رام الله-صحيفة القدس-يُعد الوعي العام بالاستثمار وآلياته والظروف المحيطة به واحداً من أهم أسباب نجاحه واستمراريته وتحقيق الأهداف المرجوة منه، وفي ظل التطورات المتسارعة على المستوى العالمي يظل الاستثمار في مجال الأوراق المالية من أحوج أنواع الاستثمار إلى الوعي والمعرفة، سواء من حيث الأدوات والقوانين أو محددات ومؤثرات السوق.
وعليه يتوجب على أسواق المال حماية مستثمريها ورعاية استثماراتهم بتقديم الارشادات السليمة والبيانات الصحيحة تحت بند التوعية الاستثمارية. وتتعدد الأساليب المستخدمة وطرق العمل من سوق الى أخرى، لكن بالمجمل تبقى الأهداف هي نفسها مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة السوق والظروف المحيطة به.
وفي هذا السياق، كان لـ"القدس" هذا اللقاء مع الرئيس التنفيذي لبورصة فلسطين أحمد عويضه، الذي يتحدث عن تجربة البورصة على الرغم من كونه سوق ناشئ وصغير وتحيط به الكثير من الظروف الاستثنائية والصعبة إلا انه كان في طليعة الأسواق المالية التي مأسسة هذه النشاطات وجعلتها جزءا لا يتجزأ من استراتيجياتها وبنيتها. وفيما تأتي نص اللقاء الذي يأتي بالتزامن مع إطلاق الفعاليات الخاصة بأسبوع المستثمر العالمي للعام 2020.
مفهوم بسيط...
س - ما هو مفهوم التوعية الاستثمارية كما تراه بورصة فلسطين؟
ج - يمكن تعريف الوعي الاستثماري بمفهوم بسيط يتمثل في تعميق المعرفة، أي الإدراك والإلمام بمقومات عمليات الاستثمار في الأوراق المالية بالحد الأدنى على الأقل. ومفهوم سوق الأوراق المالية في فلسطين هو مفهوم غريب على البعض نظراً لصغر عمر السوق نسبيا فيها، وبالتالي كل مفاهيم الاستثمار في الأوراق المالية هي مفاهيم جديدة بالنسبة لأفراد المجتمع.
توفر درجة من الوعي لدى الشرائح المجتمعية المختلفة من عمال وموظفين وطلاب وغيرهم بالفرص والمزايا الاستثمارية التي يوفرها سوق الأوراق المالية يشكل عاملاً مهماً في تعزيز دور السوق ودفعه نحو الاتجاه الصحيح للقيام بالدور المنشود منه كقناة لتجميع المدخرات وتوجيهها نحو الأنشطة والقطاعات المنتجة.
رفع الوعي الاستثماري...
س-ما الذي يدفع بورصة فلسطين لتكثيف العمل التوعوي في مجال الاستثمار؟
ج-منذ تأسيسها تسعى بورصة فلسطين بكل الأدوات الى الارتقاء بمستوى ثقافة المجتمع المالية والاستثمارية من خلال رفع الوعي الاستثماري لدى المتعاملين في السوق المالي، وتوفير ما يلزم المستثمرين من معرفة ومعلومات تمكنهم من اتخاذ القرار الاستثماري وتفعيل دور شركات الوساطة وهيئة سوق رأس المال في مجال التوعية الاستثمارية أيضاً. وتسعى لفتح قنوات اتصال مع طلبة المدارس والجامعات بهدف تعميم معرفتهم بالسوق وآليات عمله ودوره في الاقتصاد الفلسطيني وتوعيتهم بآفاق الاستثمار.
ويتابع: على الرغم من ذلك فإن مسيرة عمل البورصة شهدت بعض التقلبات والمنحنيات قادها في الأساس غياب الوعي الاستثماري لدى المستثمرين المحليين، وقادته نظريات القطيع وانسياق جموع المستثمرين وراء الأخبار غير الواقعية نجم عنه تشكل الكثير من الفقاعات الوهمية التي أسفرت في النهاية عند انفجارها عن خسارة العديد من المستثمرين لجزء من استثماراتهم. ومن هنا تجذرت فكرة تأسيس جسم خاص داخل بورصة فلسطين ليتولى مهمة توعية المستثمرين الحاليين والمستقبليين بالطرق المثلى للاستثمار في سوق الأوراق المالية "دائرة العلاقات العامة والتوعية الاستثمارية" التي انطلقت اعمالها بشكل رسمي في العام 2006، حيث أُنيطت بها مهام تعزيز الصورة الذهنية لدى الرأي العام عن السوق باعتباره مؤسسة وطنية رائدة لها حياديتها وتأثيرها الإيجابي في مجمل الوضع الاقتصادي العام وتغيير الصورة النمطية التي تم تكوينها خلال الفترة السابقة، وبعض المفاهيم المتعلقة بالحلال والحرام بما يخص التداول في الأوراق المالية، بما يشمل تكثيف الانتشار الإعلامي للسوق محلياً وخارجياً.
تطور كبير ....
س-ما هي أهداف برنامج التوعية؟
ج- كما أسلفنا، شهدت السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً على مختلف الأصعدة، ومعها برز الدور المهم للتوعية الاستثمارية سواء على المستويين الداخلي للمؤسسة أو الخارجي، حيث أصبحت ضرورة وحاجة ملحة ووسيلة لتحقيق أهداف المؤسسة وتقديم صورة إيجابية عنها لجمهورها المستهدف. كما أن التطور التكنولوجي وتقدم وسائل الاتصال زاد الوعي بأهمية وجود جهاز مهني للقيام بتلك المهمة.
ويهدف برنامج التوعية الاستثمارية للبورصة بداية الى حماية الافراد عبر تعريفهم بحقوقهم وواجباتهم في تعاملهم بالأوراق المالية، كما يسعى الى تعزيز قدرتهم في تقييم الفرص الاستثمارية المتاحة واتخاذ القرار الاستثماري المستند إلى المعلومة الصحيحة. هذا بالإضافة الى زيادة الشمول المالي في قطاع الأوراق المالية عبر إيجاد المستثمر المؤهل.
كما ويسعى الجانب الإعلامي من هذا البرنامج إلى تعزيز الصورة الذهنية حول البورصة محليا وعالميا، وتطوير مفهوم الوعي الاستثماري بشكل عام. ويهدف إلى تعزيز حضور البورصة في الإعلامين المحلي والخارجي وبث المعلومات وتزويد الجمهور والمستثمرين بمعلومات السوق المالي بشكل لحظي تماشيا مع التطور التكنولوجي والنقلة النوعية التي تشهدها البورصة في هذا المجال في السنوات القليلة الماضية، والحفاظ على مستوى مميز من التواصل وتعزيز الصلات مع الجهات المحلية والخارجية، واستقطاب فلسطينيي الشتات والمستثمرين المؤسساتيين الأجانب، كذلك فإن برنامج التوعية يهدف الى ترويج الاستثمار في الأسهم المدرجة من خلال العديد من الأدوات والنشاطات.
تدني الوعي المالي..
س- يلاحظ تدني عدد الافراد المستثمرين بالأوراق المالية محلياً. لماذا؟
ج- يعتمد الاستثمار في الأوراق المالية على عدد من العوامل، منها على سبيل المثال مستوى الدخل، والتحصيل العلمي، ودرجة تقدم الاقتصاد المحلي ووجود الفرص الاستثمارية. لدينا في فلسطين بلغت نسبة الأفراد المستثمرين في الأوراق المالية بالنسبة لعدد السكان حوالي 2%، وهي نسبة ضئيلة ونسعى الى زيادتها من خلال برنامج التوعية الاستثمارية، لكنّ لذلك أسباباً وعوائق، منها: تدني الوعي المالي عند الافراد وهو ما يتطلب وجود استراتيجية وطنية للتوعية المالية تتضافر فيها جهود كافة الأطراف في هذا المجال، كما أنّ عدم وجود الخبرة السابقة لدى البعض تجعل الاستثمار في الأوراق المالية كالصندوق المغلق الذي لا يعلم ما به، مع الاخذ بعين الاعتبار ان العديد من الناس يعتمد على ما يسمعه من الاخرين والتي قد تكون روايات لتجارب فاشلة تجعل الخوف من ذات المصير عائقا امام دخول الافراد للاستثمار. هذا إضافة إلى أن السلوك المبني على المعتقدات الدينية وتصنيف الأمور من باب الحرام والحلال له اثر بالغ على قرار مشاركة الفرد.
أدوات عديدة ....
س-ما هي الأدوات التي تستخدمها بورصة فلسطين في الوصول الى أهدافها في مجال التوعية؟
ج-تسعى البورصة بشكل مستمر الى الإضافة والتعديل على الكثير من الأدوات التي تستخدمها للوصول الى جموع المستثمرين وشرائح المجتمع المختلفة، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
عقد الندوات التثقيفية وورش العمل والدورات التدريبية، إصدار الكتيبات ونشرات التوعية ،تنظيم الزيارات المدرسية والجامعية للبورصة ،توطيد العلاقة مع المجتمع الأكاديمي من خلال الأنشطة المتنوعة كاليوم الدراسي، وبرنامج محاكاة التداول، ومسابقة بحوث المستثمر وغيرها، المسؤولية الاجتماعية الذي أطلق برامج متعددة كصندوق السوق المالي للمنح الجامعية، وبرنامج منح رسائل الماجستير والأدوات الإعلامية وقنواتها كالإذاعات والتلفزة والمواقع الإلكترونية المتخصصة بالإضافة الى الموقع الإلكتروني للبورصة نفسها الذي تم تطويره ليحتوي الكثير من المعلومات التي تعني الباحثين والمستثمرين والمختصين بشكل يمكنهم الوصول الى ما يحتاجونه من معلومات بيسر وسهولة وانتاج مواد سمعية وبصرية ومواقع التواصل الاجتماعي ومنصات البورصة المتخصصة على تلك المواقع والتي تستخدمها بشكل مطلق لتوعية الجمهور بالكثير من الحملات والمعلومات والأخبار والكتيبات والكراسات في المواضيع المختلفة والمشاركة في الفعاليات المختلفة محليا وإقليميا وعالميا وكتابة المقالات.
تأثيرات "كورونا" ....
ما هو تأثير جائحة "كورونا" على سير العمل في مجال التوعية؟
لا شك أن الجائحة العالمية المتمثلة بفايروس "كورونا"، والتي قد ألقت بظلالها على مختلف القطاعات الاقتصادية العالمية وأثرت بشكل كبير على مناحي الحياة المختلفة قد كان لها الأثر الكبير على نشاطات التوعية الاستثمارية في بورصة فلسطين والخطط الزمنية الموضوعة. وهو الأمر الذي استدعى اتباع خطط طارئة بالمجمل تتماشى مع نظرية التباعد الاجتماعي واعتماد التكنولوجيا الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي وإطلاق المزيد من الحملات للاستمرار في التثقيف الخاص بالوعي الاستثماري بالسوق المالي وآليات الاستثمار السليم.