الأسرى.. ورقة إسرائيلية للضغط ماليًا على السلطة الفلسطينية

تاريخ النشر
أوراق نقدية من عملة الشيقل-تصوير وكالات

رام الله-(الأناضول)- بقرارها اقتطاع 597 مليون شيقل (182 مليون دولار) من عائدات الضرائب الفلسطينية، الأحد، تنقل الحكومة الإسرائيلية حربها على عوائل الشهداء والأسرى إلى مرحلة جديدة، وسط تفاقم الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية.

مصادقة المجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنية في الحكومة الإسرائيلية "الكابينيت" على اقتطاع المبلغ الجديد، هو التمديد الثالث لقرار بدأت حكومة الاحتلال تنفيذه في 2019، استنادا إلى قانون أقره البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" في 2018.

القانون يلزم الحكومة الإسرائيلية باقتطاع مبلغ من عائدات الضرائب الفلسطينية (المقاصة)، يوازي ما تدفعه الحكومة الفلسطينية من مخصصات لعوائل الشهداء والجرحى والأسرى، بحجة أن هذه المبالغ تذهب "لتمويل الإرهاب".

تحت هذا القانون، بلغ إجمالي الأموال التي يقول الفلسطينيون إن إسرائيل "سرقتها" من عائداتهم الضريبية، حوالي 850 مليون شيقل (حوالي 262 مليون دولار) منذ 2019.

** بداية القصة

القصة بدأت في 2004، بدعاوى رفعها بالولايات المتحدة مئات الإسرائيليون من حملة الجنسية الأمريكية قتل أبناؤهم في هجمات فلسطينية بين عامي 2001 و2004، ضد السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير والبنك العربي، بحجة "تمويل الإرهاب".

وأسقطت القضايا ضد السلطة والمنظمة بطلب من وزارة الخارجية الأمريكية كون هذه القضايا "تضر بعملية السلام".

لكن القضايا ضد البنك العربي بقيت مستمرة، وتجاوز حجم المطالبات فيها حوالي ملياري دولار، إلى أن تم الاتفاق في 2015 على تسوية رضائية مقابل إسقاطها، وهو ما تم فعلا في 2018.

حتى الآن، لم يعلن البنك العربي عن حجم مبلغ التسوية، لكن مصادر قريبة من البنك قالت في حينه أنه اضطر لدفع مبلغ بين 300 -400 مليون دولار.

** سطو بقانون

في 2 يوليو/تموز 2018، أقر البرلمان الإسرائيلي مشروع قانون تقدمت به أحزاب اليمين بقيادة الليكود، الذي يرأسه رئيس الوزراء في حينه بنيامين نتنياهو، يلزم الحكومة باقتطاع مبالغ من المقاصة الفلسطينية توازي ما تدفعه السلطة الفلسطينية لعوائل الشهداء والجرحى والأسرى.

ترك الكنيست تحديد كيفية التنفيذ وتوقيته وتقدير المبالغ للحكومة، التي كلفت بدورها وزير الجيش إعداد تقارير لتحديد المبالغ التي يتوجب اقتطاعها.

ومنذ ذلك الحين قدم وزير الجيش للحكومة ثلاثة تقارير عن هذه المدفوعات، كان آخرها يوم الأحد، قدّر فيها المبالغ التي صرفتها السلطة للأسرى وعائلات الشهداء والجرحى عن العام 2020.

وبدأ تطبيق القانون اعتبارا من مطلع 2019، بخصومات شهرية من المقاصة بحوالي 52 مليون شيقل (حوالي 16 مليون دولار)، لكنها توقفت عن الخصم لأشهر في 2020، بقرار من وزير الجيش وتوصيات من أجهزة الأمن، خشية انهيار السلطة الفلسطينية تحت ضغط تداعيات جائحة كورونا.

في المحصلة، تقول وزارة المالية الفلسطينية إن إجمالي الاقتطاعات الإسرائيلية من عائداتها الضريبية بلغ حوالي 850 مليون شيقل (262 مليون دولار)، منذ بدء تطبيق القانون مطلع 2019.

** اقتطاعات بالمليارات

المبلغ يضاف إلى مبالغ ضخمة دأبت الحكومة الإسرائيلية على اقتطاعها من أموال المقاصة الفلسطينية منذ نحو 15 عاما، بحجة تسديد أثمان خدمات تقدمها شركات ومؤسسات إسرائيلية للفلسطينيين، كالكهرباء، والصرف الصحي، وخدمات طبية.

وتقول وزارة المالية الفلسطينية إن إجمالي هذه الاقتطاعات بلغ حوالي 10 مليارات دولار على مدى الـ 14 عاما الماضية.

** ملاحقة مستمرة للبنوك

حرب إسرائيل على عوائل الشهداء والجرحى والأسرى لم تقتصر على السلطة الفلسطينية، وإنما توسعت لتطال البنوك العاملة في فلسطين.

على مدى العقدين الماضيين، نفذت قوات الاحتلال عدة اقتحامات لمقرات بنوك في رام الله، كانت في كل مرة تصادر أية مبالغ في حسابات أفراد أو جمعيات تتهمها بـ"تمويل الإرهاب".

وفي 2020، أبلغت سلطات الاحتلال البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية بإغلاق حسابات الأسرى وعوائل الشهداء والجرحى، والتي تصرف الحكومة مخصصاتهم من خلالها، وأعطت مهلة حتى بداية العام 2021.

وبالفعل، قامت البنوك بإقفال حوالي 40 ألف حساب لديها تعود لهذه العوائل، خشية رفع دعاوى قضائية ضدها، سواء أمام المحاكم الإسرائيلية أو في دول أخرى، خصوصا الولايات المتحدة، التي تضم البنوك المراسلة للبنوك الفلسطينية.

وإثر ذلك، بدأت السلطة الفلسطينية بصرف هذه المخصصات عبر بنك البريد، بعيدا عن البنوك.

** مانحون يوقفون مساعداتهم

تداعيات تطبيق القانون الإسرائيلي ضد عوائل الشهداء والجرحى والأسرى لم يقتصر على فقدان السلطة الفلسطينية مبالغ إضافية من المقاصة، وإنما أيضا بعض المدفوعات من الدول المانحة.

فعلى سبيل المثال، أوقفت أستراليا منذ يوليو/تموز 2018، منحة سنوية للسلطة الفلسطينية بمقدار 10 ملايين دولار بحجة "تمويل الإرهاب".

لكن الأثر الأقسى على السلطة الفلسطينية جاء بقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بوقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية، تدريجيا بدءا من 2017، إلى أن أوقفها تماما في 2018.

وقبل وقفها، كان معدل المساعدات الأمريكية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك للخزينة وتمويل المشاريع ووكالة "أونروا"، حوالي نصف مليار دولار سنويا، وبلغت في بعض السنوات أكثر من 700 مليون دولار.