رام الله-الأناضول- يقول الفلسطينيون، في هذه الأيام، إن "صبرهم" بدأ ينفد.
لكنهم، لا يقصدون بـ"الصبر"، قدرتهم على تحمّل قسوة الاحتلال الإسرائيلي، وتبعاته، من حصار، واعتقال، وتهجير، وضنك العيش، بل فاكهة "الصبر" المعروفة باسم "التين الشوكي".
فقد أُصيبت مزارع "الصبر-التين الشوكي"، في غالبية مناطق الضفة الغربية المحتلة، بمرض تسبب لها بأضرار فادحة.
ويقول مزارعون في بلدة نعلين، إلى الغرب من رام الله، وسط الضفة الغربية، والتي تحظى بشهرة كبيرة في زراعة وانتاج "التين الشوكي-الصبر"، إن نحو 85 بالمائة من الأشجار ماتت بفعل إصابتها بحشرة "الدودة القرمزية".
ومنذ الساعة الثامنة فجرا، والفلسطيني خليل عميرة (53 عاما)، وعائلته يقطفون ثمار الصبر، فيما تبقى من أشجار لم تصب بالوباء بحسب قوله.
ويقول عميرة الذي يمتلك 5 مزارع في نعلين، لوكالة الأناضول، بينما يقطف الثمار "موسم الصبر، شعبي وله تقاليد خاصة، كموسم قطف ثمار الزيتون، حيث يشارك فيه كل أفراد العائلة".
ويعتمد عميرة على الموسم لسد بعض الاحتياجات المالية للعائلة، سنويا، غير إن الموسم هذا العام "دون المستوى بكثير".
وأشار إلى أن "أشجار الصبر أصيبت منذ العام الماضي، بمرض تسببه (الدودة القرمزية)، تسفر عن موت الشجر بشكل كامل".
وتسبب المرض، بتلف مزارع كاملة، في محيط حقل "عميرة".
ويقول في هذا الصدد "قد أخسر مزرعتي هذه في السنة القادمة".
**محاولة للبقاء
ويقارن ما ينتجه الموسم الحالي، بالسابق، قائلا "في السنوات السابقة يدر الموسم دخلا لا يقل عن 20 ألف شيكل (حوالي 6200 دولار أمريكي)، بينما هذا العام بالكاد يصل إلى 5 آلاف شيكل".
واستخدم "عميرة "خلطة خاصة، بعد البحث عبر مواقع شبكة الانترنت واستشارة مختصين لمكافحة الدودة، واستطاع أن يجنب واحدة من مزارعه الخمسة، الفناء.
وعن ذلك يقول "استخدمت مواد بسيطة كالكلور، ومواد أخرى متوفرة، لرش الأشجار، الأمر الذي نجح في مزرعة واحدة أملكها".
وقال "في نعلين، بقي القليل من المزارع، بينما هلك نحو 85 بالمائة منها بسبب الوباء".
ويستخدم عميرة أدوات خاصة، لقطف الثمار ذات الأشواك الدقيقة، ويقوم بتعبئتها في صناديق من الكرتون، بعد تنظيفها من الأشواك، وتسويقها في أسواق الضفة.
ويباع الصندوق الواحد بـ "30 شيكلا (نحو 9 دولارات)".
وعبر المزارع عميرة عن مخاوفه من قضاء الوباء على الأشجار كافة، مطالبا بتدخل من قبل الجهات الرسمية والمختصة، لتوفير العلاج، وزراعة الأشجار من جديد.
ويبدو عميرة خائفا، فيقول "أخشى ألا نرى الصبر في نعلين، في السنوات العشر القادمة".
وقال "نعلين أم (أشجار فاكهة) الصبر، قد تصبح جرداء بفعل الوباء".
وحال المزارع يوسف الخواجا (65 عاما) لا يختلف كثيرا عن "عميرة"،، فهو الآخر يشتكي من آثار الوباء على مزرعته الخاصة.
ويقول الخواجا، لوكالة الأناضول "لم يعد في نعلين صبر، مات، قتلته الدودة (القرمزية)".
ومنذ عشرات السنوات والخواجا يعمل في موسم قطف "الصبر"، ويوفر دخلا يعينه على حياته وزوجته.
وقال "هذا العام بالكاد أن تنتج المزرعة ما قيمته 5 آلاف شيكل"، موضحا أن مزرعته كانت تدر عليه في السنوات السابقة ما بين 20 إلى30 ألف شيكل.
وتمثل شجرة "التين الشوكي-الصبر" في نعلين وبعض البلدات الفلسطينية، إرثا متوارثا عن الأجداد.
وتختلف تسمية هذه الفاكهة من بلد عربي لآخر، حيث تجدها في بلاد الشام، بما فيها فلسطين، تسمى بـ"الصبر" أو "الكوز"، وفي مصر "التين الشوكي"، وفي الجزيرة العربية "البرشومي".
وينتمي "الصبر" لعائلة الصبّار، وتنمو أشجاره في الأماكن الجافة، وهو نبات معمّر، وله قدرة على مقاومة الجفاف، ويعتبر طعاماً مفضلا للإبل في المناطق الصحراوية، برغم أشواكه الحادة.
وتُعد نعلين، واحدة من أشهر البلدات الفلسطينية إنتاجاً للصبر.
وتشتهر بلدات أخرى في الضفة الغربية، بزراعة وإنتاج الصبر، كـ"بدرس"، إلى الغرب من رام الله، وفقّوعة بالقرب من جنين (شمال)، وتل، بالقرب من نابلس (شمال).
ولا توجد إحصاءات فلسطينية حول الإنتاج السنوي من التين الشوكي.
** خطر حقيقي
ولفت رئيس قسم أمراض النبات في وزارة الزراعة الفلسطينية، عماد عيد، إلى أن الحشرة تُشكل خطرا حقيقيا على أشجار الصبر".
وأضاف في تصريح لإذاعة صوت فلسطين (الرسمية) أن "الحشرة تنتشر بأعداد كبيرة وتمتص العصارة داخل النبات وتضعفه، بعد تشكل طبقة تشبه القطن الأبيض، ومع امتداد وانتشار الإصابة ممكن أن تؤدي إلى سقوط ألواح الصبار، وموت النبات بالنهاية.
وبيّن أن الحشرة ظهرت لأول مرة قبل عامين، في بلدة فقّوعة شمالي الضفة الغربية، وجرى التعامل معها حسب الأصول والسيطرة عليها؛ كون المساحة كانت صغيرة ومحدودة، لكن الإصابة تنتشر بكثرة هذا العام، في بعض قرى رام الله وسلفيت ونابلس وجنين، والتي تتسم بالرطوبة العالية.
وأشار إلى أن التعامل مع الوباء يتم عبر "زراعة أشجار جديدة، وعدم نقل المصابة لمناطق أخرى".
وقال "وزارة الزراعة تعمل على إرشاد المزارعين للتعامل مع الوباء، عبر التقليم والرش بالمبيدات الحشرية في مواعيد ثابتة".