رام الله- عقد الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة اليوم الأربعاء في قاعة الهلال الأحمر في البيرة مؤتمره الثامن للعام 2018، والذي عرّج من خلال استعراض أربع أوراق بحثية، من شأنها تعزيز الشفافية في الموازنة العامة، وحق المواطن في الاطلاع على المعلومات المالية العامة والمشاركة والرقابة والمساءلة على إدارة المال والشأن العام، ومواجهة التحديات التي تقوّض عملية التنمية سيما المجالات التي تؤدي الى استنزاف واختراق للموازنة العامة، كنظام التأمين الصحي الحالي، فضلا عن مجالات أخرى تشكل هامشاً كبيراً لزيادة ايرادات الموازنة العامة كالهيئة العامة للبترول، و تخلل المؤتمر عرضاً لنتائج المسح الدولي حول "ممارسات الشفافية والتشاركية في إدارة الموازنة العامة الفلسطينية"، وتم فيه استعراض ورقة الفريق الأهلي التحليلية للموازنة نصف السنوية للعام 2018.
استهل المؤتمر مجدي أبو زيد، المدير التنفيذي للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة- أمان، بكلمة افتتاحية بالنيابة عن السيد عبد القادر الحسيني، رئيس مجلس إدارة الائتلاف، معبرا عن امتعاضه من عدم حضور أي ممثل عن وزارة المالية بالرغم من المراسلات الكثيرة ودعوتهم للمؤتمر، ما اعتبره تجاهلا متعمدا وغير مقبولا للمجتمع المدني ولحق المواطنين في الاطلاع على المعلومات من مصادرها الأصلية، والحق أيضا في مساءلة المسؤولين عن إدارة الشأن والمال العام.
وأشاد أبو زيد بدور الفريق الأهلي، الذي بات عنواناً واضحاً وجهة رقابية موثوقة للرقابة على تنفيذ الموازنة العامة، حيث استطاع من خلال جهوده الحثيثة وتقاريره المتخصصة أن يقدم توصيات واضحة ومحددة لترشيد النفقات، وزيادة الإيرادات، ما انعكس على تبني الحكومة لمجموعة من التوصيات الصادرة عنه، كإلزام الأخيرة بنشر موازنة المواطن باللغة العربية، والتي نشرت للمرة الأولى عام 2011، بتعاون وثيق ما بين الفريق الاهلي ووزارة المالية الفلسطينية.
وطالب أبو زيد الحكومة بنشر خطة ترشيد الإنفاق العام بكافة عناصرها المتكاملة من أهداف وآليات ومسؤوليات مكتوبة، ومعنونة كل جهة حسب مسؤولياتها، والتي لم تر النور برغم دعوة الحكومة الى تبنيها منذ أكثر من عامين، مؤكداً على رؤية ائتلاف أمان، بألا تمس تلك الخطة بالبرامج الداعمة للفقراء والفئات المهمشة.
عمل الفريق الأهلي ليس بديلا عن دور المجلس التشريعي
وأوضح أبو زيد في كلمته أن عمل الفريق الأهلي ليس بديلا عن دور المجلس التشريعي في الرقابة والمساءلة، وتضمين أولويات المواطنين، وانما شريكاً في اتخاذ القرارات وصياغة توصيات منسجمة مع مصلحة المواطن وأقرب لتحقيق العدالة المجتمعية. ودعا بدوره المؤسسات الحكومية ومجلس الوزراء، ووزارة المالية تحديدا إلى التكثيف من جهودها لاتباع النهج التشاركي، والعمل قدماً نحو سياسات مالية قادرة على تحدي الأزمات المالية، والانفتاح أكثر على مؤسسات المجتمع المدني والفريق الأهلي والاعلام.
وعن النتيجة الصادمة لاستطلاع الرأي الذي قام به الائتلاف على صفحاته على منصات التواصل الاجتماعي، حول إشراك المواطن في تحديد أولويات الموازنة العامة في فلسطين، أشار أبو زيد الى ان 88% من المستطلعين أفادوا بعدم إشراكهم في تحديد الأولويات، وهي نتيجة تستوجب الوقوف وإعادة النظر بمبدأ التشاركية.
إدارة الموازنة الفلسطينية لا تلتزم بغالبية المعايير والمؤشرات الدولية للموازنة المفتوحة
استعرض الباحث المختص والخبير الاقتصادي، الدكتور نصر عبد الكريم، نتائج المسح الدولي حول:"ممارسات الشفافية والتشاركية في إدارة الموازنة العامة الفلسطينية"، منوّهاً أنها المرة الأولى التي يقوم بها الفريق الأهلي بتنفيذ تقييم مستوى ممارسات الشفافية والشراكة والمساءلة المتصلة بإدارة الموازنة العامة الفلسطينية، على ضوء المعايير والمؤشرات، استنادا الى دليل إعداد مسح الموازنة المفتوحة المقترح من منظمة شراكة الدولية للموازنة، الذي يقوم على فحص مقارن بين الدول لمقدار الشفافية والمساءلة التي تمارسها الحكومات خلال دورة الموازنة، ومراحلها الأربعة من: إعداد، إقرار واعتماد من السلطة التشريعية، تنفيذ الموازنة، والرقابة على تنفيذها.
وقد أشار عبد الكريم أن مسح الموازنة العامة يتشكل من 142 مؤشرا مختصا لفحص مدى شفافية نظام الموازنة، وهو يركز على المطبق فعليا وليس على الأحكام القانونية، حيث أظهرت نتائج المراجعات والمقارنات أن إدارة الموازنة الفلسطينية لا تلتزم بغالبية المعايير والمؤشرات الدولية للموازنة المفتوحة.
ومن النتائج اللافتة للانتباه أن تعطل المجلس التشريعي الفلسطيني بسبب الانقسام الداخلي، كان السبب الأول والمباشر في عدم استجابة موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية لمعظم المعايير والمؤشرات الدولية للموازنة المفتوحة. فإن مقترح الموازنة لا يقدم أصلاً الى المجلس التشريعي، وبالكاد تم عرض مقترح موازنة العام 2018 على بعض الكتل البرلمانية.
مشاركة المواطن شكلية والأرقام صماء
وفيما يخص توافر الوثائق الرئيسية للموازنة العامة، فإن الحكومة في أغلب الأحيان لا تلتزم بالمواعيد القانونية لإقرار واعتماد الموازنة العامة، والأخطر أن القانون قد أتاح للحكومة تأخير إقرار واعتماد الموازنة حتى 31 آذار، أي بعد ثلاثة شهور من بداية السنة المالية، إضافة أن العديد من الوثائق غير متاحة للجمهور، بإستثناء "موازنة المواطن" التي نشرت بضغط الفريق الأهلي وعلى الموقع الالكتروني فقط. بيد أن التقارير الدورية الشهرية والربعية التي تنشرها وزارة المالية والتخطيط على صفحتها هي أرقام صماء، غير مرفقة بشروحات وتوضيحات بيانية، ما يشير أنها لا تفي بالغرض حسب دليل مسح الموازنة المفتوحة الدولي. تلخص الورقة البحثية توكيد الحكومة ما ورد في أجندة السياسات الوطنية 2017/2022على تعزيز الشفافية والإنفتاح أكثر على المواطنين وتمكينهم من الوصول للمعلومات، إلا أن نتائج المسج أشارت بأن المشاركة شكلية وآلياتها شحيحة، وهي انتقائية لبعض المؤسسات الأهلية.
توصيات تقرير مسح الموازنة
وأوصى الفريق الاهلي بضرورة مطابقة مسميات وثائق الموازنة العامة الفلسطينية بما يقابلها من مسميات في دليل إعداد مسح الموازنة المفتوحة الدولي، كذلك على التزام وزارة المالية والتخطيط بتقديم وثائق الموازنة العامة طبقا للأوقات والمواعيد المحددة لها في القانون الأساسي، وإتاحة الفرصة لإجراء نقاشات عامة عليها. ومن جهة أخرى تحسين تصنيفات الإيرادات والنفقات وتقديرات الدين العام من خلال تفصيلها وتقديمها حسب مصادرها المفردة، والإفصاح عن الأموال خارج الموازنة، وعن الأصول المالية وغير المالية التي تمتلكها الحكومة، وإجراء التحديث المستمر عليها في سياق عملية تنفيذ الموازنة، وذلك لتحسين شمولية محتوى الموازنة والوثائق الداعمة لها، والسير قدما في تطبيق موازنة البرامج والأداء والتي تبنتها أو أعلنت عن تبنيها وزارة المالية في العام2010، وأن تطرح وزارة المالية والتخطيط موازنة المواطنين لكل مرحلة من المراحل الأربعة لدورة الموازنة، وذلك لتمكين المواطنين من معرفة ما يجري من حيث الإدارة المالية العامة في جميع مراحل دورة الموازنة العامة بأكملها، كذلك عدم التأخر في إصدار ونشر الحسابات الختامية، اذ ما زالت الحسابات الختامية منذ العام 2012 غير صادرة حتى هذا التاريخ. كما دعا الفريق الأهلي في توصياته المرفوعة الى ضمان استقلالية ديوان الرقابة المالية والإدارية، إذ لا يجوز تعيين أو إقالة رئيس جهاز الرقابة الأعلى، إلا من خلال السلطة التشريعية أو السلطة القضائية، وأـن يقوم بنشر مراجعاته على أساس سنوي.
استعراض التقرير النصف سنوي حول أداء الموازنة العامة لعام 2018
واستعرضت لميس فراج، مسؤولة التدقيق المجتمعي في ائتلاف أمان التقرير النصف سنوي حول أداء الموازنة العامة لعام 2018، والذي يقدم تحليلا لمدى التزام الحكومة بالسياسات المالية المعتمدة. ولخص التقرير إشكالية عدم تحقيق مبدأ الشفافية، وإشراك المجتمع المدني والمواطن في تحديد الأولويات، والإفصاح عن المعلومات في الوقت المناسب، مظهراً فجوة جليّة بين السياسات المعلن عنها ومدى تطبيقها، بالإضافة الى إشكالية وضع سياسات مالية عامة، دون تحديدها ضمن إطار زمني واضح وأدوات دقيقة لتحقيقها، الأمر الذي أدى إلى ضعف المضي في تحقيق تلك السياسات. وأشارت فراج بعدم التزام الحكومة بالمواعيد النظامية والملزمة التي حددها قانون الموازنة في الإعداد والتقديم والإقرار والمصادقة والنشر والمتابعة، كما لم تعكس المعطيات المنشورة من إيرادات ونفقات مباشرة أو تحويلية ما يتم تحصيله من قطاع غزة أو إنفاقه، الأمر الذي يتيح الفرصة للسلطة وحكومة حماس من استخدام الأرقام بدون الاستناد إلى ما تظهره نتائج الإيرادات والنفقات المنشورة. كما أشار التقرير إلى إشكاليات بنيوية في آلية توزيع الموازنة، حيث ما زالت موازنة وزارة الداخلية والأمن العام تستحوذ على نصيب الأسد منها.
وقد أظهر التقرير أنه وبالرغم من التخفيض الذي نتج في فاتورة الرواتب والأجور، إلا أن التخفيض المذكور ناتج بسبب إحالة 24 ألف موظفاً إلى التقاعد المبكر خلال العامين الماضي والحالي، كما أن هناك أزمة مستمرة في مسألة الديون المتراكمة، إذ بلغ الدين العام 8.6 مليار شيقل، وديون صندوق التقاعد 7 مليار شيقل، والمتأخرات 1.2 مليار شيقل، في ظل العجز المزمن والمستمر، وعدم النجاح في خفض صافي الإقراض بشكل جدي، ما يدل على عدم التقدم في إصلاح نظام الـتأمين الصحي وموضوع الكهرباء، الأمر الذي يستدعي تبني سياسة مالية شفافة بشأن سداد ديون صندوق هيئة التقاعد، إضافة إلى انتظام دفع المتأخرات للقطاع الخاص، بالترافق مع زيادة التوسع الأفقي للضريبة وتحسين فعالية الجباية، ووقف التجنب والتهرب الضريبي، ومكافحة أكثر صرامة لظاهرة تهريب التبغ.
كما أوصى التقرير أن على الحكومة التكيف مع الوضع الجديد ووضع خطة للتقشف ومواجهة الأزمة المالية والعجز الحالي بعيداً عن الطرق الارتجالية، التي تلحق الضرر بمصالح القطاعات التنموية والاجتماعية والخدمات العامة.
نحو نظام تأمين صحي شامل وإلزامي لجميع المواطنين
وقد استعرض الدكتور فتحي أبو مغلي، وزير الصحة السابق ورقة بحثية مشخصاً واقع نظام التأمين الصحي الحالي، وحجم الأعباء فيه، وأثره على الحق بالصحة، مبيناً الثغرات كونه غير إلزامي لجميع شرائح المجتمع، فهو محصور لموظفي الحكومة وبعض المؤسسات شبه الحكومية، واختياري لباقي فئات المواطنين؛ كما أن المواطن غير المؤمن يستطيع أن ينضم للتأمين الصحي عند احتياجه للخدمة فقط، الأمر الذي يتنافى ومبدأ العدالة والمساواة في تقاسم المخاطر. وقد بين أبو مغلي أيضا واقع نظام صندوق التأمين الصحي القائم بوصفه نظاماً فاشلاً ومهترئاً، وأن الإصلاحات الحالية، هي محاولة لترقيعه، ولتدارك الأعباء المالية المرهقة والمترتبة على وزارة الصحة فقط. إذ تعد الميزانيات التطويرية في وزارة الصحة هامشية؛ ولا تعكس رؤى طموحة لتطوير حقيقي لمستوى الخدمات وجودتها، كما أن الدخل المتحقق لوزارة الصحة -من نظام التأمين الصحي الحالي ومن مساهمات المرضى في العلاج ومن أي رسوم أخرى- لا يشكل أكثر من 10% من ميزانية وزارة الصحة، إضافة الى أن تطوير الخدمات والبنى التحتية للقطاع الصحي من أبنية وتجهيزات وقوى بشرية عاملة في الحقل الصحي، تحتاج لرصد ميزانيات كبيرة تعكس الرؤى الموضوعة في الخطة الاستراتيجية الصحية 2017 -2022.
وطالب الفريق الأهلي هنا باستحداث نظام صحي جديد، يكون مؤهلاً وقادرا على توفير خدمات صحية شاملة عالية الجودة وبكلفة معقولة، لكافة السكان ولا تتسبب في إفقار الأسر محدودة الدخل، على نحو يحقق العدالة والمساواة بين جميع السكان في إمكانية الوصول لنفس الخدمات وبشكل مستدام.
الفوضى وعدم العدالة في نظام التأمين الصحي الحالي
وفي تعقيب للدكتور ياسر أبو صفية، رئيس اتحاد المستشفيات الأهلية والخاصة، وصف ما يعتري نظام التأمين الحالي بالفوضى وعدم العدالة، مثيرا التساؤل حول من يدفع فاتورة المؤمّنين من المقدسيين، والذين يدفعون أيضا تأمينات لصناديق الاحتلال، كذلك المؤمنين ممن يحملون كرت وكالة الغوث واللاجئين، وتبلغ نسبتهم نحو 40%، والمؤمّنين من سكان غزة، والذين يتميزون بتغطية شاملة. وتطرق د. أبو صفية الى تغطية الوكالة لنحو 70% من تكاليف العلاج، فيما تغطي وزارة الصحة لنحو 90%، وأن التأرجح ما بين الانتقال من تأمين لآخر يفضي الى التهرب من مساهمة المؤمّن بتغطية ما تبقى من تكاليف العلاج. إضافة لذلك، تطرق أبو صفية لحجم الانفاق على رزمة من الأمراض، ما يثير تساؤلا عن دور صندوق التأمين في توفير الرعاية الأولية والوقاية من هذه الأمراض، التي تستنزف من موازنة الصحة.
وفي تعقيب للدكتور باسم الريماوي، الخبير في مجال التأمين الصحي ومدير عام التأمين الصحي السابق، أشار لوضع نظام التأمين الصحي الحالي، والذي تم اختراقه بعشرات القرارات الوزارية، وبدون أي لوائح تنفيذية، إذ جاري العمل حاليا ب 14 تأمين، معظمها مجاني. وتطرق الريماوي لتأمين ذوي الاحتياجات الخاصة، والذي دخلت بموجبه العديد من شرائح المجتمع التي لا ينطبق عليها القانون والتي أثقلت كاهله بالإضافة الى تأمين الأسرى ممن أمضوا أكثر من خمس سنوات في سجون الاحتلال، مشيراً أن رواتبهم لا تخضع لأي خصم لصالح التأمين الصحي دون وجود جهة محددة تغطي وتدفع مساهماتهم للتأمين. بالإضافة الى فئة العاطلين عن العمل- وهم فئة متأرجحة حسب التعريف الخاضعة له- الذين يستفيدون من التأمين المجاني، وأفاد الريماوي بأن دخل التأمين الصحي يبلغ حوالي 245 مليون شيكل.
وفي مداخلة للدكتور عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة أمان لشؤون مكافحة الفساد، أشار فيها الى انزلاق موضوع التأمين الصحي الحالي الى هاوية الفساد، وفتح الطريق للواسطة والمحسوبية، وأن الشعب غير مقصر بدفع ما عليه من ضرائب اذ يمول 85% من الموازنة العامة، في المقابل المؤمّن غير راضٍ عن مستوى الخدمة التي تقدمها وزارة الصحة، وأن تجميد استحداث نظام صحي جديد لأكثر من عشر سنوات، يصب في مصالح خاصة في القطاع الصحي.
وقد أثار الدكتور محمد سلامة، الخبير في مجال الصحة، عن وجود تأمين صحي شامل في الضفة وغزة، بالإضافة الى ضرورة تغطيته فلسطينيي الشتات، مشيراً الى المرسوم الرئاسي الذي أصدره السيد الرئيس بخصوص المجلس الفلسطيني الصحي الأعلى لرسم السياسات الصحية، ما يشير الى وجود قرار سياسي بعدم استثناء اللاجئين، وتبنيه لنظام صحي يخدم الفلسطينيين كافة.
حوكمة الإدارة العامة للبترول
كما قدم عصام الحاج حسين، مدير العمليات في ائتلاف أمان عرضاً عن أداء وحوكمة الهيئة العامة للبترول بصفتها الجهة المشرفة على قطاع المحروقات في فلسطين، عاكساً مساعي الفريق الأهلي الحثيثة في البحث عن الفرص المتاحة لتحسين وتطوير عمل وأداء الهيئة العامة للبترول بشكل يضمن الاستخدام الأمثل للموارد العامة، وسد احتياجات السوق الفلسطيني من الوقود المطابق للمواصفات العالمية، وبسعر يتوافق مع إمكانيات المواطن الفلسطيني. وقد تساءلت الورقة البحثية عن المستفيد من عدم وجود قانون ناظم لضبط عمل الهيئة العامة للبترول، وخاصة بعد مرور 24 عاماً على إنشائها، ما يخلق بيئة خصبة وفرصاً للفساد، ويثير العديد من علامات الاستفهام حول المصلحة من وراء تعطيل إعداد هذا القانون.
ووضع الفريق الأهلي أسعار الوقود تحت المجهر، كون الضرائب المتأتية من قطاع المحروقات في فلسطين بشقيها "ضريبة البلو وضريبة القيمة المضافة" تشكّلان مورداً مالياً أساسياً وكبيراً لخزينة الدولة، يصل بمعدله الحالي، حوالي 300 مليون شيكل شهريا (مليار دولار سنويا) وبما يعادل 38% من مجمل ايرادات المقاصة الواردة من اسرائيل، حيث تشكّل ايرادات المقاصة بدورها حوالي (68%) من صافي الإيرادات العامة.
تبعية الهيئة العامة للبترول لوزارة المالية
وأشارت الورقة الى وجود ضبابية في تبعية الهيئة، فلقد وضع القانون الأساسي الفلسطيني خطوطاً تنظيمية عريضة لعمل الهيئات العامة، وأحال أمر تنظيم عملها للقوانين بالدرجة الأولى، ومع أن الهيئة أنشأت بموجب قرار صادر عن مجلس الوزراء عام 1994، وإعطائها صفة التمتع بشخصية اعتبارية مستقلة لها ميزانيتها الخاصة، وتتبع لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، الا أنه وتحت ذريعة إصلاح الهيئة تم تحويل تبعيتها الى وزير المالية بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 3 للعام 2003، والتي تمارس دور التاجر والرقيب عليه في آن واحد، إضافة الى الاختلاف الكبير بين طبيعة عمل الهيئة والتي يغلب عليها الصفة التجارية وواقع عمل المؤسسات العامة، ما ينعكس سلباً على معايير الحوكمة فيها.
غياب مقصود لتنظيم قطاع المحروقات
من المعيقات التي تعترض عمل الهيئة غياب السياسات الحكومية المتعلقة بتنظيم قطاع المحروقات عموما وغياب قانون ناظم لها، والديون المتعثرة مع محطات الوقود، والتي وصلت لقرابة 158 مليون شيكل، والعسر المالي الفني، والأنظمة المحاسبية المستخدمة غير المناسبة، وعدم ملائمة أنظمة الرقابة والنظام المالي المتبع للوزارات. بالإضافة الى ذلك، يشير التقرير الى السعة التخزينية لمستودعات الهيئة، والتي لا تغطي سوى يوماً واحداً من الاستهلاك المحلي، بالإضافة الى احتكار قطاع المحروقات، من قبل الشـركتين الإسـرائيليتين "بازان" و"بـاز" لتزويـد المحروقـات ضمن اتفاقيات وشروط غير منصفة لهيئة البترول.
وعقب سهيل جابر، رئيس نقابة أصحاب محطات المحروقات الى ازدياد ظاهرة التهريب والغش للمحروقات، ما يلحق خسارة لخزينة السلطة، والمقدرة ب 10 -15 مليون لتر شهريا، والبالغة 30 -40 مليون شيكل شهريا، ويعود ذلك لعدم وجود خطط عمل حقيقية لمواجهة التهريب والغش في المحروقات، وعدم وجود اجراءات رادعة للمهربين من النيابة العامة والمحاكم الفلسطينية، مشيراً الى الديون المتراكمة على المؤسسات الحكومية، حيث بلغت ديون الأجهزة الأمنية من المحروقات منذ بداية عام 2018 حوالي 22 مليون شيكل.
فيما أشار الدكتور عزمي الشعبي الى طبيعة العقود السرية المبرمة مع الأجهزة الأمنية لملاحقة ظاهرة التهريب ولإغلاق محطات غير مرخصة، وذلك مقابل نسبة لصالحهم. كما أشار الى حصول أشخاص متنفذين في الحكومة على تراخيص وتسهيلات لفتح محطات محروقات، يتم فيما بعد تأجيرها.
وقد أوصى الفريق الأهلي بضرورة إصدار قانون ناظم لقطاع المحروقات عموما يتضمن تنظيم عمل الهيئة العامة للبترول وتحديد علاقتها مع وزارة المالية وسلطة الطاقة استناداً للقانون، بالإضافة الى ضرورة الانتباه الى دور الدولة في السياسة الاقتصادية، وحماية حقوق المستهلك، وضرورة إعادة النظر في بنود اتفاقيات الشراء مع الشركات المزودة لتكون اكثر إنصافاً وبشروط افضل تكون للهيئة القدرة على تلبية بنودها، وبالأخص الاتفاق على فوائد التأخير، وعلى مهلة التسديد لفواتير المشتريات، وغرامات فرق السعر المدفوع لانحراف الكمية عن الحد المسموح به، والعمل على رفع حصة الهيئة من الغاز المحلي الإسرائيلي، وإجبار الشركات الاسرائيلية على الإفصاح عن التكاليف اللوجستية المعتمدة لديها، واجبار الشركات المزودة للمحروقات بسحب المضبوطات من الوقود المغشوش لإعادة تكريرها في المصافي الإسرائيلية مقابل تعويض عادل يتم الاتفاق عليه. بالإضافة الى ضرورة اعداد دليل اجراءات عمل للهيئة ليتم الاهتداء به من قبل ادارة وموظفي الهيئة، واعادة التوزيع الجغرافي للمحطات القائمة والقريبة من بعضها البعض على المناطق المحتاجة لمحطات وقود جديدة، بالإضافة الى إنشاء إدارة تدقيق داخلي لأنشطة الهيئة بدلا من المراقبين الماليين الحاليين الذي لا يغدوا عملهم أكثر من تطبيق للنظام المالي المصمم لعمل الوزارات والمؤسسات الحكومية، والايعاز لجهات رقابية خارجية محايدة من اجل القيام بتدقيق حسابات الهيئة سنويا والمصادقة على البيانات المالية التي تتناسب وطبيعة عمل الهيئة، وتوفير المقومات اللوجستية وأطار عمل قانوني واضح ينظم عمل كل من الهيئة والجهات الأمنية التي تتولى مع الهيئة مكافحة التهريب والغش في المحروقات مثل اعداد الخطط وتوفير المختبرات المتنقلة والصهاريج اللازمة لنقل المضبوطات والمساحة الكافية للاحتفاظ بتلك المضبوطات.
تجدر الإشارة الى ان المؤتمر الذي حضره خبراء ومختصون وحظي باهتمام اعلامي كبير نظمه الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة، وهو فريق شكل بمبادرة من ائتلاف امان في عام 2010 ويضم في عضويته 40 مؤسسة مجتمع مدني متخصصة في قطاعات مختلفة. هذا وسيقوم الفريق الأهلي ممثلا بائتلاف امان بنقل تجربته لفروع منظمة الشفافية الدولية في المنطقة العربية.