طرابلس، شمال لبنان (شينخوا) لم تعد تجارة الألبسة الأوروبية المستعملة "البالة" في طرابلس كبرى مدن شمال لبنان، تقوم فقط على بيع الألبسة والأحذية، بل دخل على المتاجر مؤخرا شكل قديم من أشكال التعامل الاقتصادي وهو المقايضة ، حيث يأتي بعض المواطنين نتيجة تردي أوضاعهم المادية بألبسة وأحذية لم تعد مقاساتها تلائمهم لاستبدالها بأخرى مع دفع فروقات بسيطة.
وتشهد متاجر "البالة" إقبالا متزايدا من قبل المواطنين ومن طبقات اجتماعية عدة بعدما كانت سابقا حكرا على الفقراء الذين يقصدون تلك الأسواق لشراء الألبسة والأحذية بأسعار تناسب إمكانياتهم المادية، حيث يتمكنون بمبالغ زهيدة من شراء ما يحتاجونه.
وتضم المدينة وفق إحصاء غير رسمي الفي متجر تعرض أنواعا مختلفة من الألبسة والأحذية الرجالية والنسائية والخاصة بالأطفال، بالإضافة إلى الأقمشة والستائر وغيرها، ويعيش من مردودها نحو 5 آلاف عائلة.
ويقول محمد طرطوسي مالك متجر للألبسة المستعملة لوكالة أنباء ((شينخوا)) "ورثت المهنة عن والدي منذ 40 عاما، وخلال هذه السنوات شهدت ظروفا صعبة مرت على لبنان لكنني لم أشهد ظروفا اقتصادية قاسية كالتي يعيشها البلد حاليا".
ويضيف "لم يسبق أن شهدت هذا العدد الكبير من الزبائن الذين يأتون إلى محلاتنا لشراء ما يحتاجونه ، وبعض هؤلاء فقراء لدرجة أنهم لا يستطيعون دفع ثمن ملابس أو حذاء مستعمل لأولادهم برغم أسعارنا الرخيصة".
ويتابع هناك العديد من متاجر "البالة" في طرابلس والزبائن يأتون الينا من كل مناطق الشمال وقسم منهم من اللاجئين الفلسطينين والنازحين السوريين، وباتت هذه المتاجر مقصدا لشريحة كبيرة من المواطنين، حيث ازدادت حركة الزبائن الجدد لدينا بسبب تردي أوضاعهم المعيشية.
وكانت مدينة طرابلس قد عرفت تجارة "البالة" منذ مطلع القرن الماضي ، وقد تطورت مع زيادة عدد السكان وتدهور الأوضاع الاقتصادية ، ما جعل متاجر الألبسة المستعملة ملجأ العديد من العائلات.
بدوره يقول التاجر أحمد كريم "نستقبل صيفا وشتاء آلاف المواطنين الذين يشترون ثيابا لأولادهم بمبالغ زهيدة، وبعض الزبائن من المهنيين العاملين في الميكانيك والنجارة والدهان والحدادة الذين يشترون ثيابا عملية يرتدونها خلال ممارسة العمل.
ويوضح أن الشريحة الأكبر من الزبائن هم ممن لا يستطيعون شراء ألبسة جديدة لأولادهم في المواسم والأعياد والمناسبات فيلجأون إلى متاجر "البالة" التي يتراوح فيها ثمن قطعة الألبسة بين 10 آلاف ليرة لبنانية (أي ما يعادل نصف دولار أمريكي بحسب سعر السوق السودء) و20 ألفا.
ويضيف "رغم ذلك تأتي إلينا ، خصوصا مع اقتراب موسم الشتاء ، عائلات غير قادرة على شراء كل ما تحتاج إليه ، حيث يعرض البعض مقايضة ألبسة لديه بألبسة من متجرنا أو يقوم بنفسه بمقايضتها مع زبون آخر بهدف توفير مال لشراء ما يحتاجه".
وبقرب أحد متاجر "البالة" في منطقة نهر أبوعلي في وسط مدينة طرابلس، يمكن ملاحظة سيدات يحملن أكياس بداخلها ألبسة وأحذية لأولادهن يسعين إلى استبدالها بأخرى أو بيعها لأي زبون.
وتوضح، سيدة تدعى نجاح (تحفظت على ذكر اسم العائلة منعا للإحراج) أن أسرتها مؤلفة من 5 فتيات، وأنها عند بدء كل موسم صيفي أو شتوي تقصد متاجر البالة لتبتاع لهن ألبسة وأحذية مناسبة بأسعار مقبولة.
وتضيف هذا العام باتت الأوضاع صعبة جدا، وزوجي الذي يعمل بائعا متجولا للخضار على عربة لا يمكنه الوفاء باحيتاجات بناتي، لذلك قررت أن أبيع ألبسة قديمة لهن أواستبدالها بألبسة أخرى مع دفع الفارق المطلوب.
وتتابع "الأمر مخجل جدا لقد أصبحنا أقل من فقراء ولا نستطيع توفير الغذاء والكساء ودفع إيجار المنزل وفواتير المياه والكهرباء".
وإلى جانب متاجر "البالة" الكثيفة في المدينة بدأ بعض الباعة المتجولين يعرضون ألبسة وأحذية مستعملة في بسطات وعربات في الشوارع في مؤشر إلى ازدياد طلب المواطنين على هذه البضائع.
ويقول المواطن خالد الرفاعي "في حال بقي تردي الوضع على حاله في لبنان فلن استطيع شراء ألبسة لأولادي السبعة، فحتى الألبسة المستعملة باتت فوق قدرتنا على شرائها ، والحل الوحيد هو مقايضة ألبستهم التي ضاقت عليهم بأخرى أو بيعها لشراء غيرها".
ويعاني لبنان منذ العام 2019 من أسوأ أزمة سياسية ومالية واقتصادية وصحية في تاريخه ، ومن تدهور معيشي متصاعد وانهيار قيمة الليرة اللبنانية وتآكل المداخيل والمدخرات، إضافة إلى تصاعد الفقر بنسبة 74% مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وبروز أزمات أخرى بينها الشح في الوقود والكهرباء والأدوية.