نابلس-الجزيرة-عاطف دغلس-منذ خمس سنوات يستعمل الفلسطيني عدنان بدوي (40 عاما) بطاقة "سلكوم" الإسرائيلية للاتصال الخلوي، يحاول بذلك التخفيف عن نفسه من نفقات عالية جدا يتكلفها بانضمامه إلى شركات اتصال فلسطينية.
لم يجد بدوي -نظرا لطبيعة عمله وتنقله داخل مناطق تسيطر عليها إسرائيل- حرجا من استخدامه للشبكة الإسرائيلية، وعلى الصعيد المادي فإن عروضها "مغرية" مقابل ما تقدمه نظيراتها الفلسطينية التي لم يوقف تعامله معها "رغم فرق الأسعار الخيالي".
في السوق الفلسطينية-الضفة الغربية وغزة- تعمل شركتان للاتصالات الخلوية بشكل رسمي هما "جوّال" وهي أحد أذرع مجموعة الاتصالات الفلسطينية، و"الوطنية موبايل" (أوريدو حاليا)، وتغزوه بالمقابل ثماني شركات إسرائيلية أبرزها سلكوم وأورانج وبلفون وجولان، تعمل بشكل غير قانوني وتوزع ستمئة ألف شريحة.
يدفع الرجل نحو عشرين دولارا ثمنا لاستخدامه الشريحة الإسرائيلية، ويحصل على اتصال مفتوح وتحميل غير محدود و"أكثر جودة" للإنترنت وخدمات مجانية جمَّة، بينما يتكبَّد ثلاثة أضعاف المبلغ نتيجة استعماله واحدة من الشبكات الفلسطينية التي تقدم له خدمات وعروضا "محدودة ورديئة"، حسب وصفه.
خسائر مضاعفة
وحذَّرت وثيقة وزعت بمعرض فلسطين التقني "إكسبوتك 2018" الذي انطلق قبل أيام بمدينة رام الله في الضفة الغربية من استعمال الشرائح الإسرائيلية التي قالوا إنها وصلت إلى ستمائة ألف خلال العام الحالي ومرشحة لبلوغ المليون خلال العامين القادمين.
سيدفع الفلسطينيون أيضا -حسب الوثيقة نفسها- 355 مليون شيكل سنويا (نحو 100 مليون دولار) سترتفع إلى 661 مليونا بحلول 2020، وهو ما سيكبد الخزينة الفلسطينية خسارة بـ116 مليون شيكل خلال نفس الفترة.
وتقاوم الشركات الفلسطينية بشراسة لحماية المستهلك، وقد حذرت عبر حملات إعلانية أطلقتها من التعامل مع شركات الاحتلال، مستفيدة من المادة 96 في قانون الاتصال التي تمنع مزاولة مهنة الاتصالات والاتجار بها دون ترخيص، وهو ما لا تمنحه السلطة الفلسطينية للشركات الإسرائيلية.
كما تحذر الوثيقة من "المخاطر الأمنية" لتلك المزاولة كعدم القدرة على الملاحقة الأمنية لمرتكبي الجرائم الإلكترونية، وتسهيل السيطرة على الأرض، ومصادرتها لصالح الاستيطان عبر نصب الأبراج لتقوية شبكات البث.
تزايد المستخدمين
ورغم ذلك، لا يمنع هذا من "ازدياد" أعداد المستخدمين الفلسطينيين للشبكات الإسرائيلية حسب الصحفي الفلسطيني المختص بالشأن الاقتصادي محمد خبيصة، عازيا ذلك إلى "الفجوة المهولة" بين الأسعار لأن شركات الاحتلال "لا تدفع ضرائب وليس لها مراكز خدمات بالمناطق الفلسطينية".
هناك أيضا ضعف في الشبكات الفلسطينية بمناطق "بي" و"سي" المُسيطر عليها إسرائيليا، حيث لا يسمح للفلسطينيين بتركيب أبراج لتقوية البث أو ملاحقة المروجين لتلك الشرائح، إضافة إلى الحاجة الاقتصادية والعلاقات التجارية المتمثلة في آلاف العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر.
لكن الشاب الفلسطيني نزيه خالد الذي يعمل في نقطة لبيع خدمات الاتصال الفلسطينية، يرى أن هروب المستهلكين لشركات الاحتلال ناجم عن الشعور بالغبن في التعامل مع الشركات الفلسطينية، وخاصة في طريقة طرح العروض والضرائب "المضاعفة" التي تتبعها.
ويستخدم شبكة "جوَّال" قرابة 3.1 ملايين فلسطيني، بينما تقدم أوريدو خدماتها لأكثر من 1.24 مليون مشترك حتى النصف الأول من العام الجاري.
تحركات مقيدة
ولردعها اشتكت السلطة الفلسطينية إسرائيل إلى المحافل الدولية، خاصة اللجنة الرباعية الدولية والاتحاد الدولي للاتصالات لإطلاعهم على انتهاكات الاحتلال للاتفاقات المبرمة (أوسلو)، احتجت لدى الاحتلال نفسه واتهمته بسرقة "الموارد الطبيعية" لا سيما الموجات الكهرومغناطيسية وتوظيفها لصالح الاستيطان، وفق وكيل وزارة الاتصالات الفلسطينية سليمان الزهيري.
كما يحرم الاحتلال الفلسطينيين من الترددات اللازمة ويمنعهم من إقامة أبراج البث وتقوية الشبكات خاصة في مناطق "سي"، حيث يستبيحها ويعمل فيها وفي أكثر من مكان بالضفة دون ترخيص.
وفلسطينيا تسعى الجهات المسؤولة -وفق الزهيري- للتخفيف من "الأعباء المترتبة" على كاهل المواطن، خاصة المتعلقة بالغلاء، بتوزيعها بينها وبين المواطن وشركات الاتصال، والضغط على الأخيرة لتحسين الخدمات تقنيا وتخفيض سعرها.
وفي السياق ذاته تتواصل الحملات الإعلانية التي تحذر من التعامل بالشرائح الإسرائيلية، ومعها تشرع الأجهزة الأمنية في ملاحقة المروجين لها.
ويعلِّل وكيل الوزارة "الفجوة الرقمية الكبيرة جدا" بين ما تقدمه الشبكات الإسرائيلية ونظيرتها الفلسطينية للمبالغ "الضخمة" التي تتكلفها الشركات الفلسطينية نتيجة لقيود الاحتلال، وبالتالي "غلاء" خدماتها المطروحة بالسوق.