غزة-أخبار المال والأعمال-(الأيام)- أفضت سلسلة الإجراءات التي تمر بها عملية توريد البضائع إلى قطاع غزة خلال حرب الإبادة التي يواصل الاحتلال شنها على القطاع منذ السابع من تشرين الأول الماضي الى تسجيل أرقام فلكية في أسعار السلع التي باتت الغالبية العظمى من مواطني قطاع غزة تعجز عن شرائها، وإن تمكن البعض منهم من الشراء فلا يبتاعون سوى أقل من الحد الأدنى اللازم لاستهلاكهم.
جملة من العراقيل فرضها الاحتلال وعمد الى إرسائها على مدار اكثر من تسعة اشهر مضت، أدت في المحصلة الى تغيير جذري في آلية وصول السلعة للمستهلك الغزي، لتتحول بذلك الى آلية وكلفة شحن غير معمول بها في أي بقعة من بقاع الأرض، الأمر الذي انعكس في النهاية على أسعار مختلف السلع الواردة لقطاع غزة، وتسبب بارتفاع قيمتها بما لا يقل عن أربعة أضعاف مقارنة بسعرها ما قبل الحرب.
تقليص قائمة السلع الواردة للقطاع
ويشير أحد القائمين على شركة موردة لبضائع مختلفة لقطاع غزة الى كيفية إمعان الاحتلال خلال الحرب في تقليص أصناف السلع المسموح بإدخالها للقطاع، سواء السلع التجارية أو الإغاثية، بقوله: "منذ بداية الحرب وحتى ما قبل سيطرة الاحتلال على الجانب الفلسطيني من معبر رفح في السابع من أيار الماضي، توقفت كلياً عملية شحن البضائع من السوق الإسرائيلية، وكان معبر رفح منذ ذلك الحين هو المعبر التجاري الوحيد الذي يتم من خلاله توريد ما نسبته 100% من البضائع التي يتم شحنها من مصر عبر معبر رفح في الجانب المصري الى معبر كرم ابو سالم في الجانب الإسرائيلي، ومن ثم يتم نقلها الى وسط وجنوب القطاع، وفي مرحلة لاحقة سمح لعدد محدود من الشاحنات بالوصول الى مدينة غزة وشمال القطاع".
وأضاف "أما بعد سيطرة الاحتلال على الجانب الفلسطيني من معبر رفح فتوقفت حركة نقل البضائع بشقيها التجاري والإغاثي الى غزة لعدة أسابيع الى أن استؤنفت تدريجياً عملية إدخال البضائع في الثلث الأول من الشهر الماضي، حيث كان في بادئ الأمر يتم إدخال نحو 20 شاحنة محملة بالمساعدات الإغاثية فقط، الى ان وصل حالياً إلى نحو 70 شاحنة من المساعدات الإنسانية بمعدل أسبوعي، أما ما يتم توريده عبر معبر كرم ابو سالم بشكل مباشر فتشكل الشاحنات المحملة بالبضائع الواردة من الضفة الغربية ما يزيد على 80% من إجمالي الشاحنات والباقي من السوق الإسرائيلية، وباتت تلك السلع والبضائع تقتصر على أصناف محدودة جداً كالخضار والفواكه واللحوم الحمراء والبيضاء المجمدة وأجزاء الدجاج والبقوليات والزيوت والأجبان والبسكويت، بينما يواصل الاحتلال منع إدخال سائر أصناف البضائع ومنها منعه توريد الأدوية والمنظفات والسكاكر والعصائر والمشروبات الغازية والملابس والأحذية، وغيرها من البضائع الضرورية التي لم تكن تصنف خلال فترة ما قبل الحرب كسلع مزدوجة الاستخدام بحسب تصنيف الاحتلال لها آنذاك ليبرر في حينه منع ادخالها للقطاع".
كلفة شحن فلكية
وفي سياق احاديث منفصلة أجرتها "الايام" مع عدد من مستوردي البضائع، اوضح المصدر نفسه أن كلفة نقل شحنة واحدة من البضائع من معبر ترقوميا جنوب الخليل وحتى معبر كرم أبوسالم كانت تبلغ خمسة آلاف شيكل، أما حاليا فتصل الى ما يتراوح بين 12 ألف شيكل الى 15 ألف شيكل، ويتبع ذلك أن يدفع المستورد لمالك الشاحنة أو للشركة الناقلة عشرة آلاف شيكل بدل كلفة النقل من معبر كرم ابو سالم الى وسط القطاع، منها 6500 شيكل بدل ثمن السولار (سعر اللتر الواحد من السولار الى 85 شيكلاً)، و3500 شيكل بدل مخاطرة من تعرض الشاحنة أو السائق لأي ضرر متوقع حدوثه نتيجة لاعتداءات الاحتلال واستهدافه للمدنيين، منوهاً الى أن تلك التكلفة المتعلقة بالنقل الداخلي من المعبر ذاته الى داخل القطاع كانت تتراوح قبل سيطرة الاحتلال وتدميره لمعبر رفح في الجانب الفلسطيني ما بين 600 الى 1000 شيكل.
حراسة مسلحة للبضائع
ولفت الى أن التاجر أو المؤسسة المستوردة لسلع المساعدات الإنسانية تقوم ايضا بدفع مبلغ خمسة آلاف شيكل بدل تأمين حراسة يقوم بها عدد من المسلحين الذين يعتلون سطح الشاحنة، بداية من نقطة تحركها من المعبر وحتى وصولها لمخازن التاجر المستورد او المخازن التابعة للمؤسسة الموردة للمساعدات الإنسانية للقطاع، الأمر الذي يعني أن إجمالي كلفة نقل شاحنة البضائع الواردة الى غزة من خلال معبر كرم ابو سالم باتت تصل لنحو 30 ألف شيكل بدلاً من سبعة آلاف شيكل على الأكثر قبل الحرب، الأمر الذي أدى مباشرة الى الارتفاع المهول في أسعار السلع .
وكشف المصدر نفسه النقاب عن أن احد التجار دفع مبلغ 25 ألف شيكل مقابل تأمين حماية لشاحنة نقل بضائع محملة بكمية كبيرة من المكسرات التي استوردها التاجر، حيث أن الكيلو جرام الواحد من هذا الصنف كان يباع بمبلغ 50 شيكلا واصبح الآن يباع بـأكثر من 180 شيكلاً.
ويذكر في هذا السياق أن تكلفة الشحن تنسحب على كافة السلع الواردة لقطاع غزة، بما في ذلك السلع ذات الطابع الاغاثي، حيث تضطر المؤسسات المانحة والخيرية الى تغطية كلفة الحراسة المسلحة لإيصال مساعداتها الاغاثية لمواطني القطاع.
فعلى سبيل المثال، تعاقد برنامج الغذاء العالمي مع شركة حراسة لتأمين الشاحنات المحملة بالمساعدات الغذائية التي كان يقدمها لمواطني القطاع، حيث كان البرنامج يورد في اليوم الواحد أحياناً نحو 200 شاحنة من المساعدات الإغاثية، بينما حالياً انخفض عدد الشاحنات التي يوردها للقطاع بما يتراوح بين 50 الى 70 شاحنة، وهذا الأمر أدى إلى تراجع العديد من المؤسسات الخيرية عن توريد مساعداتها للقطاع بسبب تكلفة النقل العالية.
تغيير جذري في النشاط التجاري
من جهته، أشار التاجر ادهم حمادة الى أن العديد من التجار اضطروا الى تغيير طبيعة نشاطهم التجاري واتجهوا لاستيراد سلع معينة تقتضيها أولويات واحتياجات مواطني القطاع في ظل الحرب الدائرة، وتتلاءم في ذات الوقت مع طبيعة السلع المحدودة التي يسمح الاحتلال بإدخالها لقطاع غزة.
وأوضح حمادة، الذي نزح الى مصر قبل سيطرة الاحتلال على المعبر بثلاثة ايام، انه باشر مؤخراً باتخاذ الترتيبات الأولية اللازمة لاستئناف نشاطه التجاري الذي انقطع عنه قسراً منذ بداية الحرب على غزة .
وقال حمادة: "نشاطنا الأساسي كان ينحصر في استيراد السيراميك والأعلاف، ولكن حاليا نفكر في إمكانية استيراد السكر وبيض المائدة، وقمنا منذ 25 يوماً بتقديم طلب لتنسيق إدخال كميات من البضائع المذكورة الا أن الجانب الإسرائيلي لم يبلغنا بالموافقة، وذلك على غرار ما حدث مع العديد من التجار والمستوردين الذين لم يبلغهم الجانب الاسرائيلي بموافقته على طلباتهم المتعلقة باستيراد البضائع باستثناء عدد محدود جدا من تجار غزة الذين تمكنوا بعد جهد كبير من استئناف نشاطهم في استيراد وتوريد البضائع الاستهلاكية للقطاع".
واعتبر أن ارتفاع أسعار كلفة نقل المنتجات تعد من ابرز المشاكل والمعيقات التي تواجه التجار المستوردين، وبالتالي أدى ذلك الى ارتفاع حاد في سعر كافة المنتجات، موضحاً على سبيل المثال أن طبق بيض المائدة الذي كان يتم شراؤه بـ11 شيكلاً اصبح يباع للتاجر بـ 20 شيكلاً وبالتالي يصل الى المستهلك بنحو ضعف هذا المبلغ، وهذا ينسحب على كافة السلع نظرا لارتفاع كلفة الشحن والإجراءات المعمول بها بداية من نقطة تحرك شحنة البضائع وحتى استلامها.
أما التاجر أسامة صلوحة، فأشار الى أن تجارته كانت تعتمد بشكل رئيس ما قبل الحرب على الاستيراد المباشر من مصر وكانت تجارته تركز على استيراد الملابس والأقمشة وخلال الأشهر الثلاثة الأولى للحرب توقف نشاطه التجاري كلياً الى أن استأنفه عقب نزوحه الى مصر في نهاية كانون الأول الماضي، ليستمر في توريد البضائع التي كان غالبيتها من المواد الغذائية قبل أن يتوقف قسراً مرة اخرى عن توريد البضائع في أعقاب سيطرة الاحتلال على معبر رفح.
وبين صلوحة أنه يعمل حالياً على الانتهاء من توريد أول شحنة له لقطاع غزة، لافتاً الى أنه تعاقد على توريد شحنة من الأجبان المصرية الى القطاع، وذلك من خلال معبر العوجا المصري الى معبر نتسانا ومن ثم الى معبر كرم ابو سالم.
وقال "اصبح توريد المواد الغذائية يشكل اولوية في البضائع التي يحتاجها القطاع، وبالتالي غالبية التجار المستوردين اصبحوا يركزون على توريد أصناف مختلفة من المواد الغذائية للقطاع مثل الأرز والسكر والدجاج المجمد والأجبان والزيوت، وإن كان هناك أولويات أخرى من البضائع التي يحتاجها قطاع غزة وفي مقدمتها الأدوية والملابس والأحذية وغيرها الكثير من البضائع التي يمنع الاحتلال إدخالها".
ويشار الى أن هناك العديد من المشاكل والتعقيدات الأخرى التي تواجه عملية إدخال البضائع الى قطاع غزة بحسب ما أفاد عدد من التجار الذين تطرقوا لصعوبة تنسيق نقل البضائع.
فعلى سبيل المثال يتطلب نقل شحنة من اللحوم المبردة توفر شاحنة مجهزة بثلاجة تبريد، في حين انه حدث كثيرا ان تمضي عدة ساعات على انتظار شحنة اللحوم داخل المعبر حتى يتم تنسيق دخول شاحنة لنقل هذه الكمية وبالتالي تكون هذه الشحنة عرضة للتلف، كما انه من الممكن أن يتم التنسيق لشاحنة نقل عادية غير مجهزة بأجهزة تبريد، وهذا الأمر ألحق خسائر جسيمة بالمستوردين، بالإضافة الى المشاكل المتعلقة بارتفاع كلفة النقل وبدل مخاطرة، حيث تكون تلك الشاحنات عرضة للسطو عليها من قبل قطاع الطرق الذين قد يعترضون سير الشاحنة منذ لحظة خروجها من المعبر، الأمر الذي يجبر التاجر المستورد او الشركة الناقلة على دفع ثمن حراسة لشحنة البضائع طوال طريق سيرها من المعبر وحتى وصولها الى مخازن المستورد، وهذه الحراسة تكون من خلال استئجار عناصر مسلحة يقومون بحراسة الشاحنة وحمايتها خلال الطريق في ظل حالة الفلتان الأمني التي يشهدها القطاع.