رام الله-الحياة الاقتصادية-أيهم أبوغوش ومحمد رجوب-تظهر البيانات الصادرة عن سلطة النقد ان حجم التسهيلات البنكية في فلسطين، مع نهاية النصف الاول من العام الجاري، قد بلغت نحو (8.9) مليار دولار أي بزيادة مقدارها نحو نصف مليار دولار مقارنة مع نهاية العام المنصرم (8.4) مليار دولار.
وتفتح القروض التي يمنحها الجهاز المصرفي في فلسطين الجدل مجددا حول مساهمتها في العملية التنموية وسط اتهامات للبنوك باتباعها سياسة متحفظة تجاه القطاعات الإنتاجية وضعف الطلب من القطاعات الإنتاجية نسفها على التسهيلات المصرفية لأسباب عدة منها إدارية وقانونية.
ويبرز من خلال بيانات صادرة عن سلطة النقد وجود تركز دائم للقروض في قطاعات تعتبر إلى حد بعيد استهلاكية فمثلا بلغت نسبة القروض الممنوحة للعقارات والإنشاءات 1,6 مليار دولار، بينما بلغت القروض الممنوحة لأغراض تمويل السيارات نحو 311 مليون دولار، والقروض الممنوحة للأغراض الاستهلاكية المباشرة نحو 1,3 مليار دولار، بينما تنخفض القروض الممنوحة لقطاعات إنتاجية مثل الصناعة والزراعة والسياحة بشكل كبير. فقد بلغت قيمة القروض الممنوحة لأغراض الزراعة وتصنيع الأغذية نحو (140) مليون دولار فقط، والقروض الممنوحة للسياحة والفنادق والمطاعم نحو (91) مليون دولار فقط، بينما تبرز القروض الممنوحة لأغراض التجارة الداخلية والخارجية إلى نحو 1,7 مليار دولار.
وتؤكد دراسة لمعهد السياسات الاقتصادية "ماس" أعدها أستاذ الاقتصاد في الجامعة العربية الامريكية د. نصر عبد الكريم أن محدودية الائتمان المصرفي للقطاعات الإنتاجية يعود لجانبي العرض والطلب على هذا الائتمان، فلا البنوك تبدو متحمسة أو مستعدة لتقديم مزيد من التسهيلات الائتمانية للقطاعات الإنتاجية في ظل ضعف الحوافز لذلك سواء على صعيد تقليل المخاطر أو على صعيد تعزيز ربحية هذه البنوك مقارنة مع غيرها.
وتوضح الدراسة أن الطلب الائتماني المصرفي من قبل الناشطين اقتصاديا على هذه القطاعات مازال محدودا بسبب وجود العديد من العوائق التي تحول دون الاستفادة من فرص التمويل المصرفي حتى لو رغبوا بذلك، مقترحة تطبيق العديد من الأساليب التحفيزية لجانبي العرض والطب وجسر الفجوة بين الجانبين.
وتخلص الدراسة إلى أن المشكلة تبدو أكبر في جانب الطلب على التسهيلات الائتمانية لأغراض إنتاجية منها في جانب العرض، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار بأن البنوك العاملة في فلسطين لديها سيولة فائضة كبيرة ترغب في استثمارها ولكن دون ان تتحمل مخاطر زائدة غير محسوبة وغير مبررة مصدرها حالة عدم اليقين القطاعات الإنتاجية في فلسطين. لكن الدراسة لم تعف البنوك من تحمل جزء من المسؤولية عن سوء توزيع التمويل وعن قصورها في ابتكار الوسائل العملاتية المناسبة لتقييم طلبات الائتمان وإدارة المخاطر المتصلة بها.
وتقول الدراسة: "الأصل أن تتحمل هذه البنوك قدرا معقولا من المخاطر وهذه سمة تصاحب أنشطة الاستثمار في أسواق المال والنقد في كل دول العالم وليس في فلسطين وحدها، والحالة الفريدة التي تعيشها فلسطين تتطلب من البنوك ان تكون أكثر جرأة وأقل حذرا في منح التسهيلات لقطاعات انتاجية من المفترض ان تقود عملية النمو المستدام".
ورغم وجود قانون تشجيع الاستثمار في فلسطين والصادر عام 1998 وجرى تعديله في عام 2011 والتي تم بموجبها تخفيض حجم رأس المال لمشاريع الاستثمار الجديد أو التوسع الاستثماري للشركات القائمة من 250 ألف دولار إلى 100 ألف دولار للاستفادة من الإعفاء من ضريبة الدخل لمدة خمس سنوات، غير أن الدراسة تتهم هذا القانون بأنه صب في نهاية المطاف لصالح المشاريع الكبيرة وليست الصغيرة او متناهية الصغر لأن التعديلات ربطت مدى الاستفادة بعوامل اخرى إلى جانب رأس المال منها أن تبلغ الصادرات إلى مجموع مبيعات الشركة بنسة 40%، وان توظف الشركة ما لا يقل عن (25) فردا وان تستخدم مواد محلية الإنتاج بما لا يقل عن (70 %) من إجمالي تكاليف المواد الخام.
وترى الدراسة ان معظم منشآت الأعمال التي تنشط في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحية ذات حجم صغيروتعمل في الاقتصاد غير الرسمي وبالتالي فهي غير مؤهلة من حثي المبدأ من الاستفادة من هذه الإعفاءات ما يستدعي إصدار لائحة تفضيلة فنية تضع الشروط والآليات الملائمة لدراسة ملفات الإعفاء المقدمة من الشركات التي تعمل في القطاعات الإنتاجية وتأخذ في الاعتبار ظروفها وخصائصها القانونية والإدارية.
وترى الدراسة ان ضعف إقبال هذه الشركات في القطاعات الإنتاجية على الخدمات المصرفية يعود لعدة اسباب منها معدلات النمو السالبة في هذه القطاعات وتراجع مساهمتها في الناتج المحلي وضعف معدلات نمو الاستثمار الرأسمالي والتشغيلي فيها بسبب مخاطرها النسبية المرتفعة نتيجة حساسيتها المفرطة تجاه التطورات السياسية والأمنية على الأرض ما يجعل المستثثمرين يحجمون عن الاستثمار في هذه القطاعات وبالتالي تراجع حاجتها للاقتراض المصرفي.
وتراوحت نسبة التعثر العامة في القروض الممنوحة بين 1,89%-3%، والمفارقة أن نسبة التعثر في القطاعات الإنتاجية كانت اقل من النسبة العامة إذ لم تزد عن 1.5%.
تراوحت نسبة االتسهيلات الائتمانية في المتوسط 60% من نسبة الودائع وهي نسبة يراها مراقبون بانها ملائمة في ظل الوضع الاقتصادي والسياسي الذي تمر به فلسطين.
أما بالنسبة لأسعار الفائدة الممنوحة على التسهيلات فقد بقيت محل انتقادات كبيرة، رغم أن تقرير الاستقرار المالي لسلطة النقد لعام 2016 والصادر في عام 2017 يشير إلى أن هامش الفائدة في السوق المصرفي الفلسطيني قد طرأ عليه بعض التحسن في عام 2016 مقارنة مع عام 2015 . فقد انخفض الهامش بعملة الدينار من 4,75% إلى 4,06%، وبعملة الدولار من 5% إلى 4,85%، وبعملة الشيقل 6,25% إلى 5,5%.
ورغم ان هذا التحسن قد طرأ بسبب التنافس بين البنوك العاملة في فلسطين غير أن النسب ظلت عالية إذا ما قورنت مع الدول المصدرة لهذه العملات الثلاث (الأردن، واسرائيل، والولايات المتحدة) إذ يبلغ معدل الفائدة في الأردن 4%، وفي اسرائيل 4%، وفي الولايات المتحدة 3,25%.
يشار إلى ان نسب الفائدة في فلسطين إذا ما قورنت بدول عربية أخرى تعد متوسطة، إذ تصدرت مصر والسودان أعلى معدلات الفائدة عربيا بـ16.75 %، و15.7 % على التوالي، يليهما اليمن وجيبوتي ولبنان بنسب 15 %، و11.3 %، و10 % على التوالي.
على الجانب الآخر، جاءت جزر القمر والمغرب أقل الدول في معدلات الفائدة بـ1.1 % و1.5 % على التوالي.
وجاءت دول الخليج الست في وسط القائمة تقريبا عالميا وعربيا بمعدلات فائدة معتدلة في أغلب الدول. وحلت قطر والبحرين في الصدارة بفائدة 2.4 %، ثم السعودية بفائدة 2.3 %، وسلطنة عمان بـ1.95 %، والإمارات بـ1.75 %، وأخيرا الكويت بأقل فائدة تبلغ 1.5%.
يذكر أن سياسة سلطة النقد في فلسطين تعتمد سياسة تحرير الفائدة واخضاع نسبها لقوى العرض والطلب ولهذا فهي لا تفرض سقوفا دنيا او عليا، خلافا للدول الاخرى التي تتدخل بنوكها المركزية في فرض أسعار الفائدة ومراقبة تنفيذها.
ويرى مراقبون أن الانتقادات الموجهة للبنوك في فلسطين لا تنحصر على نسبة ارتفاع الفوائد على التسهيلات مقارنة مع دول الجوار فحسب، بل يشمل كذلك التباينات الكبيرة بين نسب الفوائد الدائنة(القروض) وبين نسب الفوائد المدينة (الودائع).
وكان مصدر حكومي فضل عدم الكشف عن اسمه اتهم البنوك بالمبالغة في نسب الفائدة المفروضة وفي تركيز القروض على أغراض استهلاكية مطالبا إياها بتوجيه القروض نحو القطاعات الإنتاجية لتنسجم مع استراتيجيات الحكومة التنموية، لافتا الى ان الحكومة جدية للغاية في تجميع الأموال "المبعثرة" في عدد من الصناديق لتشكل مجتمعة البنك التنموي الحكومي في فلسطين، ليتولى منح قروض تنموية بعيدة المدى.
من جهته، قال رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية، في كلمة له خلال الاحتفال بمرور 25 عاما على تأسيس معهد "ماس أن الجهاز المصرفي بدأ بدراسة، منح قروض بفوائد تفضيلية مبنية على خطة الحكومة للتنمية بالعناقيد، بحيث ستكون تكلفة التسهيلات المصرفية أقلّ على المستثمرين إذ ما كانت موجهة في القطاعات الاقتصادية المشمولة بالعناقيد التي بدأتها الحكومة من محافظة قلقيلية بوصفها مع جنين وطوباس عنقودا زراعيا.