الثورة الصناعية الرابعة ومستقبل سوق العمل في فلسطين

تاريخ النشر

التغيير حتمي والتعليم والتدريب المهني هو الحل... دروس من الماضي: من كوداك إلى نوكيا

بقلم: د.عماد سالم

في عام 1997، كانت شركة كوداك تُهيمن على 85% من سوق التصوير الفوتوغرافي العالمي وتوظف أكثر من 160,000 شخص. لكنها لم تصمد أمام التغيرات السريعة الناتجة عن ظهور كاميرات الهواتف المحمولة، مما أدى إلى إفلاسها وتسريح جميع موظفيها.

لم تكن كوداك حالة استثنائية؛ شركات عملاقة مثل باجاج (السكوتر)، نوكيا (الهواتف المحمولة)، ديانورا (التلفاز)، راجدوت (الدراجات النارية)، امباسادور (السيارات)، وHMT (الساعات) واجهت المصير نفسه.

هذه الشركات لم تكن تعاني من سوء الجودة، لكنها فشلت في التكيف مع التحولات التقنية والسوقية، مما جعلها عبرة لمن لا يُجيد قراءة المستقبل.

الثورة الصناعية الرابعة: ملامح عالم جديد

نحن الآن في خضم الثورة الصناعية الرابعة، التي تعيد تعريف التكنولوجيا والاقتصاد بوتيرة غير مسبوقة. خلال السنوات العشر القادمة، يُتوقع أن تختفي بين 70٪ و90٪ من الوظائف التقليدية بسبب الذكاء الاصطناعي، الأتمتة، والتكنولوجيا الرقمية.

أمثلة على التحولات الجذرية:

  • أوبر: أكبر شركة نقل في العالم، لكنها لا تمتلك سيارة واحدة.
  • إير بي إن بي: أكبر شبكة ضيافة عالميًا، لكنها لا تمتلك فندقًا واحدًا.
  • آي بي إم واتسون: برنامج قانوني يمكنه ممارسة المحاماة بدقة وكفاءة تتفوق على المحامين الجدد.
  • في الطب: يستطيع برنامج "واتسون" تشخيص السرطان بدقة تفوق الأطباء البشر بأربع مرات.

التوقعات المستقبلية:

بحلول عام 2030، ستصبح السيارات ذاتية القيادة والكهربائية هي القاعدة، مما سيقلل الحوادث بنسبة 99٪ ويؤدي إلى اختفاء شركات التأمين على السيارات وشرطة المرور.

فلسطين في مواجهة التغيرات: سوق العمل بين التحدي والفرصة

سوق العمل الفلسطيني يواجه تحديات كبرى مع هذه التحولات العالمية، ومنها:

  • ارتفاع معدلات البطالة، خصوصًا بين خريجي الجامعات.
  • الاعتماد على التخصصات الأكاديمية التقليدية التي تفتقر إلى المهارات العملية المطلوبة.
  • ضعف الاستثمار في القطاعات التقنية والمهنية.

التأثيرات المحتملة:

  • فجوة المهارات: ستتسع بين ما يُدرّس في الجامعات واحتياجات سوق العمل.
  • الفرص المهدورة: في حال عدم التكيف، قد تُفوت فلسطين فرص الاستفادة من القطاعات الناشئة.

التعليم  والتدريب المهني والتقني: الحل الذي لا غنى عنه

لحماية فلسطين من آثار الثورة الصناعية الرابعة، يجب أن يصبح التعليم والتدريب المهني والتقني (TVET)  ركيزة أساسية للتغيير.

لماذا التعليم والتدريب المهني والتقني؟

  1. توفير تدريب عملي: يرتبط مباشرة بسوق العمل.
  2. خلق فرص عمل جديدة: في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة.
  3. تنمية الاقتصاد المحلي: عبر تقديم مهارات مطلوبة عالميًا.

إستلهام التجارب العالمية: فرصة للتغيير

النماذج العالمية مثل "أوبر" و"إير بي إن بي" تُبرز كيف يمكن للتكنولوجيا أن تُحدث ثورة في القطاعات التقليدية. فلسطين لديها فرصة لتبني هذه الدروس من خلال:

  • دعم المشاريع التقنية الناشئة.
  • الاستثمار في القطاعات الرقمية والطاقة المتجددة.
  • تحديث منظومة التعليم لتتوافق مع احتياجات المستقبل.

أمثلة دولية ملهمة:

  • ألمانيا: نظام التعليم المزدوج الذي يدمج التدريب المهني بالتعليم الأكاديمي.
  • سنغافورة: الاستثمار في التدريب على الذكاء الاصطناعي والمهارات الرقمية.

كيف نبدأ؟ خطوات عملية

1. إصلاح التعليم:

  • تحديث المناهج لتشمل المهارات الرقمية والتقنية.
  • دمج التعليم المهني في المدارس والجامعات.

2. تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص:

  • إشراك المؤسسات والشركات في تصميم برامج تدريبية موجهة.
  • توفير فرص تدريب عملي للطلاب.

3. الاستثمار في التكنولوجيا:

  • تشجيع الابتكار في مجالات مثل البرمجيات، الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة.
  • إنشاء مراكز تميز للبحوث والتطوير.

4. تشجيع ريادة الأعمال:

  • توفير تمويل ودعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على التكنولوجيا.
  • تسهيل الحصول على تمويل لرواد الأعمال الشباب.

مستقبل فلسطين يبدأ الآن

كما تعلمنا من دروس الماضي مع شركات مثل كوداك ونوكيا، فإن التكيف مع التغيير ليس خيارًا، بل ضرورة. فلسطين بحاجة إلى ثورة في التعليم والتدريب المهني والتقني لضمان مستقبل أفضل لشبابها.

باستثمار حقيقي في المهارات والابتكار، يمكننا مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص لبناء اقتصاد قوي ومستدام.

لنكن صُنّاع التغيير بدلاً من أن نكون ضحاياه