رام الله-(وفا)- إطار سياسي واضح، وملكية فلسطينية بحتة، وشفافية، ثلاثة مبادئ رئيسية لـ"خارطة طريق" إعادة إعمار قطاع غزة، سلمتها الحكومة للرئيس محمود عباس، الأسبوع الماضي.
حتى بدء الحرب الأخيرة على قطاع غزة في 10 أيار/مايو الحالي، كانت عملية إعمار القطاع من آثار متراكمة لثلاثة حروب سبقتها، في 2008 و2012 و2014، لم تنته بعد، بل لم تتجاوز نسبة الإنجاز فيها 50%.
وخلال الفترة ايضًا (منذ سيطرة حماس على القطاع في 2007)، ضخت الحكومة الفلسطينية في القطاع ما يزيد عن 17 مليار دولار، تضاف إلى مليارات من المانحين، جميعها ذهبت أدراج الرياح جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتوصلة، وجولات الحرب التدميرية المتكررة.
"عملية الإعمار يجب أن تكون مرتبطة بإطار سياسي لضمان عدم تكرار ما حدث من دمار في قطاع غزة"، قال اسطفان سلامة، مستشار رئيس الوزراء لشؤون التخطيط وتنسيق المساعدات.
وأضاف: هذه ليست المرة الأولى لتعامل الحكومة مع إعادة إعمار غزة، فقد سبقتها أوضاع مماثلة عقب حروب 2008 و2012 و2014، وإن كان من درس يستفاد من هذه السوابق، فهو بالتأكيد أن وضع الأساس لعدم تكرارها، وهذا لن يتحقق إلا إذا كانت عملية الإعمار ضمن إطار سياسي واضح.
وشكّل هذا الإطار السياسي، بحسب سلامة، أول وأهم المبادئ التي حددتها الحكومة في خطتها لإعمار القطاع.
وقال "دون عملية سياسية حقيقية وإطار زمني، ومرجعية محددة، فإن ما نقوم به يفتقر إلى الاستدامة".
المبدأ الثاني لـ"خارطة طريق" الحكومة لإعادة إعمار قطاع غزة، "أن تكون ذات ملكية فلسطينية، إذ يجب أن تتم العملية من خلال الحكومة، بدءًا من حصر الأضرار، مرورًا بتحديد الأولويات، وانتهاءً بالتنفيذ، وذلك بالتعاون مع جميع الشركاء في غزة وخارجها، من قطاع خاص ومنظمات حكومية وغير حكومية، محلية ودولية"، قال سلامة.
وأضاف "هناك العديد من الشركاء المحليين والدوليين، وهناك اهتمام دولي كبير هذه المرة بإعادة الإعمار. نريدها عملية موحّدة وشفافة، وهذا هو المبدأ الثالث الذي استندت إليه خارطة الطريق التي وضعتها الحكومة".
هيكيلة الإدارة
عقب حرب 2014، شكّلت الحكومة فريقًا وطنيًا لإعادة إعمار القطاع، مرجعيته مكتب رئيس الوزراء، ويضم الجهات الحكومية ذات العلاقة، وجميعه موجود في القطاع، وعمل على الأرض مع كل الجهات الرشيدة من بلديات ومنظمات حكومية وغير حكومية، محلية ودولية.
وقال سلامة "بقرار من مجلس الوزراء، أعيد تفعيل الفريق الوطني، وإضافة إلى المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، سيشمل ممثلين عن منظمات من المجتمع المدني والقطاع الخاص، ومهمته مسح الأضرار، ووضع خطة عمل، ومتابعة المانحين".
ثلاث مراحل
خطة الحكومة تقسم عملية إعمار القطاع إلى ثلاثة مراحل/أولويات، أولها إغاثة إنسانية، "وهذه المرحلة بدأت بالفعل من خلال جمعية الهلال الأحمر والأمم المتحدة ومنظمات أهلية، بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية الفلسطينية"، قال سلامة.
وأضاف "نحن معنيون بأن يسير العمل بهذه المرحلة بسرعة، والحكومة تدعمها بشكل مطلق، ونأمل أن لا يتجاوز مداها الزمني نهاية هذا العام".
في إطار هذه المرحلة، سيّرت الحكومة أولى قوافل المساعدات الإغاثية، وتشمل على نحو خاص إمدادات طبية، إضافة إلى إرسال وفد طبي بتخصصات مختلفة، برئاسة وزيرة الصحة مي الكيلة، إلى القطاع، تزامنًا مع دخول مساعدات دولية من مصر وقطر ودول أخرى، بتنسيق مع الحكومة الفلسطينية.
أما المرحلة الثانية، فتتمثل بإعادة إعمار كل ما دمره القصف الإسرائيلي، من منازل ومبانٍ ومرافق ومؤسسات وشركات وبنى تحتية، وبحسب سلامة، ستبدأ فور الانتهاء من مسح الأضرار وتحديد سلم الأولويات.
والمرحلة الثالثة هي إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد، وستنفذ بالتوازي مع عملية إعادة الإعمار، وأهم عناصرها دعم القطاع الخاص، على شكل مساعدات للشركات المتضررة.
وقال سلامة "عملية المسح بدأت بالفعل، ونأمل أن تنتهي في غضون ثلاثة أسابيع، لتبدأ عملية إعادة الإعمار وإطلاق عجلة الاقتصاد من جديد خلال ثلاثة أشهر".
حشد الأموال
فور انتهاء العدوان، وحتى خلاله، بادرت الحكومة الفلسطينية إلى تشكيل تجمع من المانحين والمؤسسات الدولية، بهدف حشد الأموال لإعادة إعمار غزة.
وقال سلامة "لدينا مجموعة مانحين أساسيين، نعمل من خلالها على حشد الدعم، تشمل الدول التي أعلنت بالفعل عن التزامات، ودول أخرى لديها نوايا بالمساهمة".
وتشمل المجموعة: الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والنرويج، وبريطانيا، وست منظمات تابعة للأمم المتحدة، ومصر، وقطر، والبنك الدولي، وقال سلامة إن العمل جار لتوسيعها لتشمل دولا ومنظمات دولية أخرى.
وأضاف "عقدت المجموعة لقاءين حتى الآن، ونرتب لاجتماع موسّع في حزيران المقبل، برئاسة رئيس الوزراء محمد اشتية، بهدف الاتفاق على آلية واحدة وموحّدة لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة عن طريق الحكومة الفلسطينية".
واستدرك قائلا "حيثما يتعذر ذلك، ربما لأسباب قانونية تتعلق بتشريعات الدول المانحة، هناك آليات أخرى كآلية الاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، والأمم المتحدة.
آلية الأمم المتحدة عقبة
عقب حرب 2014، شكّلت الأمم المتحدة آلية لدخول المساعدات من مستلزمات إعادة الإعمار، وهي تخضع لتحكّم كامل من قبل إسرائيل، سواء على المواد التي تدخل إلى القطاع، أو على الشركات والجهات المنفذة للأعمال.
وقال سلامة "آلية الأمم المتحدة المتبعة أصبحت عقبة في طريق إعادة الإعمار، فهي آلية عقيمة ولا فائدة منها، وتعيق العملية، ونحن نطالب بإلغائها وبناء آلية جديدة مرنة وسهلة".
تفاهم بين جميع الأطراف
لكن، ما المختلف هذه المرة؟ وما الضامن لأن تسير عملية إعادة الإعمار بسلاسة ومصداقية، أو على الأقل بشكل أفضل من السابق؟
حتى الآن، ما زالت مئات العائلات في قطاع غزة تنتظر إعادة بناء منازلها التي تهدمت خلال الحروب الثلاثة الماضية، وأضيف إليها في الحرب الأخيرة نحو 17 ألف منزل دمرت كليًا أو جزئيًا.
وقال سلامة "حتى نضمن أن تسير هذه المرة بشكل مختلف، ووفق جدول زمني لا يزيد عن ثلاث سنوات، حرصنا على أن يكون الإطار السياسي أهم مبادئ خارطة الطريق التي وضعناها لإعادة الإعمار، إضافة إلى تغيير آليات التنفيذ وإدخال المواد، ووضع هيكلية كفؤة لإدارة العملية".
وأضاف "نلمس تفكيرًا مختلفًا لدى جميع الأطراف هذه المرة: الحكومة، والمجتمع الدولي، وأيضًا حركة حماس، فالكل مدرك لضرورة التعامل مع العملية هذه المرة بشكل مختلف حتى تسير عملية الإعمار إلى نهايتها".
على صعيد حماس، قال سلامة "أعتقد أن هناك نوعًا من التفهم والقبول لديها، واحترام دور الحكومة في هذه المهمة".
وعلى صعيد المانحين، قال "إنهم يبحثون عن تغيير في آلية جديدة للتعامل مع غزة. هذا لا يعني بالضرورة التعامل مع حماس، لأسباب بعضها يتعلق بالقوانين المتبعة في بعض الدول، وهذا أيضًا أحد الدواعي المهمة لأن يكون هناك إطار سياسي للعملية".
بالإجمال، قال سلامة "هناك العديد من النقاط المشتركة بين جميع الأطراف لإطلاق عملية إعادة الإعمار، ربما تتأخر قليلا، حيث تناقش الأطراف الإطار السياسي لهذه العملية".
ضغوط على إسرائيل
وقال سلامة إن الحكومة تدرك أن إسرائيل هي الطرف الأكثر تحكمًا وقدرة على التعطيل، لجهة تسهيل أو إعاقة عملية إعادة الإعمار، حيث تسيطر على حدود القطاع وجميع المعابر المؤدية إليه.
وأضاف "نسمع من أطراف دولية بأن لديهم حديث جدّي مع الإسرائيليين، لكن واضح أن هناك اختلافات في وجهات النظر".
وتابع مؤكدًا أن "هناك اتفاقًا على تغيير آلية ومنهجية العمل، لكن التفاصيل ما زالت بحاجة إلى مزيد من الجهد".