أزمة المالية العامة.. تضخيم أم واقع؟

تاريخ النشر
مبنى وزارة المالية في رام الله

رام الله-الحياة الجديدة- تفيد مصادر متطابقة بأن العائدات الضريبية الفلسطينية، تعرضت لمزيد من القرصنة من حكومة الاحتلال، التي اقتطعت الشهر الماضي 100 مليون شيقل، بذريعة استمرار الحكومة الفلسطينية دفع مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء، وأدى ذلك إلى تأخير صرف رواتب الموظفين العموميين مدنيين وعسكريين عن شهر تموز الماضي.

ومنذ عام 2019، وبموجب قانون أقره الكنيست الإسرائيلي إبان إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، دأب الاحتلال الإسرائيلي على اقتطاع مبلغ 51 مليون شيقل من المقاصة، إلا أنه ضاعف المبلغ الذي يتعرض للقرصنة بعد مصادقة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينيت"، بتاريخ 11 تموز 2021، على اقتطاع 597 مليون شيقل من الأموال الفلسطينية.

وجاء القرار الجديد القديم بعد تقرير قدّمه وزير جيش الاحتلال بيني غانتس عن الأموال التي تحوّلها السلطة تحت بند الرواتب لعائلات الأسرى والشهداء، تطبيقًا للقانون الذي أقرّه الكنيست وسمّاه "قانون مكافحة الإرهاب".

ورغم محاولات الابتزاز الإسرائيلية المتكررة، والضغوط الدولية لوقف صرف المخصصات، بقي الموقف المبدئي الفلسطيني ثابتًا دون أي تغيير ومن أعلى الهرم في النظام السياسي، إذ صرّح الرئيس محمود عباس غير مرة أن مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء لن تمس، وإنه "لو بقي لدينا قرش واحد فقط فسنصرفه على الأسرى وعائلات الشهداء".

ويتناقض قرار حكومة نفتالي بينت الاحتلالية بقرصنة مبلغ مضاعف من المقاصة، مع محاولاتها خداع المجتمع الدولي من خلال الادعاء بتقديم تسهيلات للجانب الفلسطيني ومن ذلك منح 15 ألف عامل فلسطيني تصاريح للعمل في قطاع الإنشاءات الإسرائيلي، إذ تؤكد المعلومات المتاحة أن القرار جاء بشكل أساسي بسبب أزمة السكن وارتفاع أسعار الشقق في إسرائيل.

ضغوط متزامنة

وبالتزامن مع الابتزاز الإسرائيلي، وزيادة الاقتطاع من أموال المقاصة، تتضاعف الضغوط على الموازنة الفلسطينية، مع استمرار التوقف شبه التام في المساعدات الدولية المقدّمة للحكومة الفلسطينية، والحقيقة أن المساعدات بدأت تتقلص بشكل ملحوظ منذ عام 2013، إلا أن العام الجاري شهد غيابًا للمساعدات والمنح الدولية بشكل لم يسبق له مثيل منذ قرابة عقدين، وأفاد تقرير سلطة النقد الفلسطينية حول "تطورات مالية الحكومة"، أن "الحكومة الفلسطينية لم تتلق خلال الربع الأول من العام الجاري أية منح أو مساعدات خارجية، باستثناء مبلغ بسيط جدًا، كان عبارة عن 35.3 مليون شيقل لدعم مشاريع تطويرية".

ووفقًا للتقرير ذاته فإن أموال المقاصة، غطت خلال الربع الأول ما نسبته 56% من النفقات المستحقة، و116% من فاتورة الرواتب والأجور المستحقة.

وبدا لافتًا أن المساعدات المعتادة لفلسطين متوقفة من دول عربية كان الدعم الذي تقدمه تقليدًا ثابتًا في سياستها الخارجية، في حين ترددت أنباء عن أن الاتحاد الأوروبي وهو أكبر شريك سياسي لفلسطيني والداعم الأكثر سخاء لها سيستأنف مساعداته اعتبارًا من الشهر المقبل.

وكان مجلس الوزراء أقرّ في 29 آذار 2021 الموازنة العامة للسنة المالية 2021، وسط توقعات بفجوة عجز تصل إلى حوالي مليار دولار، وبلغ إجمالي صافي الإيرادات المتوقعة لعام 2021 حوالي 3.9 مليار دولار بزيادة 12.5% عن العام السابق، في حين بلغ إجمالي النفقات 5.6 مليار دولار لعام 2021 بزيادة قدرها 9.9% عن مجمل الإنفاق في عام 2020 والبالغ 5.1 مليار دولار.

غير أن الحكومة الفلسطينية نجحت خلال النصف الأول من العام بتقليص العجز المتوقع بشكل طفيف، وبلغ 470 مليون شيقل، وكان سدّ النسبة الأكبر منه من خلال الاقتراض المصرفي، وهو ما أدى الى زيادة مديونية الحكومة للبنوك الى 2.3 مليار دولار.

كما أن الحكومة الفلسطينية، وبناءً على القرار السياسي، وجدت نفسها مضطرة لتأخير سداد بعض مستحقات القطاع الخاص، ومنح الأولوية لصرف الرواتب وأشباه الرواتب كاملة، على اعتبار أنها تمثّل أكبر شبكة حماية اجتماعية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر.

وارتفع اجمالي الدين العام ومتأخرات القطاع الخاص –بحسب تقرير سلطة النقد- إلى قرابة 30 مليار شيقل.

ما العمل؟

ويرى الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم أن الحاجة باتت ملحة لمعالجة التهرب الضريبي والتجنب الضريبي، بما في ذلك وقف مؤقت لقانون تشجيع الاستثمار الذي يمنح بعض الامتيازات الضريبية لشركات كبرى لمدة عام أو عامين، بهدف سد العجز في الموازنة، لافتًا إلى أن معالجة التهرب الضريبي من شأنه أن يقلّص عجز الموازنة العامة إلى قرابة النصف.

وبرأي عبد الكريم فإن البنوك الفلسطينية تمتلك ملاءة من السيولة، ومن شأنها أن تستمر بإقراض الحكومة الفلسطينية بذات الوتيرة وحتى نهاية العام، وقال: "لدى البنوك فائض من السيولة بعملة الشيقل، وهي تبحث عن مقترضين جيدين، وأبرزهم الحكومة".