رام الله-د.حازم الشنار-بناء على طلب بعض الاصدقاء مني فيما يلي تحليل مختصر ومبسط لبيان جهاز الاحصاء المركزي حول التجارة السلعية المرصودة للمناطق الفلسطينية عدا القدس لشهر نيسان الماضي والذي صدر مؤخرا. ومن أجل التبسيط سأستخدم ارقاما مقربة للمئة ففي ذلك الشهر بلغت الصادرات الفلسطينية قرابة 100 مليون دولار والواردات قرابة 500 مليون دولار، وعليه فان العجز التجاري هو الفرق بينهما اي حوالي 400 مليون دولار لشهر واحد اي ما يقارب 5 مليار دولار سنويا وهو ما يعادل اكثر من ثلث الناتج المحلي الفلسطيني، ويمثل عجز الاقتصاد الفلسطيني عن تلبية احتياجات المجتمع من السلع. وتتم تغطية هذا العجز من الفائض النسبي في ميزان التجارة الخدمية وتحويلات العاملين في الخارج وبشكل خاص مع اسرائيل وكذلك من المساعدات الخارجية.
وتشكل التجارة مع اسرائيل معظم تجارة فلسطين مع العالم الخارجي حيث ان 86% من صادراتها السلعية في شهر نيسان ذهبت الى اسرائيل وكذلك نحو 70% من وارداتها السلعية جاءت من اسرائيل اي نحو 280 مليون دولار وعلى ذلك فالعجز التجاري السلعي مع اسرائيل بلغ نحو 200 مليون دولار اي نحو 50% من العجز التجاري السلعي مع العالم، وهذا يكشف مدى تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الاسرائيلي واعتماده الكبير عليه. وبينما تشكل الواردات من كل من الصين وتركيا نحو 500 مليون دولار فإن مجمل الواردات من الدول العربية مجتمعة لا تزيد عن 250 مليون دولار مما يكشف مدى الهوة الناجمة من عدم تطبيق الاتفاقيات العربية العربية وعدم قدرة المنتجات العربية على التنافس مع المنتجات المستوردة الاخرى في السوق الفلسطيني.
ورغم التذبذب في معدلات الزيادة او النقصان من شهر لاخر في الواردات والصادرات وبالتالي في الميزان التجاري السلعي فإن الاتجاه العام يسير نحو زيادة العجز التجاري السلعي على مدار سنوات الاحتلال نتيجة التزايد المستمر والمتسارع في الواردات السلعية بالمقارنة مع شبه ثبات و زيادة طفيفة وبطيئة في الصادرات السلعية وهو مؤشر على زيادة عجز الانتاج الفلسطيني عن النمو.
ويعود العجز المزمن والمتسارع في الميزان التجاري السلعي لفلسطين لاسباب موضوعية تتمثل في المعيقات والقيود التي يفرض الاحتلال على الانتاج والتجارة الفلسطينيين والتي تؤدي للحد من طاقة الاقتصاد الفلسطيني الانتاجية وقدرته التنافسية فاضافة لسيطرتها على الموارد الطبيعية والشروط التي تفرضها على التنمية خصوصا في المناطق ج هناك القيود التي تفرضها على التصدير والاستيراد وحركة البضائع والمواطنين عبر المعابر الدولية والرسوم العالية التي تفرضها عليهم. ولكن بالتوازي مع ذلك تلعب العوامل الذاتية دورا مهما تتمثل في غياب تطبيق استراتيجية وطنية تشارك في تحقيقها مختلف الاطراف المحلية من حكومة وقطاع خاص واهلي بالتعاون مع الاصدقاء الدوليين والخارجيين بل على العكس توضع اولويات تتعلق بزيادة ايرادات الحكومة من الواردات والصادرات كما انه يتم اهمال النفقات الاستثمارية والتطويرية.
فلمواجهة هذا العجز فإنه لابد من العمل على تخفيض الواردات وزيادة الصادرات. ولتخفيض الواردات ينبغي العمل على توفير سلع فلسطينية بديلة للمستوردة ودعم المنتج الفلسطيني من خلال تقديم الحوافز للانتاج المحلي لتطويره كما ونوعا. وبشكل خاص لا بد من التسهيل خصوصا على المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المعاملات والاجراءات وتقديم الاعفاءات والقروض الميسرة لها والمشورة الادارية والفنية. كما لا بد من قيام حملة حقيقية شاملة تهدف لتشجيع المستهلك للمتتج المحلي وتفضيله على المستورد وبشكل خاص الاسرائيلي وفرض ما امكن من قيود على المستوردات. اما زيادة الصادرات فمن الممكن ان تتم من خلال فتح اسواق جديدة للسلع الفلسطينية وتطبيق الاتفاقات المتعددة والثنائية الموقعة مع الدول الاخرى بغية الاستفادة من الاعفاءات والتسهيلات في التجارة مع تلك الدول بالتوازي مع رفع القدرة التنافسية للسلع الفلسطينية في تلك الاسواق.
ومع ذلك كله ينبغي القول ان كل الاجراءات المذكورة اعلاه تبقى غير كافية ومحدودة التأثير ما لم نتمكن من ازالة القيود التي يفرضها الاحتلال على تجارتنا ومعابرنا مع العالم وبدون تعديل او الغاء اتفاقية باريس لصالح استقلال القرار والفعل الاقتصادي الفلسطيني وضمان قدرتنا على صياغة سياساتنا وعلاقاتنا التجارية مع العالم بحرية.