رام الله-(الحياة الجديدة)- أجمع باحثون واقتصاديون ورجال أعمال ومستثمرون على أن نظام الفصل العنصري والمعابر التجارية الذي تفرضه إسرائيل، لم يقم فقط بالإضرار بالاقتصاد الفلسطيني، بل كانت له أيضًا تبعات أخرى خطيرة تمثلت في ظهور منتفعين وسماسرة ومهرّبين يمارسون أعمالا "غير مشروعة" فاقمت من الأضرار التي يلحقها الاحتلال بالاقتصاد الفلسطيني، وضاعفت الآثار السلبية الناجمة عن نظام العزل الإسرائيلي.
جاء ذلك خلال لقاء الطاولة المستديرة الذي عقده، يوم الأربعاء، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس" حول "التفاعل الفلسطيني مع جغرافيا الاستعمار كيف يتم الالتفاف على نظام المراقبة الإسرائيلية على التجارة مع الضفة الغربية (إشكالية التجارة الحدودية والشحن التجاري عبر المستوطنات)" في قاعته برام الله وعبر تقنية "زووم"، بمشاركة مدير عام المعهد رجا الخالدي، والباحث وليد حباس، ورجل الأعمال سمير حليلة، ومدير عام الإدارة العامة لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني ابراهيم القاضي، وممثلة جهاز الضابطة الجمركية سونيا الدرابيع.
وأكد المشاركون أن جغرافيا الاستعمار التي يقوم عليها نظام الفصل العنصري للاحتلال، ساهمت في إنشاء شبكات مصالح اقتصادية مكونة من فلسطينيين وإسرائيليين (بما في ذلك مستوطنون). هذا يعني، أنه على مستوى القاعدة فإن ثمة علاقات وطيدة بين فلسطينيين وإسرائيليين وهي علاقات قائمة بالسر أو بالعلن، لكنها بالطبع غير شرعية من الناحية الاقتصادية والسياسية، تعود بالنفع الكبير على المشاركين فيها، لكنها أيضًا تعود بالضرر على خزينة السلطة الوطنية.
ويعتبر الباحث وليد حباس، أن قسمًا من الاقتصاد الفلسطيني غير مرصود، سرّي، أو قائم على التحايل. بينما لا يجب التقليل من أهمية هذه الظاهرة واتساع عدد المشاركين والمنتفعين منها، إلا أنه لا يمكن رصد حجم هذا الاقتصاد بشكل واضح. يشمل هذا الاقتصاد العمال، الاستيراد والتصدير، واللوجستيات، والسيطرة على طرق النقل والتزوير والتلاعب الضريبي وغيرها، وهو متغلغل في معظم القطاعات الاقتصادية ويضم بشكل مباشر أفرادًا فلسطينيين من طبقات وخلفيات اجتماعية متنوعة.
وأكد حباس، أن نظام الحدود الاستعماري الذي فرضته إسرائيل خاصة بعد الانتفاضة الثانية، أدى إلى ولادة مصلحة لدى بعض المنشآت والتجار بعدم التعرض للوضع التجاري الجغرافي القائم المشوه والمتداخل. بل على العكس، حاول المستفيدون من هذه الجغرافيا أن يخلقوا فرصًا للتعاون اقتصاديًا فيما بينهم من جهة، وبينهم وبين الإسرائيليين من جهة أخرى، خارج الأطر القانونية وبعيدًا عن رقابة الجهات الرسمية الفلسطينية.
بيد أنه اشار الى ان هذه الجغرافيا الاستعمارية التي خنقت الاقتصاد الفلسطيني، وأضرت بالطرق التجارية وحرية المرور، كانت في ذات الوقت مصدر دخل واسترباح لقسم آخر من التجار.
وقال: تحولت فكرة "المستوطنة كمحطة عبور" إلى فكرة جاذبة للعديد من المنتفعين الذين يزوّرون مقاصات، أو يبيعون فواتير/إرساليات وهمية من أجل إدخال البضائع إلى إسرائيل. يقيم عدد من هؤلاء علاقات مع الجنود الإسرائيليين المتواجدين على الحواجز المخصصة للمستوطنين، وعدد آخر يقيم علاقات ويقدم رشوات لحراس المستوطنات.
وأضاف، أن استخدام المستوطنات كمحطات عبور له آثار اقتصادية وسياسية كبيرة على الجانب الفلسطيني أهمها خلق علاقات اقتصادية بين الفلسطينيين والمستوطنات المقامة بشكل غير شرعي على الأراضي الفلسطينية، وتسخير البنية التحتية للمستوطنات إلى خدمة المصالح المادية للعديد من التجار الفلسطينيين.
وأكد حباس، أن الحركة التجارية المرصودة، سواء من قبل الجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي أو الفلسطيني، أو من قبل الضابطة الجمركية أو الجهات الرسمية الأخرى في فلسطين، هي أقل من الأرقام الحقيقية.
بدوره، شدد حليلة على ضرورة دراسة الأثر المالي والاقتصادي لظاهرة التهريب، وذلك لأهميته في تزويد اللجنة الاقتصادية المشتركة بالمعلومات اللازمة للحد من هذه الظاهرة والسيطرة عليها.
وأكد على الفروقات بين النظام الجمركي الفلسطيني والإسرائيلي، وأن المعمول به حاليًا لا يمثل اتحادًا جمركيًا كما يدّعي التعريف الإسرائيلي لبروتوكول باريس الاقتصادي، مشيرًا إلى غياب التنسيق الداخلي ما بين الوزارات الفلسطينية، متطرقًا إلى مشكلة تسجيل البضائع الواردة إلى قطاع غزة عبر الحدود المصرية، اذ لا تخضع هذه الواردات إلى أي مرجع، ولتنظيم هذه العملية طالب بتنظيم هذه العلاقة ضمن إطار النظام الجمركي الفلسطيني
من جانبها، استعرضت الدرابيع بعض عمليات تهريب البضائع من المستوطنات الى الضفة، متطرقةً الى أبرز المعيقات التي تواجه الضابطة الجمركية في التصدي لعمليات التهريب.
بينما أشار القاضي إلى استخدام بعض المهربين طرق مبتكرة في تهريب منتجات المستوطنات إلى الضفة، وان المنتج الفلسطيني الذي يتم إرساله إلى المستوطنات، وبعدها يتم تصديره إلى العالم الخارجي لا يحمل الهوية الفلسطينية، بالإضافة إلى أن بعض البضائع التي يتم تصنيعها في المستوطنات، ومن ثم تهريبها إلى الضفة الغربية، تحمل علامات تجارية مزورة.
واكد القاضي أن المصانع والمشاغل التي تعمل لصالح الوسطاء الإسرائيليين في المستوطنات تواجه خطر عدم الديمومة أو الاستمرارية في الإنتاج في حال توقف العلاقة التجارية مع الوسيط الإسرائيلي.
كما أكد القاضي ضرورة فرض عقوبات صارمة على التجار الفلسطينيين الذين يقومون بإدخال البضائع المهرّبة إلى السوق المحلية، مطالبًا بضرورة رصد الأثر الاقتصادي لعمليات التهريب، لمساعدة صانع القرار على أخذ التدابير المناسبة.
فيما ذكر ممثل الجهاز المركزي للإحصاء حسام خليفة، أن إجمالي الصادرات المعاد تصديرها إلى إسرائيل تشكّل ما بين 25% إلى 33% من إجمالي الصادرات إلى إسرائيل.
أما الخالدي، فقال:"تأتي هذه الورقة في إطار اهتمام المعهد بمتابعة القضايا الاقتصادية والاجتماعية المستجدة التي تهم المواطن وصاحب القرار، بما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد والمواطن".