غزة-أخبار المال والأعمال- استجابة لتحقيق التنمية المستدامة في منطقة غزة الحضرية وتعزيز قدراتها، عمد فريق مشروع المدن المتكاملة والتنمية الحضرية (ICUD) على وضع إطار عمل مقترح لتطوير مركز مدينة غزة وترجمته عبر دراسة فاعلة تهدف إلى تقديم الحلول التطويرية والمستدامة للتخفيف من بعض المشاكل الحضرية والنهوض بالواقع الحالي للمركز لما له من أهمية تاريخية واقتصادية. كما يُشكل مركز جذب للوافدين من سكان القطاع إذ يستقبل نهارًا وبشكل يومي قرابة 300 ألف نسمة ما يتسبب في إحداث أزمة مرورية خانقة.
وتضم الدراسة التي ستعد من قبل الفريق الفني لمشروع المدن المتكاملة (ICUD) المنفذ من قبل وزارة الحكم المحلي عبر صندوق تمويل وإقراض الهيئات المحلية والممول من البنك الدولي مرحلتين أساسيتين: في المرحلة الأولى يتم جمع البيانات وتحليل الظواهر الفيزيائية والديموغرافية والتنظيمية للموقع. وفي المرحلة الثانية يتم إجراء تحليل إستراتيجي لمخرجات المرحلة الأولى والتي تقوم على تحليل الفرص والتحديات والخروج برؤية تنموية مستقبلية للمنطقة.
ويتمخض عن الدراسة خطة إطار تنموية لتقديم الحلول التطويرية لكل من (التنقل، الإزدحام المروري، المناطق الخضراء والترفيهية، ساحات خاصة للمشاة، والنهوض بالمنطقة التاريخية). وخطط تفصيلية مكانية ناتجة عن سلسلة ورش عمل تتعلق في صناعة الحيز المكاني بأماكن مختلفة وسط مدينة غزة.
ويذكر أن تنفيذ خطة تطوير وسط مدينة قطاع غزة سيتم بالتوازي مع تطوير خطة استراتيجية استثمارية مكانية تشمل كافة مساحة أراضي مدينة غزة وضمن (مخطط تطوير المدينة)، حيث تركّز على عدة جوانب منها: تسهيل التدخلات المستدامة للتنمية الحضرية، تمكين العدالة الاجتماعية، واستجابة موجّهة ومحددة مكانيًا (site specific) للقضايا التي سيتم تحديدها، وتقديم تفاصيل أكبر حول نهج التخطيط والاستثمار الذي سيتم اتباعه في المنطقة وسط المدينة، بجانب توفير الاستجابات الملموسة والتصاميم المفصلة للتدخلات بهدف توجيه التحول الحضري وإدارة التغيير المكاني، وتحفيز المستخدمين على الاستخدام الأكثر شمولي لمنطقة وسط المدينة في فترتي النهار والليل.
وأوضح منسق المشروع في منطقة غزة الحضرية، أيمن أبو شعبان، بأن الفريق الفني للمشروع قام بوضع شروط مرجعية للدراسة بالتنسيق مع فريق غزة استنادًا إلى تدخل "الوخز الحضري"، وعليه سيتم التعاقد مع "استشاري" ليقوم بدوره بتحليل المشاكل العالقة في مركز مدينة غزة ووضع الحلول لها وترجمتها إلى مشاريع ومخططات قابلة للتنفيذ.
قال أبو شعبان: "المشروع يضع حلولاً للمشاكل المرورية ومواقف السيارات ومكب النفايات، حيث يتم العمل حالياً من خلال تدخلات أخرى قدمها مشروع ICUD كتصميم منتزه البلدية الرئيسي، وتوريد وتركيب ألواح طاقة شمسية لتزويد مركز رشاد الشوا الثقافي بالطاقة كمبادرة لتسويق أهمية استخدام مصادر الطاقة البديلة والتخفيف من المصاريف التي تتكبدها المباني العامة".
ويذكر أن مركز مدينة غزة يعاني من عدة مشاكل أبرزها: الإزدحام المروري أمام المحلات التجارية والتقاطعات الرئيسية، ونقص في عدد مواقف السيارات، والتلوث البيئي الناجم عن حرق المخلفات الطبية بجانب مستشفى الشفاء والمتكدسة في المكب المؤقت للنفابات وسط المدينة، وانقطاع التيار الكهربائي عن مركز رشاد الشوا الثقافي ومنتزه البلدية الرئيسي، والتلوث البصري بفعل اليافطات العشوائية وكوابل الكهرباء.
"داخل مركز المدينة: أزمة مرورية خانقة وحرق للنفايات الطبية، وتلوث بصري"
"مركز المدينة يحتاج إلى تخطيط ووضع حلول فاعلة يتم تنفيذها وفق النمط الحديث مع الحفاظ على عراقة المكان وتاريخيه وبتكلفة تشغيل وصيانة غير مرتفعة وتتناسب مع البيئة الموجودة". هذا ما أكده رئيس قسم التخطيط في بلدية غزة، م. مهند الصفدي.
فيما توقّع الصفدي بأن تساهم الدراسة في تقديم الحلول والمقترحات القابلة للتنفيذ على أرض الواقع والتي تهدف إلى النهوض وتطوير المنطقتين (التاريخية والتجارية) لمركز مدينة غزة، وترجمتها إلى مخططات ومشاريع نافذة وملموسة.
وقال الصفدي: "نتوقع ايجاد حلول للأزمة المرورية ونقص مواقف السيارات في المنطقتين التاريخية والتجارية، والمشاكل البيئية الناجمة عن حرق النفايات والفخار بجانب المناطق السكنية المزدحمة ونقص الحاويات، خاصة وأن محطة ترحيل النفايات تتمركز في قلب المنطقة التجارية وبها إهدار لقيمة الأرض وتوسيع دائرة التلوث".
فيما نوه إلى أهمية توحيد نمط البناء العمراني في مركز المدينة لما يتسبب في إحداث تلوث بصري، ووضع آلية توزيع مناسبة لليافطات الإعلانية فوق أسطح البنايات والشوارع حيث تنتشر بشكل عشوائي غير منظم، وتنظيم توزيع التمديدات الكهربائية الهوائية في الشوارع والأزقة.
وأضاف: "منتزه البلدية ومركز رشاد الشوا لا يعملان ليلاً، حيث أن انقطاع الكهرباء يتسبب في إغلاق المحلات التجارية وبذلك تصبح المنطقة ليلاً مهجورة و شبه خالية من السكان"، مشيرًا أن بلدية غزة عملت على تحسين بعض المشاكل العالقة في مركز المدينة ضمن إمكانياتها المحدودة، فيما يقع على عاتق المواطنين أيضاً مسوؤلية اتباع سلوكيات خاطئة كـ إتلاف أو الاستيلاء على الحاويات الصغيرة التي تضعها البلدية. كما يتوجب عليهم تطوير رؤيتهم تجاه تحسين نمط البناء العمراني.
وقال: "بعض المناطق الخضراء لم يتم تأهيلها لافتقار البلديات للإمكانات المطلوبة، فمثلاً حديقة الجندي المجهول لا تعمل وفق نمط حديث ومتقدم وتقتصر فقط على وجود ساحة واسعة وأشجار دون وجود مرافق لجذب الزوار".
"المدينة تفتقر للتخطيط المنظم والشامل ...ومكب للنفايات منذ أكثر من 20 عامًا"
أكد رئيس بلدية غزة، د. يحيى السراج، أهمية وضع رؤية منظمة وشاملة ومتكاملة لتطوير مركز مدينة غزة، خاصة وأن المدينة ومنذ سنوات تفتقر لأي جسم تخطيطي منظم يضمن معالجة شاملة لكل مشاكلها. مشيراً بأن بلدية غزة قد بذلت جهوداً ذاتية من أجل تطوير مركز المدينة إلا أن بعض من المخططين والمصممين عملوا بشكل منفصل وغير مخطط مما فاقم الأزمة فيه.
وقال إن "الأوضاع السياسية والتقلبات الاقتصادية لعبت دورًا في تفاقم الأزمة في مركز المدينة، بجانب التفكير العشوائي الفردي في البناء بمعزل عن وجود نمط معتمد تفرضه البلدية وهو يحدد طبيعة وشكل المبنى".
وأوضح أهم المشاكل التي يعاني منها مركز المدينة قائلًا: "لدينا أزمة مرورية خانقة ونقص في مواقف السيارات، وقد وضعنا حلولاً موضعية لها إلا أننا لم ننجح بالشكل المطلوب، كما أن بعض التدخلات الجديدة ساهمت في تشويه شكل الطرق وواجهة المباني القديمة التي يعود جذورها لأكثر من 100 عام، غير أن مالكي المباني يفتقرون للوعي الكافي للحفاظ عليها لأهميتها التراثية والحضارية، كما أن السوق يحتاج إلى تحسين الإنارة فيه".
وبالحديث عن مكب النفايات المؤقت المتواجد في مركز المدينة منذ قرابة 20 عامًا، بين السراج بأن بلدية غزة قد وضعت مخططًا للتخلص منه ومن آثاره السلبية على البيئة إلا أن الأمر يتطلب تكلفة مرتفعة. قائلاً: يتطلب تطوير وزيادة أعداد المركبات الناقلة للنفايات والتي لا يقل عمرها عن 30 عامًا، حيث لا تستطيع الوصول إلى مكب النفايات الرئيسي الواقع شرق مدينة غزة".
كما أوضح بأن مطالبات كثيرة تصب في إحداث نهضة شاملة ومكانية في السوق التاريخي "الزاوية" بتوفير مظلات تقي التجار من أشعة الشمس وأمطار الشتاء وتخلق أجواءً جمالية للمكان بالحفاظ على عراقته وتاريخه، وتحسين واجهات المباني وإعادة تأهيل ورصف الطريق الرئيسي المتهالك والأرصفة المشوهة والتي لا تُعبر عن عتاقة وعراقة المكان وجماله.
وعن التحركات والتدخلات الخارجية لتحسين الواقع في مركز المدينة، أوضح السراج بأنه يجري حاليًا تنفيذ مشروع من أحد المانحين بتطوير "سوق القيسارية" التاريخي ويُعرف بـ "سوق الذهب" حيث سيتم معالجة بعض الوظائف الحديثة فيه مثل مياه الصرف الصحي والأمطار، إلا أن إعادة تأهيله بشكل كامل يحتاج إلى إمكانيات ودعم كبير.
وقال: "من الضروري الآن وضع مخطط ونمط تصميمي يتناسب مع أهمية المكان ومن ثم يتم تدريجيًا إلزام المواطنين به، ومن ثم نتعاون للبحث عن مصادر للتمويل".
20 مليون دولار خسائر في البنية التحتية بفعل العدوان الأخير
وتعرضت البنية التحتية الحضرية خلال العدوان الأخير على قطاع غزة في الفترة الواقعة بين 10-19 أيار الماضي إلى عدة أضرار كبيرة حيث تضرر: 67 شارعًا بشكل كلي وبمساحة إجمالية تقدّر بـ 120,000 متر مربع، و ما يقارب 6220 متر من خطوط شبكة المياه الصالحة للشرب، وقرابة 105,00 متر من أنابيب شبكة الصرف الصحي تضررت بشكل كامل، بجانب تدمير 310 متر من خطوط تصريف مياه الأمطار، وتلف جزئي في محطتين لمعالجة المياه العادمة.
وكان العدوان قد طال مدينة غزة وتحديدًا منطقة الرمال واستهدف المباني القابعة في البلدة القديمة وترك تصدعات كبيرة في معظمها حيث أصبحت غير آمنة وغير صالحة للسكن ما اضطر لهدمها. كما تأثرت وبشكل مباشر خطوط المياه والصرف الصحي وشبكات الاتصال والكهرباء.
وبدوره، أكد رئيس بلدية غزة د. يحيى السراج بأن العدوان الأخير كان الأعمق من حيث التأثير حيث ترك خسائر في البنية التحتية تقدّر بـ 20 مليون دولار، مشيرًا أن العدوان قد فاقم الأزمة في مركز مدينة غزة وبفعل القذائف الارتجاجية التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي في استهداف مناطق مهمة، حيث لم يتم حتى اللحظة رصد الدمار بشكل شامل.
وقال: "قمنا بعملية صيانة جزئية ولكننا لاحظنا نشوب مشاكل جانبية أخرى في البنى التحتية، حيث أن الأنابيب المتواجدة تحت الأرض معظمها قديمة وقد تشققت بفعل القصف، كما تسربت مياه الصرف الصحي إلى البحر، ورغم محاولاتنا إلا أن اعادة تأهيل المنطقة يحتاج إلى أموال ومعدات وهذا غير متوفر حالياً".