لماذا تحتاج فلسطين خطة دخل أساسي طارئ؟

تاريخ النشر
صورة توضيحية- جانب من الدمار الذي لحق بقطاع غزة-تصوير وكالات

ملخّص سياساتي لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس"*

ما يشهده قطاع غزة يعد كارثة غير مسبوقة، مع استمرار آلة الحرب بتدمير اقتصاده مخلفة وراءها 2.2 مليون إنسان على شفا الجوع والمرض، ناهيك عن الصدمات النفسية.

وفي الضفة الغربية، أدت عقود طويلة من التطويق والإخضاع الاقتصادي إلى إحكام قبضة المحتل على الاقتصاد، حيث يخضع أكثر من 200 ألف عامل لظروف استغلالية وقيود على حركة التنقل من وإلى أسواق العمل الإسرائيلية، وهو واقع يفرضه وجود أكثر من 850 ألف مستوطن غير شرعي، وانعدام الاستقرار والأمن، والظلم الواقع على الفلسطينيين على مدى عقود، وقد تفاقم كل ذلك نتيجة الأوضاع الاقتصادية الواهنة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية.

ولأن التحديات التي يواجهها مستقبل فلسطين هائلة، فإنها تتطلب رؤية شاملة، بدءاً من الاستجابة الفورية لآثار الحرب إلى احتمالات تحقيق حل سياسي.

يتطلب تعافي غزة اتباع نهج جديد في التعامل مع المساعدات، يسترشد بجهود التعافي السابقة، لتجنب العثرات التي واجهت المساعدات غير المنظمة.

في هذا السياق، فإن اقتراح خطة دخل أساسي طارئ يشكل آلية مبتكرة لدعم الانتعاش الاقتصادي وإعالة الأفراد في مناطق ما بعد الأزمة، بدءاً من قطاع غزة. ستوفر الخطة الدخل الأساسي، لجميع المواطنين المؤهلين للاستفادة، دفعة شهرية منتظمة غير مشروطة، تحتسب على أساس التكلفة التقريبية لسلة السلع والخدمات الأساسية.

ومن شأن ذلك أن يحفز الطلب والاقتصاد المحلي ويعزز النشاط الاقتصادي والإنتاج المحلي.

ومن شأن تمكين الأفراد مالياً أن يحفز الانتعاش الاقتصادي من القاعدة إلى القمة، على النقيض من تدخلات المساعدات من القمة إلى القاعدة غير الفعّالة.

يعتمد نجاح الخطة على تصميمها وتنفيذها بما يتوافق مع السياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الفريد لفلسطين، مع سعيها لتحقيق الهدف النهائي الذي يجمع بين تخفيف المعاناة بشكل مباشر مع التعافي طويل المدى بما يتواءم مع تطلعات الفلسطينيين للسلام وتقرير المصير.

ولا بد من مرحلة تجريبية لإجراء تقييم شامل للتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للخطة. ويستلزم هذا النهج تطبيقاً خاصاً بكل منطقة وعلى مراحل، مسترشداً بنتائج المرحلة التجريبية ومصمماً بما يتناسب مع المشهد الاقتصادي لكل منطقة وقدراتها.

ومن الأمور المركزية في هذه الإستراتيجية وجود إطار حكم تعاوني، يدمج جهود السلطة المحلية مع إشراك المجتمع لتعزيز شرعية خطة الدخل وفعاليتها، وإرساء أرضية سياساتية قوية لإحداث نقلة في البيئة الاجتماعية والاقتصادية.

التحديات

إن وجود خطة دخل أساسي طارئ في فلسطين، وخاصة في غزة، يتعلق بتقديم المساعدات الفورية بقدر ما يتعلق بتعزيز الكرامة الإنسانية، والاستقلالية، والتمكين الاقتصادي، واستعادة الأفراد قدراتهم وإحساسهم بالثقة الجمعية في سياقات محفوفة بالصعوبات والشدائد.

علاوة على ذلك، فإن تكييف إطار الخطة يستلزم تمييز الفروق التي تميز الحالة الفلسطينية في مرحلة ما بعد الحرب وما بعد المجاعة عن خطط الدخل الأخرى. فمن الواضح أن الوضع في غزة يتسم بمصاعب اقتصادية عميقة وانهيارات مؤسسية، على عكس الحالات التي طبقت فيها خطط الدخل الأساسي سابقاً.

يتطلب العمل بالخطة أيضاً استراتيجية متناغمة مع الواقعين المتباينين في قطاع غزة والضفة الغربية، والاستفادة من أنظمة الوكالات المانحة القائمة لتحديد المستفيدين بكفاءة والتقليل من سوء الاستخدام، بما في ذلك شمول النازحين، واستخدام حلول مرنة للتحقق وتوزيع الأموال.

تعتمد عملية تحديد المستويات المناسبة للدخل الأساسي في غزة والضفة على تحليل اقتصادي دقيق، يأخذ في الاعتبار التحديات الفريدة التي تواجهها المنطقة، مثل التضخم الناجم عن الصراع وتكاليف المعيشة المتصاعدة.

علاوة على ذلك، فإن معالجة تمويل الخطة في غزة، يفرض تحديات كبيرة على خلفية عدم كفاية التمويل في السابق وتشكيك المانحين المحتمل.

تبلغ التقديرات الأولية لتكلفة تطبيق خطة الدخل الأساسي لمدة 12 شهراً في قطاع غزة، التي تم احتسابها وفقاً لمستويات الدخل ما قبل الحرب، نحو 3.5 مليار دولار، وهو مبلغ يزيد قليلاً على الناتج المحلي الإجمالي السنوي للقطاع، بينما تقدر التكلفة لكل من الضفة الغربية وغزة بأكثر من 8 مليارات دولار.

في حين يمكن من خلال المرحلة التجريبية تحديد الاحتياجات التشغيلية وجمع البيانات المحورية لنشر الخطة في غزة، إلا إن اختيار المناطق التجريبية يشكل تحدياً. فالصعوبات التي تواجهها غزة تزيد من تعقيد عملية العثور على المناطق التي تجسد هذه التحديات بشكل حقيقي.

وما يزيد من تعقيد تطبيق الخطة في غزة تأثير الوجود الإسرائيلي. فمن الواضح أن الاحتلال سوف يؤثر، بل ويجعل من المستحيل، تطبيق الخطة بفعالية. ويجب أن تتناول المحادثات التزامات إسرائيل المالية، واقتراح تعويضات تتناسب مع حجم الأضرار.

توصيات سياساتية

المبادئ

1. يجب صياغة وتوجيه وتنفيذ استراتيجيات التعافي والتنمية مثل خطة الدخل الأساسي الطارئ بشكل أصيل تحت مظلة رؤية فلسطينية شاملة بما ينسجم مع التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني.

2. يجب تعزيز إطار للتنمية يتسم بالشفافية والمساءلة ويتضمن خيارات المستفيدين أنفسهم، لا سيما فيما يتعلق بمخصصات خطة الدخل الأساسي، لتعزيز شرعية الخطة والمشاركة المجتمعية.

3. يجب أن تكون خطة الدخل الأساسي عنصراً تكاملياً في عملية التنشيط الاقتصادي في فلسطين، وليس مجرد أداة إغاثية.

وينبغي أن يكون هناك تحول تدريجي من المساعدات الفورية إلى إعادة تنمية القدرات الإنتاجية والبنية التحتية والصناعة.

على سبيل المثال، يمكن أن تعمل خطة الدخل الأساسي جنباً إلى جنب مع سياسات إعادة الإعمار الأخرى مثل الإعانات وإعفاء المناطق من الضرائب في غزة لتقليل تكاليف المعيشة وتحفيز التجارة المحلية.

4. يجب أن تتبع خطة الدخل الأساسي نهجاً تدرجياً يستفيد من نماذج التعافي الدولية الناجحة في المناطق التي مزقتها الحرب حتى التعافي الاقتصادي المتسلسل - بدءًا من تلبية الاحتياجات الأساسية وحتى المبادرات الاقتصادية الشاملة.

التمويل

5. لا بد من وضع إطار تمويلي قوي لخطة الدخل الأساسي يمكنه الاستفادة من الأصول الطبيعية في غزة، مثل احتياطي الغاز المتوقع، ما يضمن تدفق إيرادات مستدامة ومتنوعة. وقد يستلزم هذا إنشاء صندوق هبات للموارد لتوجيه الإيرادات من الموارد الطبيعية إلى تنمية المجتمع وتمويل خطة الدخل الأساسي.

6. ضرورة إشراك الجهات المانحة الدولية والشبكات العالمية الرئيسة، بما في ذلك الأمم المتحدة والشتات الفلسطيني، في تطوير وتطبيق وتمويل الخطة. ويمكن النظر في صيغة جديدة من "ضريبة التحرير" التي طبقتها الدول العربية قبل العام 1990 على الفلسطينيين العاملين في أسواقها لتمويل منظمة التحرير الفلسطينية.

7. الاستفادة من البنية التحتية والخبرات الحالية في مجال المساعدات، مثل وكالة "الأونروا"، لتسهيل تنفيذ مبادرة الدخل الأساسي. حيث يضمن هذا النهج استفادة الخطة من الأطر اللوجستية وقنوات التوزيع القائمة، ما يعزز الكفاءة والتأثير.

المرحلة التجريبية والتصميم

8. عند اختيار المناطق المستهدفة لنشر المبادرة التجريبية للخطة يجب الاستفادة من الرؤى المستمدة من عمليات المساعدات القائمة لقياس مدى عملية تطبيق البرنامج وتأثيره.

ويجب أن توفر هذه المبادرة بيانات مهمة حول فعالية خطة الدخل والتحقق من مناسبة النهج للتطبيق على نطاق أوسع، ما يضمن التنفيذ المستنير والقابل للتكييف.

9. يبرز مخيم جنين، وربما مدينة جنين، كمنطقة مناسبة للمرحلة التجريبية تستهدف 10,000 مواطن على مدار أربعة أشهر بتكلفة تقدر بـ 5 ملايين دولار. ويمكن القيام بذلك بالتعاون مع البلديات و"الأونروا".

10. لا بد من وضع منهجية دقيقة "للاحتياجات الأساسية" لتحديد قيم مبالغ الخطة، بما يعكس الوضع الاقتصادي المحلي، بما في ذلك معدلات التضخم والاعتماد على الواردات.

الحوكمة

11. إنشاء إطار حوكمة للخطة يعطي الأولوية للشفافية والمساءلة، ويمكن أن يتم بالشراكة مع السلطات المحلية والمنظمات الدولية. ولا ينبغي أن تتم إدارة الخطة من الحكومة المركزية الفلسطينية. بل يجب أن تقوم هيئة رقابية مستقلة بإدارة أموال الخطة، وإجراء عمليات تدقيق منتظمة وضمان الإفصاح العام لتعزيز الثقة وتحسين المبادرة.

12. تعزيز البنية التحتية المؤسسية المحلية لدعم التوزيع الفعال لمخصصات الخطة، مع التركيز على تطوير عمليات إدارية قوية وشفافة ومتناغمة محلياً.

وينبغي لبناء القدرات هذا أن يعزز أطر المعونات والرؤى القائمة، بما يضمن أن يتم تنفيذ مبادرة الخطة بما يرتكز إلى فهم للسياق والممارسات التي ثبت نجاحها.

13. تنفيذ نظام شامل للرصد والتقييم لتقييم فعالية الخطة وتوجيه تطويرها. وينبغي لهذا النظام أن يستفيد من حلقات التغذية الراجعة لتحسين المبادرة وإجراء دراسات طولية للمساهمة برؤى قيمة حول دور الدخل الأساسي في التعافي والتنمية في مرحلة ما بعد الصراع.

_____

* الملخّص يستند إلى نقاشات لقاء طاولة مستديرة عقده المعهد في 20 شباط/فبراير 2024