دبي-أخبار المال والأعمال- اختتمت فعاليات الاجتماع السنوي لمجالس المستقبل العالمية 2024 في دبي، والذي نظمه المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، وبحضور أكثر من 500 خبيراً اجتمعوا لمناقشة بعض المواضيع والتحديات العالمية الأكثر إلحاحاً، كالنمو الشامل، والتوترات الجيوسياسية، وانتقال الطاقة، والعمل المناخي.
قاد خبراء مجالس المستقبل العالمية، التي تجمع قادة الفكر من قطاع الحكومة والأعمال، والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني، المناقشات التي ستسهم في تحديد برنامج الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي 2025 في دافوس وتشكيل الأجندة العالمية للأشهر المقبلة الحرجة.
قال كلاوس شواب، مؤسس ورئيس مجلس أمناء المنتدى الاقتصادي العالمي: "إن أربع قوى، وهي التفتت الجيوسياسي، والتحول التكنولوجي، وإعادة التصور البيئي، والاستقطاب المجتمعي تخلق عالماً أكثر تعقيداً وتوجد حالة من عدم يقين أكثر من أي وقت مضى. سنتمكن من تسخير هذه التحولات لصالحنا فقط من خلال خلق رؤى إيجابية تشجع الأفراد على المساهمة في أن يكونوا جزءاً من مستقبل أفضل".
بدوره قال محمد عبد الله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء لدولة الإمارات العربية المتحدة: "إن الحقيقة الثابتة الوحيدة التي ندركها أكثر فأكثر كل يوم هي أن كلّ شيء سيتغيّر، ولا شيء يبقى على حاله. وإن المقياس الأساسي للنجاح الدول والمجتمعات والأفراد هو المرونة والقدرة على التكيف".
إلى ذلك أشاد القرقاوي بالتقدم التكنولوجي غير المسبوق الذي ساهم في تحويل العديد من أجزاء الاقتصاد العالمي وأكد أن الاستدامة والاقتصاد يمكن أن يزدهرا معاً بانسجام تام.
أما ميريك دوشيك، المدير العام للمنتدى الاقتصادي العالمي، فقال: "نجتمع في وقت يدخل فيه العالم حقبة تزداد فيها النزاعات والتنافسية. إلى ذلك نواجه اقتصاداً عالمياً هشاً، وكلّ شهر تقريباً يتم تحطيم أرقام قياسية عالمية للحرارة، في حين تتكثف الابتكارات بسرعة غير مسبوقة. إن هذه التطورات ليست مقيدة بالحدود ولا يمكن معالجتها إلا من خلال التعاون الدولي بين القطاعات والأفكار الجريئة. هذا هو ما تدور حوله مجالس المستقبل العالمية حقًا."
وتقول لورين وودمان، الرئيسة التنفيذية لشركة داتا كايند: "بقدر ما نشعر بالقلق بشأن مخاطر الذكاء الاصطناعي… فهو يوفر أيضاً فرصاً هائلة. إذا لم نلتزم ببناء شيء عادل منذ البداية، فإننا نفوت هذه الفرص بسبب الخوف وعدم الرغبة في التعاون، وسيكون ذلك مأساة حقيقية".
انخرط المشاركون في مناقشات رفيعة المستوى حول مواضيع تتعلق بالابتكار من أجل النمو الشامل، وقد ناقش المنتدى خلال الاجتماع العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك العمل المناخي وحماية الطبيعة والتحول في مجال الطاقة وبناء الثقة من أجل التعاون العالمي.
كما أطلق المنتدى خلال الاجتماع منصة استخبارات استراتيجية مصممة خصيصاً لدولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى تقرير عن الأمن السيبراني.
وللمرة الأولى، ضمّ الاجتماع أيضاً أكثر من 50 من كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال الأعمال التجارية العالمية، شملت كبار الاقتصاديين، وكبار مسؤولي المخاطر، وكبار مسؤولي الموظفين، وكبار مسؤولي الصحة، وكبار مسؤولي التعليم، لاستكشاف طرق جديدة وتنفيذ التدابير الرامية إلى تحسين رفاهية العمال وفرص التعلم، وتحسين الاستعداد للمخاطر والتنبؤ الاقتصادي.
إلى ذلك، أطلق المنتدى الاقتصادي العالمي ومجالس المستقبل العالمية أكثر من 10 مبادرات وتقارير خلال الاجتماع.
الابتكار من أجل النمو الشامل
بحثت الجلسات في كيفية إحياء النمو الاقتصادي في ظل السياق العالمي الحالي وسلطت الضوء على الحاجة إلى الشراكات بين القطاعين العام والخاص لدعم النمو الشامل والمستدام. تمت مناقشة الموضوع عبر جلسات عمل المجالس المختلفة، بما في ذلك النوع الاجتماعي ورأس المال البشري وتأثير الذكاء الاصطناعي على النمو.
ونشر المنتدى سلسلة من التقارير حول الذكاء الاصطناعي. وتناول أحد التقارير مواءمة القيم بين المبادئ الأخلاقية والمعايير المجتمعية في أنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل العدالة والخصوصية والشفافية، وهي عملية من الصعب تحديدها نظراً للاختلافات الثقافية على المستوى العالمي وتنفيذها من الناحية الفنية. وركز تقرير آخر على الحوكمة في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث قدم لصناع السياسات والجهات التنظيمية إطاراً فريداً وشاملًا بتوصيات قابلة للتنفيذ لحوكمة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
إلى ذلك، نشر المنتدى أيضاً تقريراً يدعو إلى سنّ سياسات من شأنها دفع تصميم التكنولوجيا المسؤولة، لضمان مساهمة التكنولوجيا بشكل إيجابي في عالم مزدهر، على سبيل المثال، من خلال تحسين نوعية الحياة والفرص الاقتصادية والابتكار. وتناولت جلسة أخرى الجهود العالمية الرامية إلى تعزيز الشمول المالي بين الأفراد والشركات، مع التأكيد على دور السياسات الحكومية والشراكات بين القطاعين العام والخاص والابتكارات التكنولوجية.
وقال عمر سلطان العلماء، وزير الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد بمكتب رئيس الوزراء في دولة الإمارات العربية المتحدة: "عندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي فيجب أن نقوم بذلك باعتباره تكنولوجيا إما أن تشكل تهديداً حقيقياً أو فرصة هائلة غير مسبوقة للإنسانية".
من جانبها، قالت منى حداد، المديرة العالمية للتجارة والاستثمار والتنافسية بمجموعة البنك الدولي: "بات العالم اليوم مختلفاً تماماً. لم نعد نرى أسواقاً مفتوحة، ولم نعد نرى العولمة بنفس الطريقة".
أما مسعود أحمد، رئيس مركز التنمية العالمية، فقال: "الخبر السار هو أن تكنولوجيا النمو الأخضر أصبحت الآن أقلّ تكلفة من أي وقت مضى. إلا أن تكاليف التمويل مرتفعة للغاية".
العمل المناخي وحماية الطبيعة والتحول في مجال الطاقة
تناولت المجالس مواضيع تتعلق بأزمة المناخ والطبيعة، بما في ذلك الهواء النظيف والتنقل الحضري.
كما تناولت الجلسات النهج الجديدة اللازمة لمعالجة الانبعاثات مع ضمان انتقال عادل ومسؤول اجتماعياً.
وفي الوقت الذي لاتزال فيه مخاوف عدم المساواة تسيطر على مناقشات العمل المناخي، بحث المشاركون في كيفية إمكانية تجاوز المجتمع العالمي للانقسامات القائمة لضمان قدرة الدول الأكثر هشاشة الوصول إلى رأس المال والتكنولوجيا اللازمة للتحول إلى اقتصادات خضراء ومرنة.
نشر المنتدى تقريراً عن إجراءات الهواء النظيف في المدن، والذي يوجه قادة المدن نحو اتخاذ إجراءات من شأنها تحسين جودة الهواء في المدن.
وأشار تقرير آخر إلى الإجراءات العملية للتخفيف من تأثير الكربون الأسود من خلال خطة عمل سريعة للسياسة العالمية.
قال مارون كيروز، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى المنتدى الاقتصادي العالمي: "مع تسارع تغير المناخ، فإن الحاجة إلى العمل تتجاوز المسؤولية البيئية وحدها، وقد أصبح من الضروري الحفاظ على القدرة التنافسية في السوق العالمية".
وقال تولو أوني، الأستاذ السريري للصحة العامة العالمية والتنمية الحضرية المستدامة بجامعة كامبريدج: "عند التفكير في الصحة، فإننا نفكر في الرعاية الصحية. وفي الواقع فإن أكثر من 80% من العوامل التي تؤثر على صحتنا تتواجد خارج إطار الرعاية الصحية. فهي تكمن في المحددات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية للصحة، وبالتالي فهي تكمن في البيئات التي تشكل المكان الذي نعيش فيه، وكيف نتنقّل، وكيف نتحرك، وماذا نأكل، والهواء الذي نتنفسه".
وقال أندرو هاربر، المستشار الخاص للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين بشأن العمل المناخي: "لا يمكننا التركيز على الأمن البشري بالمدى المطلوب، عندما يتم التعامل مع المناخ باستهتار وبغياب مسار مستدام حقيقي، فنحن لا نرى التغييرات المطلوبة بعد. عندما نتحدث عن التكيف مع المناخ، والمرونة، وتمويل المناخ، فإننا نتحدث أيضاً عن السلام".
ومن جانبها، قالت جين بورستون، الرئيسة التنفيذية لصندوق الهواء النظيف: "الأمر الذي لا بد لنا من القيام به هو جعل الإجراءات المستدامة هي الخيار الأرخص والأسهل".
بناء الثقة من أجل التعاون العالمي
في عالم يشهد استقطاباً وتجزأً متزايداً، أكد الاجتماع على مسارات بناء الثقة والتعاون عبر البلدان والصناعات والتخصصات. وأكد المشاركون على الدور الذي يمكن أن تلعبه التكنولوجيا في التعاون العالمي، في الوقت ذاته سلّطو فيه الضوء أيضاً على خطر مساهمة التكنولوجيا في التفتت، داعين إلى التعاون في العصر الذكي. وتناولت اجتماعات المجالس والندوات المشتركة بين مجالس التجارة والاستثمار، ومقاومة مضادات الميكروبات، والتقدم التكنولوجي.
وقد سلط تقرير كبار مسؤولي المخاطر الضوء على مجموعة من المخاطر العالمية التي قد تهدد النمو الاقتصادي، وتزعزع استقرار العلاقات الجيوسياسية بشكل أكبر، وتُعطل العمليات التجارية الأوسع نطاقاً خلال الأشهر المقبلة. ونشر المنتدى تقريراً عن الأمن السيبراني يؤكد على الحاجة الملحة إلى تحول جذري في النموذج من "الأمن من خلال التصميم" إلى "المرونة من خلال التصميم" للتخفيف من المخاطر التي تتطور بسرعة.
إلى ذلك كشف المنتدى عن منصة استخبارات استراتيجية مصممة خصيصاً لدولة الإمارات العربية المتحدة، من شأنها توفير إحاطات مدعومة بالذكاء الاصطناعي حول السياسات العامة لدعم تنفيذ "نحن رؤية الإمارات 2031".
وقال تيل ليوبولد، رئيس قسم الأعمال، والأجور، وخلق فرص العمل، والرئيس المؤقت لمجتمعات المعرفة لدى المنتدى الاقتصادي العالمي: "عملت مجالس المستقبل العالمية بدأب لتقديم حلول استشرافية لقضايا متنوعة تتعلق بالاقتصاد والمناخ والطاقة. مع مواجهة العالم لتحديات حرجة، أصبح التعاون العالمي من خلال حل المشكلات الجماعية التي تقدمها المجالس أكثر أهمية وإلحاحاً من أي وقت مضى".
ومن جهتها، قالت سارة الأميري، وزيرة التربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة: "إن التكنولوجيا أداة وليست حل! إن جوهر التكنولوجيا هو البشر ورأس المال الفكري الذي يقودها، وهم من يستخدم هذه الأدوات لإحداث التأثير والتغيّر اللازم".
عن الاجتماع السنوي لمجالس المستقبل العالمية 2024
عُقد الاجتماع السنوي لمجالس المستقبل العالمية 2024 في الفترة من 15 إلى 17 تشرين الأول/أكتوبر في دبي، الإمارات العربية المتحدة.
وشارك فيه أكثر من 500 خبير عالمي لتبادل الأفكار وتحديد الاتجاهات الناشئة وتسريع الحلول للتحديات العالمية الأكثر إلحاحاً، وذلك ضمن ثلاث مواضيع رئيسية: الابتكار من أجل النمو الشامل، العمل المناخي وحماية الطبيعة وانتقال الطاقة، وبناء الثقة من أجل التعاون العالمي.
وتساهم الأفكار التي تولّدها مجالس المستقبل العالمية على مدار العام في تحديد أجندة الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي 2025 في دافوس.