بقلم: إبراهيم منّاع-المدير العام للأسواق الناشئة في شركة "كريم"-
لا شك أن تجربة الريادة الرقمية لا زالت محدودة الانتشار في المنطقة العربية إلا في بعض الدول العربية المتقدّمة، والتي التقطت هذه الثورة منذ بداياتها ووفرت لها البيئة الداعمة والمحفزة، وربما نجحت بعض التجارب الريادية في شقّ طريقها إلى الانتشار والنمو، إلا أن المبادرات والبرامج الحاضنة والمحفزة للاستثمار في المشاريع الريادية لا زالت خجولة، ولا ترقى لمستوى التحديات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، بل لا تلبي احتياجات التنمية في قطاعات خدماتية واقتصادية حيوية متنامية.
في دراسة حديثة، قالت شركة الاستشارات العالمية (فروست آند سوليفان) إن النقل يعتبر أهم القطاعات التي تستقطب الاستثمارات في العالم، وأنه يوفر فرصاً هائلة لتحقيق عائدات استثمارية جيدة، كما أشارت شركة PwC إلى أنّ قطاع "مشاركة السيارات" سيكون ضمن أكبر 5 قطاعات جاذبة للاستثمار، وتوقعت أن يبلغ إجمالي إيراداته 335 مليار دولار أمريكي بحلول العام 2025. وتوضح الكثير من الدراسات أن النمو الكبير الذي يشهده قطاع حجز السيارات عبر التطبيقات الذكية (Ride-Hailing) يعكس تلبية هذا القطاع لحاجات مُلِحة، ويسهم في تبسيط حياة الناس.
قبل سنوات قليلة، كان علينا الانتظار في الشارع، مهما كانت الظروف المناخية، لانتظار سيارة أجرة، وفي أحسن الأحوال، محاولة حجز سيارة عبر الهاتف والدخول في جدالات لا تنتهي، ولا ترضي طرفاً، بشأن الأجرة ومكان الانطلاق والوصول، مع الكثير من المخاطر المتعلقة بالأمان.
ومع التطور التقني، قامت بعض الشركات الرائدة بإطلاق خدماتها التي تتيح لك حجز سيارة عبر هاتفك النقال (الموبايل) بضغطة زر، ومعرفة كافة التفاصيل الخاصة بالسيارة والسائق والأجرة والمسار قبل بدء الرحلة، وهي الخدمات التي شهدت نمواً كبيراً في السنوات القليلة الماضية في مختلف أنحاء العالم.
ولا تقتصر فوائد قطاع حجز السيارات عبر التطبيقات الذكية على الراغبين في خدمة نقل سهلة وآمنة وبتكاليف مناسبة، فقد وفرت مثل هذه التطبيقات الآلاف من الفرص للراغبين في مصدر دخل أساسي أو إضافي، فضلاً عن المكاسب الأخرى التي تعود على الاقتصاد بشكل عام.
وكانت لشركة كريم تجربة ريادية في هذا المجال، فكانت انطلاقتها في المنطقة مبعث تساؤلات كثيرة عن الفرق الذي قد تحدثه خدمة نقل جديدة تعتمد على التطوّر الرقمي، وجاء الجواب على الأرض انتشاراً وتوسعاً لافتاً خلال ست سنوات من عمر تأسيس الشركة. ولم تكن فلسطين خارج المشهد، فالتساؤلات انطلقت مع انطلاق "كريم" في فلسطين منذ عامين، حيث يتساءل الكثيرون عن الفوائد التي ستعود على الاقتصاد المحلي من دخول شركة رائدة تعمل في أكثر من 120 مدينة في 15 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا وباكستان.
وكان من المُلفت حجم الإقبال على تطبيق "كريم" في المدن التي تعمل فيها "كريم" في فلسطين، وعلى الرغم من تشكيك الكثيرين بقدرة "كريم" على مواصلة استثمارها بسبب خصوصية الظروف والتحديات التي تحيط بفلسطين، إلا أن النتائج جاءت موافقةً لتوقعاتنا في الشركة، حيث أدركنا أن الجمهور الفلسطيني يتوق إلى التقدم التكنولوجي، وإلى تجربة ريادية مُلهمة، تزرع الأمل في نفوس الرياديين والشباب، وتمدّ يد العون والدعم للجهات الرسمية والأهلية والمجتمعية، ليس لتطوير خدمات النقل فحسب، وإنما للعمل على النهوض بالوضع الاقتصادي، ومعالجة مشكلة البطالة لاسيما في أوساط الشباب.
وطموح الشركة في فلسطين يمتد ليشمل خلق فرص عمل للآلاف من أبنائها، حيث تسعى الشركة إلى توفير 15 ألف فرصة عمل بالتزامن مع تنفيذ خطة توسعها في كافة المدن والمحافظات الفلسطينية في السنوات القادمة. ولا شك أن توفير فرص العمل تُعتبر من أهم العوامل في تعزيز الاقتصاد الفلسطيني.
كذلك، فإن إطلاق عمليات شركات رائدة إقليمياً يعني نقل الخبرات والمعارف التي اكتسبتها هذه الشركات إلى السوق المحلي، وجاءت كريم لتضيف إلى هذه الغاية، غاية أخرى متمثلة في النهوض بقطاع النقل عبر التكنولوجيا، لاسيما من خلال وضع معايير جديدة للسلامة في مجال حجز السيارات عبر التطبيقات الذكية، وتحسين إجراءات توظيف ومتابعة الكباتن (سائقي التكسي)، والتركيز على رعاية وسلامة العملاء، وتدريب العاملين وتطوير القدرات والمهارات في كافة المجالات المتعلقة بالخدمة التي نقوم بتوفيرها، وهو ما يؤدي إلى زيادة جاذبية وملاءمة بيئة العمل لجميع الأطراف المعنية.
وكوننا نعتمد على التقنيات المتطورة في عملياتنا، فإن ذلك يوفر الكثير من الفرص أمام الفلسطينيين المتعطشين إلى التطور التكنولوجي والتقنيات الحديثة والخدمات الرقمية المتطورة، علاوة على تشجيع ريادة الأعمال وإلهام الشباب الراغبين في إطلاق مشاريع ريادية.
ومن المكاسب التي يتوقع أن تسهم خدمات حجز السيارات عبر التطبيقات الذكية في تحقيقها وفقاً لدراسات أُجريت مؤخراً؛ تقليل الاعتماد الكلي على اقتناء واستخدام السيارات الخاصة، حيث يُلاحظ أن الكثير من الناس الذين توجهوا نحو تملك وقيادة سيارات خاصة في العقدين الأخيرين قاموا بذلك للاستفادة من مميزات كثيرة مثل الأمان وسهولة وسرعة الانتقال والخصوصية، وهي العوامل التي لم تكن خدمات الأجرة التقليدية توفرها، لكنها أصبحت متاحة مع الخدمات المتطورة لحجز السيارات بالتطبيقات الذكية، فضلاً عن الراحة التي تتيحها، وبتكلفة مناسبة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود عمليات كريم في فلسطين يُسهم في تشجيع الاستثمار وتحفيز العديد من المؤسسات العالمية في مختلف القطاعات الاقتصادية على دراسة واستكشاف الفرص الاستثمارية في فلسطين، فكما نعلم، فلسطين لا زالت بحاجة إلى مزيد من الاستثمارات في شتى المجالات والقطاعات، من أجل تعزيز اقتصادها وتمكينها من مواجهة التحديات الجسام المحيطة بها.
إننا في شركة كريم، نتطلع إلى المضي قُدُماً في الاستثمار في فلسطين، ليس من منطلق استثماري فحسب، وإنما التزاما منا بشمول فلسطين ضمن خارطتنا في المنطقة، لأننا نؤمن أن فلسطين هي قلب المنطقة العربية وندرك خصوصية الظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بها، ما يضفي الدوافع لدينا لنكون أكثر التزاماً تجاه فلسطين، وتجاه إسناد اقتصادها وشعبها. لذا حرصت الشركة على تحقيق شراكة حقيقية مع كافة الأطراف بهدف الارتقاء بخدمات قطاع النقل الفلسطيني، لاسيما الحكومة الفلسطينية ومكاتب ومالكي سيارات الأجرة والنقابات الممثلة لهم، وبما يضمن تأمين سبل العيش الكريم للعاملين في هذا القطاع، وبما يسمح بتقديم خدمات نقل لائقة وحديثة وآمنة للجمهور الفلسطيني، آملين أن يشمل ذلك تشغيل المركبات الخاصة بشكل قانوني، من أجل تكريس نموذج "كريم" في الريادة التكنولوجية وقيمها المجتمعية، الأمر الذي نطمح من خلاله أن يبرز المشهد الريادي في فلسطين، ويحفز الشركات العالمية على الاستثمار في فلسطين، ويدعم الاقتصاد المحلي والمجتمع الفلسطيني.