طوباس- (وفا)- على طول عقدين من الزمن، تسير حياة أحمد ضبابات في العشرينيات من عمره، بشكل ثابت إلى حد كبير بالانغماس في مجال الزراعة، باعتبارها المهنة الأساسية في حياته.
فإلى الشرق من طوباس، حيث السهول الممتدة على طول الشريط الشرقي الغائر للضفة الغربية، يمكن لمئات الأيدي العاملة أن تؤمن لها مصدر دخل لتوفير حياة مستقرة لها.
والأغوار الشمالية واحدة من أكثر المناطق الفلسطينية وفرة بالزراعة المروية والتي تمتد على آلاف الدونمات، ومثلها آلاف الدونمات من الأراضي الرعوية التي تشكل بيئة للعمل فيها، وتحتاج هذه الأراضي الأيدي العاملة لاستمرار الإنتاج اليومي من شتى أنواع الخضروات، وكثير من أنواع الفاكهة، التي تغذي أسواق الضفة الغربية، وترجمة الفعل الحقيقي للعمل في مجال رعي الماشية.
"حياة مبنية على العمل المستمر" يقول ضبابات.
كانت عائلة ضبابات تشد رحالها نهاية حزيران من الأغوار الشمالية إلى طوباس بعد انتهاء الموسم الزراعي لها، لكن أصبحت العائلة في السنوات الأخيرة تمكث لما بعد ذلك بقليل في منطقة تشتعل فيها معركة صامتة للبقاء فيها.
قال الشاب: "العمل هنا جهاد وكفاح، في الوقت الذي نغادر الأغوار فيه، تظل الفرصة مواتية للمستوطنين لاستباحة المزيد من الأراضي".
ويتخوف الفلسطينيون فعليا من تغيير للأمر الواقع في الأغوار عندما تعود بعض العائلات إلى طوباس للمصيف فيها، هربا من الطقس الحار.
وعائلة ضبابات واحدة من عدة عائلات تغادر الأغوار الشمالية صيفا متجهة نحو طوباس، بسبب الحرارة المرتفعة في صيف المنطقة، وتعمل العائلة في مجال الزراعة المروية في الأغوار الشمالية، منذ أكثر من عقدين
لكن هناك من يظل في المنطقة، فبين عدة معسكرات تدريب للجيش الإسرائيلي التي أقامها بعد عام 1967، يقيم برهان بشارات في خلة مكحول منذ مطلع الألفية الحالية، وهي واحدة من مناطق الأغوار الشمالية التي سجل فيها خلال السنوات اعتداءات موثقة للمستوطنين.
يقول بشارات: "أعمل في مهنة الرعي منذ صغري، وأظل في المنطقة طوال السنة'.
وتبدو مكحول في الشتاء لوحة مطلية بألوان خضراء في منظر يأسر ألباب الناظرين إليها، وفي الصيف تأخذ اللون الذهبي بسبب القش اليابس، وبشارات واحد من عدة رعاة ماشية فلسطينيين يستغلون الأمر للرعي.
ويضيف بشارات "مهنتي صعبة، كلنا يدرك أن مغادرة المنطقة للعمل في مجال آخر يعني ضياع الأغوار".
فميا يؤكد الناشط الحقوقي عارف دراغمة: "وفرة الأيدي العاملة في الأغوار يعني تثبيت الوجود الفلسطيني في المنطقة، وإغلاق الباب أمام غول الاستيطان بالتمدد فيها". ويشير دراغمة وهو مطلع عن كثب عما يجري بالأغوار: "كل من يسكن الأغوار من طبقة العمال، بسبب طبيعة تضاريسها".
وحول حالات الاعتداء التي قام بها الاحتلال ومستوطنوه بحق العمال الفلسطينيين خلال السنوات الماضية. "لا أرقام ثابتة عن حالات الاعتداء على الطبقة العاملة بالأغوار، فبشكل شبه يومي تسجل حالات اعتداء على العمال سواء بشكل مباشر أو غير مباشر". قال دراغمة.
ويؤكد دراغمة أن المستوطنين اعتدوا خلال السنوات الماضية عشرات المرات على رعاة فلسطينيين أثناء رعيهم المواشي. ويضيف: الاحتلال يعتدي على العمال بشكل غير مباشر من خلال ملاحقة مصادر رزقهم، كما حدث قبل أيام حينما أخطر الاحتلال بإزالة عدد من بسطات الخضار المقامة على بعد أمتار من الشارع الرئيس".
ووصف ذلك بقوله: "يسحقون طبقة العمال بصمت قاتل".
في عام 2003 انتقل بشارات مع عائلته من منطقة "الرواق" نحو "مكحول"، بعد أن ضاقت بهم الحياة في تلك المنطقة لأسباب طبيعية، ومنذ ذلك الوقت بدأ بشارات يلاقي المتاعب في مهنته.
ويقول بشارات: "شبه يوميا نواجه متاعب في العمل، لقد بدأ الاحتلال التنغيص علينا عملنا".
كانت الحياة في "الرواق" آمنة، ولم يُذكر أن واجه بشارات أية مشاكل في عمله، لكن عندما انتقل إلى "مكحول" وجد نفسه بين قبضة المستوطنات والمعسكرات الإسرائيلية. قائلا: "عملنا اليوم أبسط ما يوصف في كماشة؛ تغول المستوطنين وانتهاكات الاحتلال".