دبي (رويترز) - تشير المقاطعة الغربية لمؤتمر اقتصادي كبير في الرياض الأسبوع القادم إلى أن المخاطر السياسية المتنامية في السعودية قد تلحق الضرر بطموحات المملكة لجذب رأس المال الأجنبي وتنويع موارد اقتصادها بدلا من الاعتماد على النفط.
ويقول مسؤولون تنفيذيون ومحللون إنه بدلا من أن يثير المؤتمر الاهتمام بفرص الاستثمار السعودية، فإنه يواجه خطر الإخفاق التام كمناسبة علاقات عامة بسبب اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
يقول مسؤولون أتراك إن خاشقجي قُتل داخل القنصلية السعودية في اسطنبول. وتنفي السعودية هذا.
وألغى أكثر من عشرين من كبار المسؤولين والتنفيذيين من الولايات المتحدة وأوروبا، بمن فيهم وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين والرئيسان التنفيذيان لبنكي جيه.بي مورجان واتش.اس.بي.سي، خططهم لحضور مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار بسبب القلق بشأن قضية خاشقجي.
ويقول منظمو المؤتمر إن ذلك قد لا يحول دون المضي قدما في المؤتمر، في ظل اشتراك أكثر من 150 متحدثا وما يزيد على 140 مؤسسة ابتداء. لكن هذا يجرد المؤتمر من معظم الشخصيات المؤثرة.
ومع خشية الشركات الغربية من المخاطرة بسمعتها في إبرام صفقات والانكشاف المحتمل على أي عقوبات تُفرض بشأن قضية خاشقجي، فمن المرجح أن تعلق معظم الأنشطة الجديدة في السعودية لبعض الوقت.
وربما يُطبق التجميد على العقود أو الاستثمارات الغربية الجديدة في السعودية، وعلى البرنامج الخاص بالحكومة السعودية لشراء أصول شركات بالخارج عبر صندوق الاستثمارات العامة التابع للمملكة والبالغ حجمه 250 مليار دولار.
وقال أيهم كامل مدير الشرق الأوسط لدى مجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر السياسية ”معظم الشركات الغربية ستتعرض لضغوط لإعادة النظر في انكشافها على السعودية في ضوء قضية خاشقجي“.
لكن تجميد الصفقات الجديدة قد يبدأ في الانحسار خلال أشهر قليلة. فهناك الكثير الذي قد تخسره شركات غربية عديدة إذا تخلت عن أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، وأسر البعض لرويترز بأن الشركات سترسل مسؤولين تنفيذيين على مستوى منخفض إلى المؤتمر.
مليارات على المحك
قال لاري فينك الرئيس التنفيذي لشركة إدارة الاستثمار الأمريكية بلاك روك إنه ينسحب من المؤتمر لكنه لن يقطع العلاقات مع السعودية لرغبته في ”الحفاظ على العلاقات التي عكفنا عليها لفترة طويلة“.
ولم تبد الشركات في الصين واليابان أي بادرة انسحاب من المؤتمر ولا حتى أظهرت دلائل محدودة في هذا الاتجاه، لذا قد تخسر الشركات الأمريكية والأوروبية أنشطة إذا ظلت على موقفها غير المكترث تجاه الرياض لفترة أطول كثيرا.
وقال جيسون توفي كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة لدى كابيتال إيكونوميكس ”في العام الجديد ربما يبدأ الأثر في الانحسار، لا سيما أنه يبدو أن الولايات المتحدة تساعد السعودية ليصبح الحادث طي النسيان“.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه يريد حماية التعاون الأمني لواشنطن مع السعودية ومبيعات معدات عسكرية بمليارات الدولارات إلى الرياض. وأثار احتمال أن ”قتلة مارقون“ ربما قتلوا خاشقجي، وهي نظرية قد تُعفي القادة السعوديين من المسؤولية.
لكن وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت قال يوم الجمعة إن المزاعم المتعلقة بقضية الكاتب الصحفي السعودي لن تكون مقبولة إطلاقا، غير أنه أضاف أن لبريطانيا علاقة استراتيجية مع السعودية، وأن أي رد فعل من جانب بريطانيا سيكون ”محل دراسة“.
ويتوقع توفي وآخرون أن تكون تكلفة أي عقوبات محدودة. والخيار الأكثر نقاشا بين السياسيين الأمريكيين هو ما يُطلق عليه قانون ماجنيتسكي، الذي يمكن أن يفرض حظرا على التأشيرات وتجميدا لأصول الأفراد في قضايا تتعلق بحقوق الإنسان.
وإذا تبين أن مجموعة صغيرة من السعوديين مسؤولون عن موت خاشقجي وجرت معاقبتهم بتلك الوسيلة، فإن الأمر قد يكون مبعث حرج للرياض لكن دون أثر اقتصادي يذكر.
وقال مصرفي خليجي يعمل مع السعودية إنه أيا كانت خاتمة قضية خاشقجي، فإن فرص تحقيق أرباح من رسوم ترتيب الصفقات لصالح صندوق الاستثمارات العامة ستجعل البنوك الغربية ”تعود جاثية على ركبتيها تطلب العمل“ منه.
فبعد مقتل طلاب باحتجاجات بكين في يونيو حزيران 1989، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر ما يزيد على 20 بالمئة في النصف الأول من 1990 لكنه، وبعد عام تقريبا، عاد للنمو بقوة مجددا.
وتظهر تحركات الأسواق العالمية قلق المستثمرين إزاء قضية خاشقجي لكن ليس بقدر حالة الخوف التي انتابتهم بعد أن بدأت أسعار النفط في التراجع في 2014.
وانخفض الريال السعودي في السوق الآجلة وارتفعت تكلفة التأمين على الديون السعودية من مخاطر التخلف عن السداد، لكن بهوامش محدودة بالمقارنة مع فترات اضطرابات سابقة.
الأجل الطويل
لكن حتى بعد استئناف علاقات العمل الطبيعية مع الغرب، فإن قضية خاشقجي قد تلقي بظلالها على تدفقات الاستثمار الأجنبي على السعودية. وربما تكون الشركات الغربية حريصة على تحقيق أرباح من الرسوم والفوز بعقود، لكن إدراك تزايد المخاطر السياسية قد يقيد الاستثمار الأجنبي المباشر.
وقالت مصرفية خليجية إنها تتلقى أسئلة كثيرة بشأن قضية خاشقجي من عملاء أجانب إذ تعد الأحدث في سلسلة من الأزمات تحت ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بما في ذلك اعتقال عشرات من المسؤولين ورجال الأعمال في حملة على الفساد العام الماضي.
وقالت ”إنها تراكمات - حرب اليمن والنزاع مع قطر والتوترات مع كندا وألمانيا واعتقال ناشطات. يعطي هذا انطباعا بالاندفاع في صنع السياسات، وهو ما يثير بواعث قلق المستثمرين“.
وإذا تفادت الرياض عقوبات كبيرة بخصوص خاشقجي، فمن المحتمل أن تظل تواجه تعاطفا أقل من جانب الكونجرس الأمريكي. وقد يؤدي هذا على سبيل المثال إلى إحياء مساع للموافقة على تشريع يعرض منتجي النفط بأوبك إلى دعاوى قضائية تتعلق بمكافحة الاحتكار.
ويخشى البعض من أن القضية قد تُضعف السلطة المحلية للأمير محمد (33 عاما)، بما يتسبب في اضطراب سياسي أو يبطئ سعيه الإصلاحي، والذي شمل خفض عجز الميزانية العامة وإلغاء حظر قيادة المرأة للسيارة.
وأدت الإصلاحات والحملة على الفساد إلى فوز الأمير محمد بدعم كثير من السعوديين، لكنهما مستا أيضا بعض أعضاء الأسرة المالكة ورجال الأعمال. ومن المتصور أن قضية خاشقجي ربما تصبح محفزا لصدام.
وقال مصرفي في الرياض ”نحن قلقون من أن هذا قد يعرقل كل العمل الذي بُذل خلال السنة الأخيرة في سبيل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية“.