واشنطن-أخبار المال والأعمال- قال البنك الدولي، "إنه بعد 11 شهرا على الصراع في الشرق الأوسط، تقترب الأراضي الفلسطينية من السقوط الاقتصادي الحر، وسط أزمة إنسانية تاريخية في قطاع غزة".
وأبرز تقرير تناول آخر المستجدات بشأن "أثر الصراع في الشرق الأوسط على الاقتصاد الفلسطيني"، تجاوز التضخم في قطاع غزة الـ 250%، بسبب تبعات العدوان المستمر منذ نحو عام، وتفاقم فجوة التمويل لدى السلطة الفلسطينية.
انكماش اقتصادي حاد
شهدت الأراضي الفلسطينية انخفاضا بنسبة 35% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الأول من عام 2024، مما يمثل أكبر انكماش اقتصادي لها على الإطلاق.
وانكمش اقتصاد غزة بنسبة 86% في الربع الأول من عام 2024، مما أدى إلى انخفاض حصتها من الاقتصاد الفلسطيني من 17% إلى أقل من 5%. كما انكمش اقتصاد الضفة الغربية بنسبة 25% في الربع الأول من عام 2024، مع تراجعات كبيرة في قطاعات التجارة والخدمات والبناء والتصنيع.
أزمة إنسانية في غزة
استشهد أكثر من 41 ألف مواطن وأصيب أكثر من 96 الفا بجروح، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتفاقم الوضع الإنساني بسبب نزوح ما يقرب من 1.9 مليون مواطن، مع امتلاء الملاجئ، وعدم كفاية خدمات الصرف الصحي. وأدى النقص الحاد في الغذاء والماء والوقود والمعدات الطبية إلى انتشار انعدام الأمن الغذائي، وظروف شبيهة بالمجاعة. وبات الوصول إلى المساعدات الإنسانية محدود بشدة، مما يزيد من سوء التغذية والأمراض.
تحديات مالية تواجهها السلطة الفلسطينية
ويتوقع التقرير أن تصل فجوة التمويل لدى السلطة الفلسطينية إلى 1.86 مليار دولار في عام 2024، أي أكثر من ضعف فجوة عام 2023، ما يؤثر على تقديم الخدمات العامة.
ويعبّر عن قلقه من أن الفجوة لا تزال تُملأ في الغالب بالاقتراض من البنوك المحلية والمتأخرات للقطاع الخاص، والموظفين العموميين، وصندوق التقاعد.
وعلى الجانب الإيجابي، هناك ارتفاع متوقع في مساهمات المانحين، ففي الفترة ما بين تموز وآب 2024، أعلن كل من البنك الدولي والمفوضية الأوروبية رسميا عن نيتهما زيادة مخصصات المنح للسلطة الفلسطينية في الأمد القريب، كجزء من خطة إصلاح شاملة.
ارتفاع البطالة وخسائر الدخل
وسجلت معدلات البطالة مستويات قياسية مرتفعة في كل من الضفة الغربية وغزة، وقد أظهر القطاع الخاص في الضفة الغربية قدرته على الصمود من خلال تفضيل نقص العمالة على تسريح العمال.
وشهد 87.2% من العمال في الضفة الغربية انكماشاً في دخول أسرهم منذ بداية العدوان، بسبب فقدان الوظائف وتقصير ساعات العمل.
وأفاد حوالي ثلثي الشركات في الضفة الغربية بتخفيضات في القوى العاملة.
وارتفع مؤشر أسعار المستهلك السنوي بشكل كبير، بنحو 250%، بسبب اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن العدوان.
وأضاف التقرير، أنه بناءً على تقرير حديث صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ومنظمة العمل الدولية، فإن التقديرات تشير إلى أن معدل البطالة في الأراضي الفلسطينية بلغ 50% في حزيران 2024 ـ وهو أعلى معدل على الإطلاق.
وفي الضفة الغربية، يُقدَّر معدل البطالة بنحو 35% بسبب الخسارة المفاجئة للوظائف في إسرائيل، والمستعمرات، فضلا عن فقدان الوظائف في الاقتصاد المحلي.
كما أدى تدمير أو إتلاف بضائع معظم الشركات في قطاع غزة، إلى جانب نزوح كل من أصحابها والعمال، إلى ترك معظم الأسر من دون أي مصدر للدخل. والأنشطة الاقتصادية الباقية هي في الغالب غير رسمية، حيث يتم بيع السلع الأساسية في السوق السوداء بأسعار باهظة.
انهيار القطاعات الرئيسية
الاقتصاد الزراعي: بحسب تحليل "الاستشعار عن بعد"، الأخير الذي أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات)، فإن 63% من الأراضي الزراعية الدائمة في غزة شهدت انخفاضاً في صحة المحاصيل وكثافتها (زيادة بنسبة 9% منذ أيار 2024). كما تتأثر محافظات خان يونس وغزة وشمال غزة بشكل خاص، حيث تضرر ما يقرب من 70% من أراضيها الزراعية.
التعليم: تم تدمير أو تضرر ما يقرب من 95% من مرافق التعليم الأساسي والثانوي والعالي؛ 625,000 طفل خارج المدرسة، كما أدى العدوان إلى تعطيل الخدمات التعليمية في الضفة الغربية بشكل خطير، حيث قلصت المدارس العامة من التعليم الحضوري، بسبب القيود المالية والمخاوف الأمنية.
النظام الصحي
تضرر النظام الصحي في غزة بشكل كبير، حيث أدى تدمير البنية التحتية لإمدادات المياه والألواح الشمسية، جنباً إلى جنب مع نقص الكهرباء، والوقود، للمولدات الاحتياطية والمدخلات الأساسية، إلى توقف 80% من مراكز الرعاية الأولية عن العمل.
ونتيجة لانهيار النظام الصحي، تم مؤخراً إنشاء 3 مستشفيات ميدانية، 17 فقط من أصل 36 مستشفى ذات سعة للمرضى الداخليين تعمل جزئياً، وهو ما يمثل 53% من إجمالي سعة أسرة المرضى الداخليين، ووحدات العناية المركزة وأسرّة الأمومة قبل الأزمة.
ويتوفر حالياً نحو 1500 سرير في المستشفيات بمختلف أنحاء قطاع غزة، مقابل 3500 سرير كانت متاحة قبل بدء العدوان، ويقدر متوسط إشغال الأسرة بنحو 300%.
انتشار الفقر وانعدام الأمن الغذائي
يعيش ما يقرب من 100% من سكان غزة في فقر. وارتفعت حالة انعدام الأمن الغذائي في غزة، مما دفع ما يقرب من مليوني شخص إلى حافة المجاعة على نطاق واسع، ويواجه جميع سكان غزة تقريباً نقصاً حاداً.
ويشير أحدث تحليل للتصنيف المرحلي المتكامل إلى أن 15% من السكان (350 ألف فرد) يعانون من ظروف تشبه المجاعة، مع نقص شبه كامل في الغذاء.
بالإضافة إلى ذلك، يعيش ثلث السكان في حالة طوارئ، ويعانون من عجز غذائي حاد ومعدلات وفيات أعلى.
وتزداد هذه الظروف حدة بشكل خاص في المناطق الشمالية، ومدينة غزة، ومحافظات دير البلح وخان يونس ورفح، مع توقع استمرار خطر المجاعة حتى أيلول/سبتمبر 2024.
ويعاني ما يقرب من 90% من الأطفال دون سن الثانية، إلى جانب 95% من النساء الحوامل والمرضعات في غزة، من فقر غذائي شديد، ويستهلكون مجموعتين غذائيتين أو أقل.
يحدد نحو 95% من الأسر وجبات الطعام وحجم الحصص، حيث تتناول أسرتان من أصل 3 وجبات، واحدة في اليوم.
ضغط على القطاع المالي
أدى العدوان إلى تكثيف التحديات القائمة، وإدخال تحديات جديدة، مثل: النقص الحاد في السيولة النقدية بغزة، كما أن الانكماش الاقتصادي المستمر، والأزمة المالية التي تواجهها السلطة الفلسطينية، والتقلبات في المدفوعات عبر الحدود، كلها عوامل تسهم في زيادة الضغوط.
يؤثر النقص الحاد في السيولة النقدية بغزة على قدرة السكان على الوصول إلى المساعدات الإنسانية، والودائع من خلال أجهزة الصراف الآلي، والتحويلات المالية من خلال مشغلي تحويل الأموال.
ويعد الحفاظ على علاقات البنوك المراسلة (CBRs) مع البنوك الإسرائيلية أمرًا حيويًا لمنع الاضطرابات الاقتصادية النظامية. وقد يؤدي قطع علاقات البنوك المراسلة إلى أنشطة مالية غير منظمة وتعقيد الرقابة المالية.
اجراءات مقترحة لتخفيف حدة الركود الاقتصادي:
رأى البنك الدولي أن هناك الكثير من الإجراءات الرئيسية التي يجب اتخاذها للتخفيف من حدة الركود الاقتصادي الشديد، وارتفاع معدلات الفقر، وتفاقم الأزمة الإنسانية؛ وأهمها: وقف الحرب، والبدء في استعادة الخدمات الأساسية، ووضع الأساس للتعافي والتنمية المستدامة.
وقف الحرب: إعطاء الأولوية لوقف الحرب لتقليل المعاناة الإنسانية، وتمكين استعادة الخدمات الأساسية، والانتعاش الاجتماعي الاقتصادي.
معالجة التحديات المالية: تحويل الخصومات الأحادية الجانب من إيرادات المقاصة لضمان قدرة السلطة الفلسطينية على تلبية الالتزامات الميزانية الأساسية، مثل: الرواتب، والمعاشات، والخدمات الاجتماعية.
زيادة الدعم الدولي: الانخراط بشكل عاجل مع المجتمع الدولي لتكثيف التمويل للحفاظ على الخدمات العامة والتخطيط للتعافي، وإعادة الإعمار على المدى الطويل.
تحفيز النشاط الاقتصادي: تنفيذ تدابير لتسهيل التجارة، وتعزيز أنشطة القطاع الخاص، في كل من الضفة الغربية وغزة، لتوليد الدخل والتوظيف.
حماية القطاع المالي: اتخاذ إجراءات فورية للحفاظ على علاقات البنوك المراسلة مع البنوك الإسرائيلية لمنع العزلة المالية، ومعالجة النقص النقدي في غزة، لضمان الوصول إلى المساعدات الإنسانية والخدمات المالية.
التركيز على الاحتياجات الإنسانية: إعطاء الأولوية لجهود الإغاثة الإنسانية لمعالجة انعدام الأمن الغذائي، والرعاية الصحية، ونقص التعليم، والتعاون مع المنظمات الدولية لتسهيل دخول الإمدادات الأساسية والمساعدات إلى غزة.
تعزيز البنية التحتية والخدمات: التخطيط لإعادة بناء البنية التحتية الحيوية في الزراعة، والتعليم، والرعاية الصحية، لدعم التعافي على المدى الطويل، والاستثمار في استعادة وترقية خدمات المياه، والكهرباء، والصرف الصحي، لتحسين ظروف المعيشة.