رام الله-(وفا)- اعتبرت الأمم المتحدة، في تقرير لها، الاحتلال الاسرائيلي وممارساته على الأرض السبب لكل المشاكل التي يعانيها الاقتصاد الفلسطيني، فيما لم تضف جائحة كورونا، رغم تداعياتها، شيئا يذكر لتعقيدات الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال رئيس الوزراء محمد اشتية لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" معقبا: إن ما جاء بالتقرير يؤكد أن الاحتلال هو المتسبب بالمعضلة الاقتصادية في فلسطين، وإن انهاء الاحتلال هو الطريق الوحيد لتحقيق التنمية المستدامة.
وقال منسق وحدة مساعدة الشعب الفلسطيني في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، محمود الخفيف، ومسؤول الشؤون الاقتصادية في المنظمة معتصم الأقرع، إن جائحة كورونا تركت تداعيات على كل دول العالم، "لكن في فلسطين الظروف مختلفة، ورسالتنا الأساسية أن العامل الاساسي المضر بالاقتصاد الفلسطيني هو الاحتلال".
وعرض الخفيف والأقرع التقرير السنوي لـ"اونكتاد" حول واقع وتطورات الاقتصاد الفلسطيني للعام 2020، خلال مؤتمر صحفي عقد في جنيف، واستضافه معهد ابحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس"، عبر منصة "زووم".
وقال المسؤولان الأمميان "جائحة كورونا لم تضف شيئا لتعقيدات الاقتصادي الفلسطيني. الوضع كان سيئا قبل الجائحة واستمر وتفاقم خلال الجائحة، حيث لم تتوقف سلطات الاحتلال عن خططها بالضم والاستيطان والحصار والمعيقات لحركة الافراد والبضائع".
وجاء في التقرير أن الوضع في الأراضي الفلسطينية قبل الجائحة اتسم بضعف الانتاجية، والتفتت الجغرافي وتشظي الاسواق، والقيود على استيراد المدخلات والتكنولوجيا، وفقدان الأراضي والموارد الطبيعية لصالح المستوطنات، وتسرب الموارد المالية إلى اسرائيل، واستنزاف الاقتصاد الإقليمي لقطاع غزة بسبب الحصار والعمليات العسكرية المستمرة، وكل هذا استمر خلال الجائحة.
وذهب المسؤولان الأمميان إلى ابعد من ذلك، باتهام إسرائيل بانها المسؤولة عن حرمان الحكومة الفلسطينية للقدرة على مواجهة الجائحة وتقديم الخدمات الطبية اللازمة واجراءات الانعاش الاقتصادي، باحتجازها للموارد المالية الفلسطينية (المقاصة) لفترة تزيد عن ستة أشهر في عام 2020.
وقال التقرير "لا شيء جديد، الإغلاق المرتبط بالجائحة أضيف إلى الإغلاق طويل الأمد الذي يفرضه الاحتلال، (حيث) عانى الشعب الفلسطيني واقتصاده من حصار بطريقة أو بأخرى منذ الانتفاضة الثانية في أيلول عام 2000، بتطبيق اسرائيل سياسة إغلاق مشددة مع نظام معقد من القيود على تنقل الأشخاص والبضائع".
ولفت التقرير إلى أن انكماش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 11.5% في 2020 كان قريبا لنسبة الانكماش في عام 2002 عندما انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 12.4%، ما يعني ان أسوأ انكماش ارتبط بحالات الإغلاق، أحدهما سياسي، والآخر بسبب أزمة صحية عالمية تحدث مرة كل قرن.
وألمح التقرير إلى أن إسرائيل استغلت ظروف الجائحة لتصعيد ممارساتها، إذ في نيسان 2020، في ظل أسوأ جائحة عالمية منذ قرن، أعلنت إسرائيل عن خطط لضم أجزاء من الضفة الغربية، ورفضت السلطة الوطنية استلام عائدات المقاصة المالية التي تجمعها إسرائيل (بسبب اقتطاعات غير قانونية قامت بها الحكومة الاسرائيلية).
واضاف: فقدت السلطة الوطنية الفلسطينية 68% من إيراداتها المالية لنصف عام إلى حين استئناف التحويل في تشرين الثاني، وقوضت الأزمة المالية قدرة السلطة على الاستجابة للتداعيات الاقتصادية والصحية للجائحة وتمويل العمليات الصحية والإغاثية، وتلقى جميع موظفي القطاع العام، بمن فيهم العاملون في مجال الرعاية الصحية، رواتب جزئية حتى نهاية العام.
ولفت التقرير إلى الخطة الاستيطانية طويلة الأمد التي أطلقتها اسرائيل منذ احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967.
وقال: بحلول أوائل عام 2021، تمكنت إسرائيل من انشاء 280 مستوطنة، وارتفع عدد المستوطنين إلى أكثر من 650 ألفا، وبحلول عام 2019، كان هناك 11 مجمعا صناعيا اسرائيليا في المناطق المسماة (ج) من الضفة الغربية، وأنفقت إسرائيل مليارات لتشييد بنية تحتية حديثة لتوسيع المستوطنات، وتقديم حوافز سخية للمستوطنين ورجال الاعمال، مثل الأراضي الرخيصة المستولى عليها من الفلسطينيين، وحوافز إسكان، وإعانات للأعمال التجارية وللمناطق الصناعية، ومزايا ضريبية، وإعانات توظيف.
وتابع: تؤدي المستوطنات إلى تدهور بيئي، وتسلب حق الشعب الفلسطيني في التنمية، حيث تقوم إسرائيل بنقل النفايات الخطرة إلى الضفة الغربية، بما في ذلك النفايات الطبية، والزيوت المستعملة، والمذيبات والمعادن والبطاريات وآلاف الأطنان من النفايات الإلكترونية.
وقال التقرير أن إسرائيل، ولأغراض توسيع المستوطنات، تصادر الأراضي وتدمر ملايين أشجار الزيتون وأشجار أخرى، مخلفة عواقب وخيمة، ولا تستثني عمليات الهدم والمصادرة والمدارس وأنابيب المياه والمباني الإنسانية الممولة من المانحين، حيث هدمت اسرائيل منذ 2009 حوالي 1343 مبنى ممولا من المانحين.
ووفقا للتقرير، استهدفت إسرائيل في عام 2020 وحده (العام الأول للجائحة)، 848 عقارا مملوكا للفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة، وهو أعلى مستوى على الإطلاق منذ 2009، باستثناء عام 2016، ما أدى إلى نزوح 996 فلسطينيا أكثر من نصفهم أطفال.
وتابع التقرير: إن سلطات الاحتلال سرعت عمليات الهدم في 2021، حيث هدمت واستولت على مالا يقل عن 292 مبنى مملوكا للفلسطينيين في الربع الأول، ما أدى إلى نزوح 450 شخصا.
وقال التقرير، على الرغم من التأجيل الرسمي لخطة الضم التي اعلنتها اسرائيل في نيسان 2020، إلا أن الواقع على الأرض لم يتغير، حيث واصلت اسرائيل التعامل مع المستوطنات باعتبارها جزءا منها.
ولفت التقرير إلى ردة فعل الفلسطينيين على خطط طرد عائلات فلسطينية في حي الشيخ جراح بالقدس، وكانت الحصيلة أن قتلت قوات الاحتلال 31 فلسطينيا وجرحت 7516 آخرين واعتقلت 798.
وتطرق التقرير إلى الآثار المدمرة للعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في ايار الماضي، والذي استمر 11 يوما، تخللها 1500 غارة جوية، دمرت 28 مستشفى ومركز صحي، وقتلت 256 فلسطينيا، وجرحت 1948 آخرين، وأدت إلى نزوح نحو 8 آلاف شخص، ودمرت 331 مبنى بصورة كلية، وتضرر 15129 وحدة سكنية ومنشأة تجارية، وحرمت نحو 400 ألف شخص من الوصول المنتظم للمياه الصالحة للشرب.
وخلص التقرير، الذي سيقدم لأعضاء الأمم المتحدة خلال مؤتمر سيعقد في تشرين الثاني القادم، إلى أن "السلطة الوطنية الفلسطينية تتحمل مسؤوليات أكبر بكثير من مواردها وحيز السياسات المتاح لها، وإلى أن ينتهي الاحتلال، لا بديل عن دعم كاف من المجتمع الدولي".
واضاف التقرير في استخلاصه: لترجمة الدعم الدولي إلى تقدم حقيقي، على إسرائيل أن ترفع، دون شروط، جميع القيود التي تفرضها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية".
وقال اشتية، في تصريح لـ"وفا"، إن "ما جاء في تقرير "اونكتاد" يؤكد على أن الاحتلال هو المتسبب بالمعضلة الاقتصادية في فلسطين، وهو العائق الأساسي لكل جهود التنمية من خلال سرقة المقدرات الوطنية".
واضاف رئيس الوزراء إن "الحكومة الفلسطينية تتحمل أعباءً كبيرة مقابل محدودية سيطرتها على الأرض والموارد والحدود، وتتحمل كامل الالتزامات المالية التي يحتاجها شعبنا حيثما كان في غزة والضفة بما فيها القدس، وفي مخيمات اللجوء بلبنان وسوريا".
واكد اشتية: إن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، هو ما يعزز إمكانيات التنمية والمستدامة، وليس استمرار الوضع القائم وتحسين ظروف العيش تحت الاحتلال.