لندن-(الاقتصادية)-من منا لم يحلم يوما ما أن ينضم لنادي المليونيرات، حتى أفرط البعض في هذا الحلم. على أي حال تلك الأحلام مشروعه أخلاقيا، وإن كان الواقع يبقيها لمعظم الناس في أغلب الأحيان في خانة الأحلام فقط.
المليارديرات يختلفون عن أصحاب الرواتب الثابتة الأبناء الشرعيين للطبقة المتوسطة، ولكن بعيدا عن ضربات الحظ أو قصص من قبيل وفاة عمك الملياردير المقيم في البرازيل أو إفريقيا وأنت لا تعرف من الأساس إن كان لك عم هناك، دون أن يكون له من وريث غيرك فتتحول في غمضة عين من أحد أبناء الطبقة المتوسطة الكادحة إلى أصحاب الثروات الضخمة.
بعيدا عن هذا كله، فالأهم أن المليارديرات لا يختلفون عن غيرهم في الطبقات الأخرى فقط بل يختلفون أيضا عن بعضهم بعضا، وتحديدا في الطريقة التي بفضلها باتوا مليارديرات.
ينقسم أغلب هؤلاء الأثرياء إلى قسمين أو فئتين كلتاهما بالطبع شديدة الثراء، ولكن فئة حققت الثراء عبر الابتكار من أمثال جيف بيزوس من أمازون وإيلون ماسك من تسلا وبيل جيت من مايكرسوفت ولاري بيدج وسيرجي برين من جوجل ومارك زوكربيرج من فيسبوك.
والإشارة هنا إلى أغنى عشرة مليارديرات في الولايات المتحدة ينتمون إلى تلك الفئة، وهؤلاء الأثرياء جمعوا ثرواتهم من الارتفاع المذهل في تقييمات أسهم شركاتهم. فعلى سبيل المثال قيمة مايكروسوفت وجوجل أعلى من أكبر 30 شركة في ألمانيا مجتمعين، وألمانيا أكبر الاقتصادات الأوروبية، فهؤلاء الأثرياء يطلق عليهم في الأغلب اسم "أصحاب الأموال الجديدة".
على النقيض من تلك الفئة هناك فئة أخرى وهم المليارديرات الورثة، ليس هناك ما يدينها بتاتا أو ينتقص منهم أو من ثرائهم ولكن الاقتصاديين يفضلون أن يصفوهم باسم "أصحاب الأموال القديمة".
أثرياء القارة الأوروبية في الأغلب من النوع الثاني، ينتمون إلى قارة صناعية استعمرت العالم لعشرات الأعوام، ونزحت الكثير من ثروات البلدان المستعمرة إلى أسر محددة فيها، توارثها الأجيال ونجحوا في تنميتها عبر مزيد من الممتلكات العقارية والتجارية.
من جهته، يقول لـ"الاقتصادية" وليام جورج الصحافي البريطاني المختص: "على الرغم من أن قائمة الأثرياء في أوروبا تضم في أغلبها أبناء أسر عريقة في الثراء، فإنها تضم وإن كان أقل من نظيرتها الأمريكية ما يمكن أن نصفهم بالأثرياء نتيجة الابتكار والتكنولوجيا مثل المخترع البريطاني والمصمم الصناعي جيمس دايسون مالك شركة دايسون التي تنتج عديد من الأجهزة المنزلية".
ويضيف "رغم ذلك فإن الأثرياء الأوروبيين يؤدون بشكل جيد للغاية ورغم جائحة كورونا فإن المليارديرات الأوروبيين مجتمعين زادت ثروتهم في عام 2020 بنحو 797 مليار دولار، وفي المقدمة يأتي مليارديرات ألمانيا حيث لديها أكبر عدد من أصحاب المليارات في القارة الأوروبية ويبلغ عددهم 136 ملياردير، وتقدر بعض المصادر ثروتهم مجتمعين بـ625 مليار دولار، وجزء ملحوظ من هذه الثروة وبخلاف الفرنسيين الذين يركزون على السلع الفاخرة يركز المليارديرات الألمان على تسويق السلع منخفضة التكلفة خاصة في مجال تجارة التجزئة".
وتابع "تحتل فرنسا المرتبة الثانية من حيث إجمالي ثروة المليارديرات وليس من حيث عدد أصحاب المليارات، إذ يبلغ عدد المليارديرات في فرنسا 42 ملياردير وتبلغ قيمة ثروتهم مجتمعين 513 مليار دولار، ولا شك أن باريس تعد نقطة جذب لأصحاب المليارات بفضل قوة قطاع الترفيه والموضة".
مع هذا فإن البعض يشير إلى أن مشهد "أسباب الثراء" آخذ في التوازن بين الولايات المتحدة والقارة الأوروبية، فثروة المليارديرات الأمريكيين التي تأتي من "الأرباح" مقابل مصادر ثروة أقرانهم على الضفة الأخرى من الأطلسي التي تأتي من "الريع"، تتراجع.
الدكتورة تشارلوت هاردي استاذة الاقتصاد الدولي في جامعة أكسفورد تعلق لـ"الاقتصادية" قائلة، "قبل 20 عاما كانت أسعار السفر الجوي وخدمات الهاتف والوصول إلى الإنترنت أرخص بكثير في الولايات المتحدة مقارنة بأوروبا، الآن ونتيجة الاتجاهات الاحتكارية لشركات التكنولوجيا الأمريكية وتنامي القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي فإن الوضع اختلف لصالح القارة الأوروبية، بحيث يصبح جزء متزايد من مصادر ثروة المليارديرات الأوروبيين يعود الفضل فيه إلى التكنولوجيا وما تحققه من أرباح وليس العقار وما يحققه من ريع".
من هذا المنطلق ترى الدكتورة تشارلوت أن ديناميكيات السوق في القارة الأوروبية تسير في الاتجاه الأمريكي حيث تكون ثروات المليارديرات في جزء متزايد منها نتيجة التكنولوجيا، مضيفة "مليارديرات أوروبا يسيرون في الاتجاه الصحيح ولكن ببطء".
ومن المنطقي أن يحظى المليارديرات البريطانيين بموقع خاص ضمن أثرى أثرياء القارة الأوروبية، حيث إن بريطانيا مهد الثورة الصناعية والإمبراطورية التي لم تغيب عنها الشمس لردح طويل من الزمن، إذ يقدر عدد مليارديرات المملكة المتحدة بـ56 شخصا بثروة إجمالية تبلغ 214 مليار دولار لتحتل بذلك المرتبة الثانية بعد ألمانيا في قائمة الدول الأوروبية التي لديها أكبر عدد من المليارديرات، لكن مع ذلك لا يوجد أي ملياردير بريطاني في قائمة أغنى عشر مليارديرات في القارة الأوروبية لهذا العام حيث تضم القائمة خمسة فرنسيين وإسبانيا وإيطاليا واثنين من ألمانيا وروسيا.
ويقول الباحث الاقتصادي أنطوني جولدن، "قائمة المليارديرات سواء في القارة الأوروبية عامة والمملكة المتحدة خاصة لا تتسم بالثبات وإنما بالتغيير الدائم، فالمنظومة الاقتصادية تتسم بدرجة عاليا من المنافسة حيث نشهد تغيرات دائمة في قائمة المليارديرات سنويا بخروج بعضهم ودخول آخرين، وهذا يكشف مدى الحيوية الاقتصادية لفكرة تشكيل الثروة في أوروبا والمرونة التي تتمتع بها المنظومة الاقتصادية".
مع هذا ستظل مصادر ثروة المليارديرات الأوروبيين في العقود المقبلة من أعمال تجارية في التجزئة والسلع الفاخرة والموضة، فالشركات الدولية غير الأوروبية لا تزال تجد أوروبا مكانا صعبا للقيام بالأعمال التجارية بسبب ثقافة الأعمال المحافظة واللوائح الصارمة لممارسة النشاط التجاري.
يشار إلى أن مؤشر "بلومبيرج" للمليارديرات، كشف أن "أغنى 500 شخص في العالم أضافوا نحو 1.8 تريليون دولار إلى ثرواتهم المجمعة، في عام 2020، ليصل إجمالي ثرواتهم إلى 7.6 تريليون دولار.
وأشارت "بلومبيرج" مطلع العام الجاري إلى أن "الزيادة البالغة 31 في المائة، التي جاءت حتى وسط الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، هي أكبر مكسب سنوي في تاريخ المؤشر، البالغ ثمانية أعوام، حيث وصل النمو بشكل رئيس إلى أولئك الذين كانوا في القمة، إذ يمتلك خمسة أشخاص الآن أكثر من 100 مليار دولار، مع 20 فردا آخرين، تبلغ ثروة كل منهم 50 مليار دولار على الأقل".
يأتي في صدارة مؤشر "بلومبيرج"، جيف بيزوس، مؤسس شركة أمازون ومديرها التنفيذي، بنحو 190 مليار دولار، حيث استفادت شركة التكنولوجيا بشكل كبير خلال انتشار وباء كورونا، بعد أن أجبرت عمليات الإغلاق، والقيود الصحية، مزيدا من الناس على اللجوء إلى التسوق عبر الإنترنت.
وشهد إيلون ماسك، مؤسس شركة تسلا والرئيس التنفيذي لها، أكبر زيادة للثروة في عام 2020، إذ لفتت "بلومبيرج" إلى أن هذه الزيادة ربما تكون "أسرع ثروة" في التاريخ.
واستطاع ماسك لأول مرة التفوق على بيل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، بثروة تبلغ نحو 170 مليار دولار، ليحصل على لقب ثاني أغنى شخص في العالم في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020.
وكانت زيادة ثروة ماسك مدفوعة إلى حد كبير بـ"تسلا"، حيث يتكون نحو ثلاثة أرباع صافي ثروة ماسك من أسهم الشركة.
وأفادت "بلومبيرج" حينها بأن بيزوس وماسك قد حققا زيادة في الثروة مجتمعة بنحو 217 مليار دولار خلال 12 شهرا، وهو ما يكفي تقريبا لإرسال ألفي دولار شيك إلى أكثر من 100 مليون أمريكي.
تاريخ النشر