غزة-الأيام-حامد جاد-كشفت بيانات عدد من مؤسسات الإقراض العاملة في قطاع غزة عن تراجع تدريجي ملحوظ في عدد وقيمة القروض التي مولتها تلك المؤسسات خلال الفترة الأخيرة، إلى أن وصل هذا التراجع إلى مرحلة التوقف التام عن تقديم خدمة الإقراض لدى بعض تلك المؤسسات.
وفي أحاديث منفصلة أجرتها "الأيام" مع القائمين على عدد من مؤسسات الإقراض حول ما آلت إليه خدمة تقديم القروض من تراجع، أشار مدير دائرة التمويل لدى وكالة الغوث "أونروا" ناصر جبر الى أن عدد القروض التي مولتها الدائرة في قطاع غزة خلال الربع الاول من العام الحالي بلغ 777 قرضاً بقيمة مليون دولار، منخفضة بنسبة 28.5% من 928 قرضاً بقيمة 1.4 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الماضي، و52% من 1344 قرضاً بقيمة نحو 1.9 مليون دولار خلال الربع الأول من العام 2017.
تراجع سنوي
وأوضح جبر، في سياق استعراضه للمؤشرات المتعلقة بوتيرة تراجع خدمة الإقراض، إلى أن مجمل عدد القروض التي قدمتها الدائرة في العام 2018 بلغ 2687 قرضاً بقيمة نحو 3.4 مليون دولار، وفي العام 2017 بلغ عدد القروض 4172 قرضاً بقيمة 6.3 مليون دولار، وفي العام 2016 تم تمويل 4989 قرضاً بقيمة 7.4 مليون دولار، ما يعبر عن تراجع سنوي مستمر.
ولفت جبر إلى أن التراجع في قيمة وعدد القروض يعبر عن التداعيات الكارثية المترتبة على استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، إضافة إلى التداعيات المترتبة على الاقتطاعات من رواتب الموظفين، ما أفضى إلى تراجع حاد في الطلب على السلع الاستهلاكية والمعمرة، وبالتالي اتساع هامش المخاطرة في تمويل المشاريع أو تطوير مشاريع قائمة.
وأكد أنه بالرغم من صعوبة الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، إلا أن دائرة التمويل لدى "أونروا" استمرت في تقديم القروض، مشدداً في الوقت ذاته على أنه ما لم يحدث تغيير إيجابي في الواقع الاقتصادي وتحسن في حركة المعابر والدعم والتمويل ستزداد الأمور سوءاً.
وقال جبر: "دون حدوث تغيير إيجابي في مجمل مكونات الوضع الاقتصادي، ستزداد الأمور سوءاً، ومع كل سنة سيسجل تراجع في أداء مؤسسات الإقراض، وستكون السنة الحالية أسوأ من سابقاتها، فالمواطن لديه قدرة محدودة على احتمال هذا الوضع الصعب لفترة معينة، ولا يستطيع الاعتماد على قدراته الذاتية في تسيير أموره المعيشية لفترة أطول".
انخفاض عدد المقترضين
من جهتها أشارت مديرة الشركة الفلسطينية للإقراض والتنمية "فاتن" في قطاع غزة، منى العلمي، إلى أن خدمة الإقراض لدى مؤسستها شهدت تراجعاً خلال الربع الأول من العام 2019، حيث انخفض عدد المقترضين لديها بنحو 20%، كما انخفضت قيمة المحفظة القائمة بنحو 24% مقارنة مع الربع الأول من العام 2018 .
وبينت العلمي أن "فاتن" انتهجت سياسة متحفظة جداً تجاه منح تمويلات وقروض جديدة، نتيجة ضبابية الرؤية إزاء المستقبل، حيث انصب تركيز المؤسسة على متابعة عمليات التحصيل.
واعتبرت أن الأسباب الرئيسة التي أدت لتراجع خدمة الإقراض، سواء لدى البنوك أو مؤسسات الإقراض في قطاع غزة، تتمثل بحالة التراجع الاقتصادي والكساد الذي تعانيه السوق المحلية للقطاع نتيجة لضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، والتي أدت إلى انخفاض حجم المبيعات بشكل كبير عند أصحاب المشاريع، ما قلل من مداخيلهم وفاقم من عدم قدرتهم على الإيفاء بالتزاماتهم المتعددة.
وبينت العلمي أن تقليص رواتب موظفي السلطة، وما تبعه من تقليصات لرواتب موظفي القطاع الخاص نتيجة تأثر أصحاب الشركات والمصانع بحالة الكساد القائمة، انعكس سلباً على خدمات الإقراض.
وقالت: "انخفاض الطلب على القروض يعود لسببين، الأول: يتعلق بخشية المقترض من عدم القدرة على سداد التزاماته المالية في ظل الوضع الاقتصادي القائم، والثاني يرجع لعدم رغبة مؤسسات الاقراض والبنوك بزيادة حجم المخاطر على محفظتها الإقراضية في ظل حالة الركود التي تعانيها السوق المحلية، إثر الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة.
آلية التعامل مع المتعثرين
وحول آلية تعامل المؤسسة مع المتعثرين غير الملتزمين بسداد الأقساط المترتبة عليهم ونسبة عدم الالتزام بالسداد، قالت العلمي: "قامت المؤسسة بالعديد من الإجراءات مثل تأجيل بعض الأقساط لعدة أشهر، وإعادة جدولة أو هيكلة قروضهم الحالية، وذلك بهدف تقليل حجم العبء المالي على المقترضين وبما يمكنهم من إعادة ترتيب أوضاعهم المالية وسداد المستحقات المترتبة عليهم في ظل تقلص مداخيلهم، ولمساعدتهم بالاستمرار في سداد أقساط قروضهم بما يتناسب مع إمكاناتهم الجديدة".
وأضافت: "هذه الإجراءات اتخذتها المؤسسة وفق آليات وسياسات واضحة تنسجم مع تعليمات سلطة النقد، حيث ساعدت هذه الإجراءات المقترضين على الالتزام مع المؤسسة، ما جعل نسبة التعثر وعدم الالتزام بالسداد تصل لنحو 10% من المبلغ الإجمالي للدفعات المستحقة".
ونوهت العلمي إلى أن المؤسسة عملت خلال الفترة الماضية على دراسة الأزمة وانعكاساتها المختلفة على السوق بشكل عام، وعلى المستفيدين من خدماتها بشكل خاص، وبناءً على ذلك عملت على تقديم عدد من الخدمات الاستشارية بهدف الحفاظ على استمرارية المشاريع وتطويرها وتمكينها من الصمود أمام التحديات الراهنة التي تهددها.
ولفتت إلى أنه في سياق دعم مقترضي المؤسسة، زادت الأخيرة خلال الفترة الماضية من حجم المنح الطلابية الجامعية لأبناء المقترضين الأكثر استحقاقاً وفق معايير معينة، أهمها الوضع المالي للمقترض، وذلك من خلال صندوق الطالب التابع للمؤسسة، مؤكدة حرص المؤسسة على مواصلة دعمها لعملية التنمية ومحاربتها للفقر والبطالة عبر استهدافها للفئات المهمشة، وذلك بالرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي أثرت على قطاع غزة وسوق الإقراض الصغير بشكل خاص.
بدوره أشار مدير الجمعية الفلسطينية لصاحبات الأعمال "أصالة" في قطاع غزة سامي حمودة إلى أن مؤسسة أصالة توقفت كلياً عن تقديم القروض منذ شهر حزيران من العام 2017، وذلك في أعقاب الخصومات على رواتب الموظفين العموميين.
وقال حمودة: "مع بداية الخصومات على رواتب الموظفين، بدأت حالة من الركود في النشاطات الاقتصادية بشكل عام، بسبب ضعف القدرة الشرائية لدى المستهلك ما أدى إلى خسائر كبيره لدى أصحاب المشاريع، وبالتالي انعكس ذلك سلبا وبشكل واضح على المؤسسات المانحة للقروض وفي ذات الوقت انخفضت نسب السداد وارتفعت مؤشرات المخاطرة".
تداعي قاعدة الكفلاء المؤهلين
وبين أن قاعدة الكفلاء المؤهلين للكفالة تكاد تكون معدومة بسبب أن جميع الموظفين العموميين لديهم قروض أو كفالات لمؤسسات وبنوك، ومع خصم الرواتب وتحويل عدد كبير منهم إلى التقاعد، أدى ذلك إلى ارتفاع مؤشرات المخاطرة حسب تقييم سلطة النقد، بما يتعدى الحد المقبول والمسموح به لدى مؤسسات الإقراض بشكل عام.
ونوه حمودة إلى تعثر سداد القروض المكفولة من قبل موظفي القطاع الخاص، ما أثر سلباً على تقييمهم ككفلاء لدى مؤسسات الإقراض، ما كان له الأثر الكبير على حجم القروض الممنوحة.
وبين أن أصالة تعاملت مع المتعثرين غير الملتزمين بسداد الأقساط المترتبة عليهم بموجب تقييم الحالات بصورة فردية، وبحثت الحلول المقترحة مع المقترضين المتعثرين وكفلائهم، بحيث تتم جدولة القرض بما يتناسب مع قدرتهم على السداد، مؤكداً أنه حال استمرار الأوضاع الاقتصادية الصعبة فإن ذلك سيؤثر على قدرة مؤسسات الإقراض وفرص استمرارها في تقديم خدماتها في قطاع غزة.