دبي/الرياض (رويترز) - يمضي مستثمرون كبار في السعودية قدما في إبرام صفقات وضخ أموال مجددا في سوق الأسهم، مع محاولة المملكة تجاوز أزمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وأدى مقتل خاشقجي على أيدي عملاء سعوديين في أكتوبر تشرين الأول إلى توتر العلاقات مع حلفاء غربيين. وترغب الرياض في إصلاح صورتها. وتريد المملكة أن تجذب رؤوس أموال أجنبية ومعرفة تكنولوجية في إطار رؤية 2030، وهي خطة إصلاحات لتنويع اقتصاد أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، وخلق وظائف للسعوديين.
وقالت بعض الحكومات الغربية إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ضالع في الجريمة. وتنفي الحكومة السعودية أي صلة لولي العهد بالجريمة.
وبسبب هذه القضية، نأت بعض الشركات الغربية في قطاعي التكنولوجيا والترفيه بنفسها عن السعودية. لكن شركات أمريكية كبرى عديدة قالت لرويترز إنها تواصل خططها في أكبر اقتصاد عربي.
وقالت داو كيميكال إنها ملتزمة ببناء مصنع للبوليمر يتكلف 100 مليون دولار في الجبيل، وستستكمل دراسة جدوى بنهاية 2019 لمجمع آخر لإنتاج السيلوكسانات والسيليكون.
وتمضي مجموعة هنيويل انترناشونال للتكنولوجيا والصناعات التحويلية قدما في مشروعات لتوفير سلع وخدمات محليا لصالح أرامكو السعودية النفطية الحكومية العملاقة، في إطار اتفاقية بقيمة 3.6 مليار دولار في 2017.
وقالت جنرال إليكتريك إنها تواصل خططها بعدما وقعت صفقات مع المملكة بقيمة 15 مليار دولار في 2017.
وقال متحدث باسم جنرال إليكتريك ”نواصل خططنا بعد اتفاقيات لدعم البنية التحتية المحلية، والنمو في قطاعات الكهرباء والنفط والغاز والرعاية الصحية والطيران المدني والتكنولوجيا الرقمية“.
وتريد الرياض أن تُظهر أن الأمور تمضي كالمعتاد، وأرسلت وفدا رفيع المستوى إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، وملأت جدول أعمال المسؤولين بالاجتماعات.
وفي الشهر الماضي، أعلنت المملكة عن صفقات بقيمة 54.4 مليار دولار، وعرضت حوافز جديدة بموجب برنامج صناعي مدته عشر سنوات يهدف إلى جذب استثمارات بنحو 427 مليار دولار.
ووافق ولي العهد، وهو مهندس الإصلاحات، على صفقات عديدة الشهر الماضي خلال جولة في آسيا، من بينها اتفاقيات بقيمة 28 مليار دولار مع الصين.
وأسدلت المملكة أيضا الستار على حملة لمكافحة الفساد استمرت 15 شهرا، وطالت أمراء ووزراء ورجال أعمال كبار وأقلقت المستثمرين.
التجارة تنسى سريعا
يبدو أن اهتمام المستثمرين الأجانب عاد مجددا، حيث ضخوا 6.94 مليار ريال (1.85 مليار دولار) في سوق الأسهم السعودية في أول شهرين من عام 2019، بحسب بيانات بورصة المملكة. وارتفع المؤشر الرئيسي للسوق بما يزيد عن ثمانية في المئة محققا أداء أفضل من مؤشرات الأسهم الخليجية الأخرى، مقارنة مع تراجعه بنحو تسعة في المئة خلال أسبوعين بعد اختفاء خاشقجي ومقتله.
ولم يشارك مسؤولون تنفيذيون كثيرون في منتدى استثماري كبير في الرياض العام الماضي، لكن دبلوماسيا غربيا قال إن من المتوقع أن يجذب منتدى هذا العام أسماء كبيرة.
وتابع ”تميل التجارة إلى النسيان بأسرع مما ينسى الضمير الاجتماعي“.
ويقول مصرفيون إن المستثمرين يترقبون الآن إدراج الأسهم السعودية على مؤشر إم.إس.سي.آي للأسواق الناشئة هذا العام، ويركزون على وتيرة الإصلاحات الاقتصادية.
وقال نيك ولسون رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الخليجي، وحجمه 100 مليون دولار ويخطط لزيادة تعرضه للأسهم السعودية التي يرى أنها تستفيد من الإصلاحات، ”هناك فرص كثيرة للغاية للاستثمار في السعودية“.
وتابع ”ما حدث شئ بغيض وأثار فزع الناس لأسبوعين، لكن في نهاية المطاف فإن العمل عمل“.
وأشار ولسون إلى مشروعات لدعم الاقتصاد مثل مدينة نيوم الاقتصادية التي تتكلف 500 مليار دولار.
وقال توماس باراك رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لدى كولوني كابيتال الأمريكية لإدارة الاستثمار خلال مؤتمر في أبوظبي الشهر الماضي إنه كان من الخطأ ”أن نُملي ما نعتقد أنه قانون أخلاقي“.
واتفقت كولوني كابيتال على شراء حصة في الأنشطة العقارية لأكور الفرنسية بجانب صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وهو الذراع المالية لرؤية 2030.
سمعة سيئة
نأت شركات غربية أخرى بنفسها عن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي لديه أصول مدارة بما يزيد عن 250 مليار دولار.
وقال الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون في أكتوبر تشرين الأول إن مجموعته فيرجين أوقفت محادثات مع صندوق الاستثمارات العامة حول استثمار مزمع بقيمة مليار دولار في مشروعات فضاء للمجموعة، وعلق أيضا إدارته لمشروعين في قطاع السياحة السعودي. وقال متحدث باسم مجموعة فيرجين إن ما قاله ما زال قائما.
وقال مصدر مطلع إن إنديفور بهوليوود وصندوق الاستثمارات العامة ”انفصلا عن بعضهما“ بعد محادثات حول استثمار للصندوق بنحو 400 مليون دولار.
وأبدت شركات هوليوود قلقها من التأثير المتعلق بالسمعة على أعمالها بعد مقتل خاشقجي، حسبما قال مصدر ثان. ولم تستجب إنديفور لطلب من رويترز للتعقيب.
وكان صندوق الاستثمارات العامة يتطلع للاستحواذ على حصة بنحو 700 مليون دولار في ليجيندري إنترتينمنت الأمريكية لاستديوهات السينما، لكنه يواجه معارضة من المسؤولين التنفيذيين في ليجيندري، بحسب ما أوردته رويترز في وقت سابق.
وقال مصدر مطلع إن الصفقة ما زالت تواجه نفس المشاكل. ولم تستجب ليجيندري أو صندوق الاستثمارات العامة لطلبات للتعليق. وطلبت المصادر عدم الكشف عن هوياتها نظرا لحساسية مثل تلك الصفقات.
وقال دبلوماسي غربي آخر إن الخوف من اكتساب سمعة سيئة جعل بعض القادمين المحتملين يُحجمون عن دخول سوق المملكة، خشية تداعيات سلبية في سوقهم المحلية، بينما تحتاج الشركات الجديدة على السوق إلى ”من يأخذ بيدها“.
وقال مارك موبياس، المستثمر البارز في الأسواق الناشئة، للصحفيين في دبي هذا الأسبوع ”أعتقد أن الأمر سيستغرق عاما إلى عامين قبل أن يبدأ الناس حقيقةً في القول بأن السعودية هي المكان المنشود لهم“.