الكويت (رويترز) - عندما عاد علي الإبراهيم إلى وطنه الكويت بعد أن أتم دراسته في إدارة الأعمال والتكنولوجيا بالولايات المتحدة لم يتجه نحو العمل الحكومي الذي بمنزلة الملاذ الآمن لنحو 90 بالمئة من الكويتيين، بل قرر أن يغامر ويؤسس ”كوفي آب“ وهو تطبيق للهواتف الذكية يقدم خدماته لعشاق القهوة.
لم تمض بضعة أشهر على انطلاق المشروع حتى كان كوفي آب، الذي يتيح خدمات من بينها توصيل القهوة من أقرب متجر للمستخدم، قد نال ثقة مستثمرين من بينهم صناديق وأفراد من الشرق الأوسط ووادي السليكون ليجمع 3.2 مليون دولار خلال جولة استثمارية.
ولا يختلف مشروع كوفي آب عن كثير من المشاريع الأخرى التي تعتمد على تطبيقات المحمول والتي انتشرت وازدهرت بقوة خلال السنوات القليلة الماضية في الكويت وحققت نجاحات سريعة أغرت كثيرا من الشباب للسير في ذلك الاتجاه غير التقليدي.
ويساعد على انتشار مثل تلك المشاريع ارتفاع مستوى المعيشة في الكويت عضو أوبك، وانتشار استخدام الأجهزة المتقدمة، ورغبة كثير من الكويتيين في الحصول على خدمات ذات جودة عالية.
يقول أنور الحربي خبير تكنولوجيا المعلومات المستقل إنه ”مجال واعد جدا وبكر“ في الكويت والمنطقة عموما، معتبرا أن نجاح أي مشروع قد يتيح له انطلاقة إقليمية وعالمية.
”هو المستقبل“
أضاف الحربي أن انتشار الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية بالإضافة لشبكة الاتصالات القوية بالكويت وتوافر البنية التحتية وانتشار ثقافة الإنترنت يسهم كثيرا في نجاح هذه المشاريع.
وتتغلغل هذه المشاريع في قطاعات شتى ولا تخلو من الابتكار في أحيان كثيرة، لكن يغلب عليها طابع توصيل الطلبات والسلع الاستهلاكية والخدمات التعليمية والصحية وحتى المساعدة على الطريق والخدمات المالية والإعلامية.
وللكويت سجل تاريخي مميز في مجالات التجارة والأعمال الخاصة، لكن اعتماد البلد الخليجي على الثروة النفطية الهائلة خلال العقود الأخيرة جعل غالبية المواطنين تفضل العمل في القطاع الحكومي للتمتع بمزايا مثل العطلات الطويلة والحوافز المالية الضخمة.
لكن الدولة وجهت اهتمامها في السنوات الأخيرة لدعم المبادرين، لا سيما أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ووفرت لهم جانبا من التمويل مع حفظ وظائفهم الحكومية إن رغبوا في العودة إليها إذا فشلت مبادراتهم، وشجعتهم بشتى الوسائل بما فيها تقديم حوافز مالية حكومية للعاملين في القطاع الخاص.
تستلهم المشاريع في كثير من الأحيان نماذج غربية ولا تخلو أفكارها من بصمة واضحة لميول أصحابها واهتماماتهم الشخصية.
يقول الإبراهيم، الذي يشغل أيضا منصب الرئيس التنفيذي لشركته، إنه من محبي القهوة وقد استوحى فكرة مشروعه من خبرته السابقة في الولايات المتحدة حيث كان يعتمد على تطبيق للحصول على قهوته المفضلة فأراد أن ينشئ تطبيقا يكون بمنزلة سوق للقهوة في الكويت وينطلق منه لدول الخليج الأخرى.
وأضاف ”الكويت مليئة بالمشاريع الصغيرة والتجارب الناجحة، فقلت لماذا لا أخطو هذه الخطوة وأبدأ مشروعي الخاص“.
وفي أواخر العام الماضي، اختارت فوربس كوفي آب ضمن قائمة أبرز 50 شركة ناشئة في العالم العربي وكانت الشركة، بحسب الإبراهيم، الشركة الكويتية الوحيدة على القائمة في 2018.
ويسعى الإبراهيم للتوسع في منطقة الخليج ودخول مدن جديدة ويضع عينه بشكل خاص على السوق السعودية، الأكبر في الخليج.
وترى بشاير الزايد وهي شابة كويتية تعمل في مشروع كوفي آب أن الثقافة العامة التي أصبحت مرتبطة بالمحمول ومواقع الإنترنت جعلت شبانا كثيرين يفكرون في تنفيذ مشاريع تعتمد على الاحتياجات اليومية للناس، والتي غالبا ما يكون لها علاقة بتطبيقات الهاتف المحمول أو يمكن تنفيذها من خلالها.
وتقول ”أي مشروع يمكن أن يكون مربحا والأمر يعتمد على صاحب الفكرة، لكن مشاريع الموبايل هي المستقبل ومشاريعه مربحة لأن الشباب الكويتي يرغب في استخدام وقته بالطريقة الصحيحة“.
”نموذج مربح“
تطبيق ”نبض“ الذي يتيح قراءة الأخبار ومشاركتها لمستخدمي الهواتف الذكية، هو قصة أخرى لمشروع نشأ في الكويت واعتمد على المحمول وانتشر في دول عربية عدة منها الإمارات والسعودية ومصر والأردن ليصبح منصة إخبارية مخصصة للمستخدمين العرب.
ويقول القائمون على التطبيق إنه تجاوز العشرين مليون تحميل وإن عدد الصفحات المعروضة من خلاله يفوق 600 مليون صفحة شهريا، وجرى اختياره ضمن قائمة أفضل التطبيقات من قبل شركة أبل في 2014 ثم من جوجل في 2015.
ويقول عبد الله السيد، أحد مؤسسي نبض ورئيس قسم التطوير فيه إن الشركة تعتمد على ”نموذج عمل مربح“ حيث تربطها علاقات وطيدة بأكبر المعلنين ووكالات الدعاية والإعلان على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.
وأضاف أن هذا النموذج جعل الشركة تحقق ”نتائج إيجابية والوصول بمعدل زيادة الأرباح سنويا إلى 35 بالمئة“.
التمويل يدخل على الخط
أغرى الصعود السريع لبعض المشاريع المعتمدة على المحمول بعض البنوك وشركات الاستثمار بدخول المجال في محاولة منها لقطف ثماره ومشاركة قصص النجاح.
من هذه الشركات كيه.آي.إس.بي فينتشرز التي يبلغ رأسمالها 35 مليون دولار وتستثمر في قطاع شركات التكنولوجيا الناشئة، حيث تبحث عن المشاريع الواعدة لكي تستحوذ عليها أو تشارك فيها وتقدم لها الدعم المالي والخبرة وتحويلها من مشروع فردي إلى مؤسسة.
يقول محمود المرزوق الرئيس التنفيذي للشركة إن نسبة نجاح الشركات الناشئة المعتمدة على التكنولوجيا قد تكون متوسطة ”لكن إذا نجحت الشركة يكون نجاحها كبيرا جدا“.
ويضيف ”هذا المجال لا يحكمه قانون معين، هو توفيق من الله، وقد تبدأ اليوم بعشرين ألف (دينار) وممكن بعد شهرين يصبح هذا الرقم صفرا أو 200 ألف“.
ويقول المرزوق إنه لا يوجد إحصاء للشركات المعتمدة على المحمول بالكويت لكنه قدر أن أعدادها تنمو أكثر من 50 بالمئة سنويا ”والسوق وإن كان صغيرا إلا أنه صاعد، لا سيما أن أغلب الزيادة السكانية هي من فئة الشباب“.
وقال الحربي خبير تكنولوجيا المعلومات إن السوق الكويتية من أحدث وأنشط الأسواق في مجال المشاريع المعتمدة على المحمول معتبرا أن كثيرا من المشاريع التي بدأت أفكارا صغيرة أصبح الاعتماد عليها اليوم كبيرا حتى في مؤسسات بعض الدول.