتعرض للعدوان كجنين وطولكرم.

ومن البرامج طويلة الأمد، برنامج تدريب مهني مع تمويل أجور للمتدربين بعد انتهاء تدريبهم والتحاقهم بالعمل في إحدى المشركات، وآخر لتطوير تعاونيات يستهدف حديثي التخرج من الجامعات، وثالث لتمويل الأجور في مناطق صناعية تواجه تحديات صعبة، وقد وافق الاتحاد الأوروبي على تمويله.

وفي هذا السياق أيضا، أشارت عطاري إلى إطلاق "مبادرة فلسطين للتشغيل"، إذ وقعت الوزارة اتفاقية لتمويلها مع مؤسسات ألمانية بقيمة 25 مليون يورو، لتمويل ثمانية آلاف وظيفة بالكامل لمدة ستة أشهر.