رام الله-(وفا)-إيهاب الريماوي- يبدي المواطنون امتعاضا وخوفا كبيرا من الارتفاع الحاصل على أسعار بعض السلع ومنها الأساسية، حيث بات هذا الموضوع يطغى على أحاديثهم سواء في الشارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى ذهب بعضهم للقول إن السلع الأساسية قد تصبح من الـ"كماليات" بالنسبة لهم، لعدم قدرتهم على شرائها.
ويخشى المواطنون من ارتفاع آخر قد تشهده أسعار المحروقات، وسط تنبؤات لخبراء ومختصين بصعوبة ضبط الارتفاعات في الأشهر المقبلة، لعدة عوامل.
ووفق ما يرشح من معلومات، فإن الارتفاع في المرحلة الراهنة طال أسعار السكر، والطحين، والزيوت النباتية، والمواد البلاستيكية، بنسب تراوحت ما بين 15-20%، إضافة إلى أسعار مشتقات البترول التي طالتها ارتفاعات متتالية منذ أشهر، والحبل على الجرار.
ووفق رجل الأعمال بشار العجاوي، فإن ارتفاع أسعار النقل هو أحد الأسباب التي قادت لارتفاع أسعار السلع في الأسواق، خاصة تلك القادمة من دول جنوب شرق أسيا، حيث قفز فيها السعر خمسة أضعاف.
لكن هذا الارتفاع أيضا جاء على سلع أسعارها غير عالية كالسيراميك مثلا الذي أصبح سعر نقله أعلى من قيمته.
ويرى أن استقرار الأسعار مرتبط بهبوط أسعار الشحن، ولكن في الحالة الراهنة فإن الطلب مرتفع وفي ظل ارتفاع أسعار الشحن أيضا، فإن السعر للمستهلك سيبقى مرتفعا، ولكن إذا حدث العكس وقل الطلب فإن الأسعار ستقل حتما.
ويؤكد العجاوي أن ارتفاع أسعار السلع عالميا كان منذ بداية العام الجاري، لكن المستهلك بدأ يشعر بذلك خلال الأسابيع القليلة الماضية بسبب نفاذ مخزون العام الماضي، والاستيراد بالأسعار الجديدة المرتفعة.
وإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع ومنها مواد استهلاكية أساسية، فإنه من المتوقع أن تقفز أسعار الوقود أيضا.
ووفق رئيس نقابة أصحاب محطات الوقود نزار الجعبري، فإن سعر برميل النفط ارتفع منذ بداية الشهر ما بين 14-15 دولار، وهذا سينعكس على أسعار مشتقات البترول بحلول نهاية الشهر الجاري، ومن المتوقع أن يرتفع سعر لتر البنزين بـ 15 أغورة للتر الواحد.
ويعتقد الجعبري أن استقرار أسعار المحروقات مرتبط بالوضع السياسي على الصعيدين المحلي والدولي.
أما مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني إبراهيم القاضي، فتوقع أن يكون هناك استقرار في الأسعار ابتداء من الشهر المقبل، حيث ليس هناك ما يبرر لاستمرار الارتفاعات على الأسعار الأساسية، خاصة وأن ارتفاع تكاليف الشحن مرتبط بجائحة "كورونا" والإغلاقات، والآن العالم بدأ يعود إلى ما كان عليه قبلها.
ومرد هذا التوقع أيضا إلى أن تكاليف الشحن لن تقفز مجددا بعد أن وصلت إلى ستة أضعاف ما كانت عليه قبل جائحة "كورونا"، وهو ما قاد إلى ارتفاع أسعار الطحين مثلا بنسبة وصلت 8%..
ولفت إلى أن الارتفاع الذي شهده السوق لن يقتصر على فلسطين، فبحسب تصريحات منظمة الأغذية العالمية فإن هناك ارتفاعا عالميا، لافتة إلى أن ارتفاع الأسعار يعود إلى التبعات الاقتصادية الناجمة عن جائحة "كورونا" في العالم ككل ما أثر على السوق الفلسطيني.
وأشار القاضي إلى أن السلع والمواد الأساسية متوفرة في السوق الفلسطينية، داعيا المستوردين إلى إعادة تغيير وجهات الاستيراد إلى البلدان التي تنتج بكلفة أقل.
وأكد القاضي أن وزارة الاقتصاد لن تتوانى عن متابعة أسعار السلع الغذائية والأساسية في السوق الفلسطينية، منوها إلى أن دائرة حماية المستهلك تعكف على إعداد قائمة أسعار استرشادية، تساعد في ضبطها وتمنع المغالاة.
وحسب الخبير الاقتصادي هيثم ضراغمة، فإن الارتفاعات لم تكن مفاجئة، وتعود بالأساس إلى ارتفاع سعر الشحن عالمياً، بما ينعكس على أسعار السلع المستوردة بين المستهلكين، إضافة إلى أن المستثمرين وكبار التجار يحاولون تعويض ما لحق بهم من خسائر خلال الفترة الماضية نتيجة جائحة "كورونا.
وقال: "يرجع ارتفاع الأسعار في الأراضي الفلسطينية إلى عدم الاستيراد بشكل مباشر نتيجة عدم سيطرتنا على المعابر والحدود، وعالمياً فإن الأسعار تكون وفق مستوى الدخل، وإذا كان مستوى الدخل مرتفع في دولة معينة، وهذا ضمنا يعني أن الأسعار ستفوق دولا أخرى".
وأكد ضراغمة أن ربط الأسعار مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحكم اتفاقية باريس عقّد من إمكانية مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بفلسطين، والسبب في ذلك يرجع إلى أن إيرادات المواطن الفلسطيني لا تقارن ما بينه وبين الإيرادات الاسرائيلية.
وتابع: "يجب أن يكون هناك سياسة للحد من هذه الارتفاعات الهائلة وتحديداً العام المقبل، المتوقع أن يشهد ارتفاعا أشد، وبالتالي على الحكومة أن تتبنى سياسة لمواجهة تلك الأزمة يتم من خلالها دعم السلع الأساسية، ومن شأن ذلك أن يحد من هذا الارتفاع ويخفف من وطأته على المواطن الفلسطيني".
وحذر ضراغمة من أن مستوى الدخل المتدني مقارنة بالارتفاع الجنوني بالأسعار، قد يؤدي إلى انتشار آفات غير مرغوبة مجتمعيا، حتى أن البعض قد يذهب نحو الاتجار غير المشروع الذي قد يؤدي إلى انتشار للجريمة.
وأردف: "يجب البحث عن مصادر لدعم السلع الأساسية ليتمكن المواطن من العيش بالحد الأدنى، وحتى لا ننجر كمجتمع فلسطيني إلى أمور لا تحمد عقباها، فإذا كان المواطن لا يتمكن من شراء حاجاته الأساسية سيبحث عن مصادر دخل قد تكون مشبوهة، فلا بد من اتخاذ إجراءات للحدث من هذه الإشكالية التي تعصف بالأراضي الفلسطينية".
ورأى أن هناك حاجة إلى مجهود سياسي لتمكين المستورد من تنويع مصادره، بما يمكن من البحث عن سلع أقل كلفة.
ويشير رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني صلاح هنية، إلى أن رفع الأسعار المنتظر سيبدأ انطلاقاً من بداية الشهر المقبل، بنسب تتراوح بين 15-20%.
وتوقع أن يستمر ارتفاع أسعار السلع حتى نهاية العام الجاري، أو خلال الأشهر الأولى منه، وحتى يحصل ذلك فإن الأمر مرتبط بضرورة حدوث تغيرات مهمة في الاقتصاد العالمي، وفي حال عدم تغيرها يجب أن يكون هناك خطوات لدعم السلع الأساسية، وفرض رقابة شديدة على أسعار السلع في السوق ومن تغول بعض التجار، ومراقبة التجار الكبار لمنعهم من إخفاء السلع في انتظار ارتفاع الأسعار وطرحها في السوق.
واتفق هنية مع دعوة ضراغمة إلى ضرورة أن يكون هناك دعم حكومي للسلع الأساسية، وشدد على أهمية إنشاء صوامع للقمح والحبوب الأساسية حتى يصبح لدى فلسطين أمن غذائي يؤدي إلى استقرار في الأسعار.
ودعا إلى أن تقوم جهة شبه حكومية كصندوق الاستثمار، باستيراد بواخر محملة بكميات كبير من السلع وأن تبيعها للتجار بأسعار جملة الجملة.
وأضاف هنية: "يجب مراجعة السياسات الاقتصادية والمالية من أجل رد الاعتبار لدعم المنتج الفلسطيني، إضافة إلى دعم القطاع الزراعي والمشاريع الشبابية الناشئة ذات الصلة، ودون ذلك سنبقى معتمدين على الاستيراد ونتأثر بشكل كبير بارتفاع أسعار السلع عالميا، إضافة إلى أنه مع تراجع القدرة الشرائية سنشهد مشاكل اجتماعية كثيرة، وحينها ستتضاعف مسؤوليات الحكومة، وبالتالي يجب أن نضع سياسيات مناصرة للفقراء وذوي الدخل المحدود".
وعن الخطوات التي تقوم بها جمعية حماية المستهلك، أوضح هنية أنها ستعقد اجتماعا مع الغرف التجارية وتجار جملة الجملة وكبار المستوردين، لدعوتهم إلى أن يكون رفع الأسعار بصورة غير مضرة بالاقتصاد الفلسطيني وقدرة المستهلك الشرائية، إضافة إلى أهمية تشديد الرقابة ووضع أسعار استرشادية لأسعار السلع في السوق الفلسطينية.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن الرقم القياسي العام لأسعار الجملة شهد ارتفاعا حادا نسبته 4.21% خلال الربع الثالث 2021 مقارنة بالربع الثاني 2021، حيث بلغ الرقم القياسي العام لأسعار الجملة 129.35 خلال الربع الثالث 2021 مقارنة بـ 124.13 خلال الربع الثاني 2021.
وأضاف الإحصاء، أن أسعار الجملة للسلع المحلية شهد ارتفاعاً حاداً أيضاً نسبته 5.77%، حيث بلغ الرقم القياسي لأسعار الجملة للسلع المحلية 132.65 خلال الربع الثالث 2021 مقارنة بـ 125.42 خلال الربع الثاني 2021، كما أن أسعار الجملة للسلع المستوردة ارتفع أيضاً بنسبة 2.04%، حيث بلغ الرقم القياسي لأسعار الجملة للسلع المستوردة 125.17 خلال الربع الثالث 2021 مقارنة بـ 122.67 خلال الربع الثاني 2021.