رام الله-أخبار المال والأعمال- لوّح وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش مجددا، بفرض خطوات "عقابية" ضد السلطة الفلسطينية، ردا على قرار دول أوروبية الاعتراف بدولة فلسطين، بالإضافة إلى تحرك السلطة الدبلوماسي مع عدد من الدول المناصرة للقضية الفلسطينية في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، لمحاكمة إسرائيل على جرائمها، خاصة في قطاع غزة.
وهدد سموتريتش بعدم تمديد الضمانات للبنوك الإسرائيلية المتعاملة مع البنوك الفلسطينية ضد دعاوى قضائية محتملة، ووقف تحويل عائدات الضرائب الفلسطينية للسلطة (المقاصة)، وذلك في إطار الضغوط السياسية على السلطة الفلسطينية، التي يقابلها ضغوط أميركية وأوروبية وأممية على الحكومة الإسرائيلية لضمان تحويل أموال المقاصة للسلطة والحفاظ على الاتفاقات الاقتصادية التي تنظم العلاقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وتقدم الحكومة الإسرائيلية رسالتي ضمانات لبنكي "هبوعليم" و"ديسكونت" الإسرائيليين، اللذان يتوليان مهمة المراسلة بين البنوك الفلسطينية مع نظيراتها في إسرائيل والدول الأخرى.
والرسالة الأولى من وزارة "العدل" تعطيها حصانة من أي دعاوى قضائية قد تواجهها بتهمة "تمويل الإرهاب" جراء تعاملها مع البنوك الفلسطينية، والثانية من وزارة المالية تلتزم فيها بتعويض البنوك الإسرائيلية عن أي غرامات قد تتكبدها نتيجة دعاوى ترفع ضدها في دول أخرى جراء تعاملها مع البنوك الفسطينية.
وتمنح هذه الضمانات لبنكي "هبوعليم" وديسكونت" سنويا أو كل ستة أشهر، وانتهت في 31 آذار/مارس الماضي، وتم تجديدها بقرار من "المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية" لمدة ثلاثة أشهر حتى نهاية حزيران/يونيو المقبل.
وقال سموتريتش إنه "لن يمدد هذه الضمانات عند انتهائها في 30 حزيران/يونيو"، علمًا أن القرار إذا طبق بالفعل سيكون له تداعيات على العلاقة التجارية مع إسرائيل، ويشكّل ضربة كبيرة للاقتصاد الإسرائيلي، ما يؤكد أن هذه التصريحات هي للاستهلاك الإعلامي ولن تجرؤ الحكومة الإسرائيلية على تنفيذها في ظل الكلفة الاقتصادية العالية لحربها على قطاع غزة.
وتجري تعاملات مالية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية بمليارات الشواقل شهريا، وتشمل تحويل عائدات المقاصة (حوالي مليار شيقل) ومستحقات العمال الفلسطينيين في الاقتصاد الإسرائيلي (حوالي 1.5 مليار شيقل)، وأثمان السلع المتبادلة بين الجانبين، حيث تشكّل الواردات من إسرائيل حوالي 60% من الواردات الفلسطينية، فيما تشكّل الصادرات أكثر من 80% من إجمالي الصادرات الفلسطينية، ما يعني أن وقف التعامل مع البنوك الفلسطينية سيشكّل ضربة قاسية للمصدّرين الإسرائيليين.
وفي الوقت الراهن، فإن التعاملات المالية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية مستمرة وتعمل بشكل طبيعي وفق القرار السابق الساري حتى تاريخ 30/06/2024. كما أن تعاملات البنوك الفلسطينية مستمرة مع العالم، ولن يكون لهذا القرار أي أثر في حال تطبيقه على التعاملات والحوالات المالية مع جميع دول العالم باستثناء إسرائيل.
وظلت قضية تجديد الضمانات للبنوك الاسرائيلية جزءًا من الضغط السياسي المستمر على السلطة الفلسطينية، ويتم تجديده أحيانًا في الساعات الأخيرة قبيل انتهائه، كما جرى في آذار/مارس الماضي.
وتخشى إسرائيل من أن وقف التعامل مع البنوك الفلسطينية سيحد من حضور الشيقل في الاقتصاد الفلسطيني، وقد يدفع السلطة الوطنية إلى التعامل بعملة أخرى، وربما يدعم طموحها في إصدار عملة وطنية.
وفي تعقيبها على الموضوع، قالت سلطة النقد الفلسطينية، إن المصارف الفلسطينية تلعب دور الوسيط في التجارة البينية مع الجانب الإسرائيلي، وأن قطع العلاقة المصرفية المراسلة سيكون له أثر سلبي على الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي وأيضًا على العلاقات التجارية.
وأضافت أنها "تعمل مع الجهات الفلسطينية المختصة وأطراف دولية عديدة للحفاظ على العلاقة المصرفية لتسهيل إجراءات التبادل التجاري وتسديد أثمان السلع والخدمات، ومنع أزمة إنسانية قد تقع نتيجة أي إجراء أحادي الجانب".
وأشارت سلطة النقد إلى أن الجهاز المصرفي الفلسطيني يحتفظ بعلاقات مصرفية مراسلة مع شبكة واسعة من البنوك حول العالم تؤهله ليبقى مستمرا في تقديم الخدمات للمواطنين محليا وعالميا، إذ إن العلاقات المصرفية مع العالم الخارجي لن تتأثر في كل الحالات.
وشددت سلطة النقد على أن الجهاز المصرفي يدير مخاطره بكفاءة واقتدار، وأنها والمصارف تتخذ إجراءات تحوطية واستباقية لمواجهة المخاطر المحتملة.
ولفتت إلى أنها تنشر وبشكل دوري كافة المؤشرات المالية والمصرفية حول أداء القطاع المصرفي الفلسطيني، وتدل كافة المؤشرات على متانته وقدرته على التعامل مع الأزمات المختلفة على النحو الذي ينفي الإشاعات والإدعاءات الهادفة إلى زعزعة الثقة بالجهاز المصرفي الفلسطيني.
وفي سياق متصل، دعا وزراء مالية مجموعة السبع، عقب اجتماعهم في مدينة ستريسا الإيطالية، السبت الماضي، إسرائيل إلى "ضمان" الخدمات المصرفية للبنوك الفلسطينية.
وقال الوزراء في بيانهم الختامي: "ندعو إسرائيل إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان بقاء الخدمات المصرفية المراسلة بين البنوك الإسرائيلية والفلسطينية قائمة".
ودعا الوزراء، إلى "الإفراج عن عائدات المقاصة المحتجزة للسلطة الفلسطينية، في ضوء احتياجاتها المالية العاجلة".
وطالبوا إسرائيل أيضا "بإزالة أو تخفيف أي إجراءات أخرى أثرت سلبا على التجارة لتجنب مزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية المحتلة".
وكانت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين قد حذّرت في مؤتمر صحفي قبيل اجتماع مجموعة السبع، من قطع العلاقات بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية، مؤكدةً أن مثل هذه الخطوة ستزيد من زعزعة استقرار اقتصاد الضفة الغربية في وقت يواجه فيه الفلسطينيون بالفعل ظروفا اقتصادية سيئة.
وقالت يلين إن القنوات المصرفية كانت حاسمة في معالجة المعاملات التي تسمح باستيراد 8 مليارات دولار سنويا من الغذاء والوقود والكهرباء من إسرائيل و2 مليار دولار من الصادرات الفلسطينية.
ومنذ بدء الحرب على قطاع غزة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، نفذت سلطة النقد فحوصات واختبارات ضاغطة لفحص قدرة الجهاز المصرفي على تحمل سيناريوهات مختلفة تتمثل في تعثر جزء من محفظة الائتمان نتيجة لتداعيات الحرب على القطاعات الاقتصادية المختلفة، وشملت هذه الاختبارات سيناريوهات تحاكي تعرض بعض القطاعات الاقتصادية لصدمة أو صدمات متتالية بسبب تراجع الدورة الاقتصادية.
وتم قياس أثر ذلك على المؤشرات المالية للجهاز المصرفي بما يشمل مؤشرات كفاية رأس المال، إذ سارعت سلطة النقد ومنذ اندلاع الحرب إلى الطلب من البنوك تكوين مخصصات أولية لمواجهة المخاطر المختلفة وعكس ذلك على البيانات المالية في تاريخ 30/09/2023. وأظهرت النتائج قدرة الجهاز المصرفي في الحفاظ على نسبة كفاية رأسمال ومستويات سيولة تتوافق مع المتطلبات التنظيمية المُقرة بموجب التعليمات والممارسات الفضلى.
وتعتبر مستويات رأس المال والسيولة المقبولة من أهم المؤشرات الدالة على السلامة المالية، ما يؤكد على سلامة الجهاز المصرفي الفلسطيني ومتانته المالية، مع مواصلة سلطة النقد اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للمحافظة على الاستقرار المالي وتشجيع النمو الاقتصادي في ظل هذه الظروف بالغة الصعوبة.
وساهمت إجراءات سلطة النقد خلال السنوات الماضية التي تم من خلالها تعزيز التكوين الرأسمالي للبنوك وتحسين جودة إدارة المخاطر، في تحسين قدرة المصارف على امتصاص أية خسائر محتملة ومواجهة السيناريوهات والصدمات المختلفة.
وتبلغ المتطلبات التنظيمية المطبقة من سلطة النقد والمتعلقة بنسبة كفاية رأس المال 13.5% كحد أدنى، وهي أعلى من الحد المقرر من قبل لجنة بازل للرقابة المصرفية والبالغ 10.5%.
يذكر أن القطاع المصرفي الفلسطيني، يمتلك الخبرة والكفاءة والتجربة الكافية لإدارة مخاطره، في ظل الظروف الجيوساسية المتغيرة في فلسطين والمنطقة، إلى جانب الظروف الطارئة الأخرى التي تؤثر على العالم أجمع كما حدث في جائحة كورونا، بل يخرج القطاع المصرفي من كل "أزمة" بزخم وقوة أكبر، ولا تعد تهديدات سموتريتش-رغم أهمية أخذ الحيطة والحذر منها كونها تأتي في إطار التحريض على كل ما هو فلسطيني- إلا "زوبعة في فنجان".