رام الله-أخبار المال والأعمال- عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس"، اليوم الأربعاء، جلسة تشاورية خاصة بعنوان "قراءة أولية للتداعيات الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي – صعوبات اقتصادية غير مسبوقة"، بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهيًا بمقر المعهد في رام الله وعبر تقنية الزووم.
وأكد مدير عام معهد "ماس" رجا الخالدي، الدور الرئيسي للمعهد في مناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تهم الشأن الفلسطيني.
وذكر في كلمته بافتتاح الجلسة أن إدارة المعهد أدركت منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أهمية متابعة ورصد تبعات هذا العدوان، حيث شكّل المعهد طواقم بحثية متخصصة للمتابعة والرصد، موضحًا أن المعهد عمل على إعداد برنامج بحثي للفترة المقبلة يستجيب للأولويات والاحتياجات الجديدة.
استعرضت الجلسة أوراق "ماس" المعدة حديثا حول:
الأبعاد الاقتصادية للحرب على قطاع غزة وفقا للقانون الدولي والإنساني: جعل غزة غير آهلة
بينت الورقة أن القوات العسكرية الإسرائيلية قامت بإجراءات تخالف بشكل واضح القانون الدولي الإنساني من خلال سياساتها وممارستها القائمة على العقاب الجماعي، وبينت أن الأهداف العسكرية والسياسية التي أعلن عنها رسمياً من قبل خبراء ومسؤولين إسرائيليين وأميركيين، تتلخص بنتيجة واحدة، وهو جعل قطاع غزة غير آهل من الجوانب الاقتصادية والمعيشية.
وتنبع أهمية هذه الورقة في توفير التوثيق اللازم للمطالبات العادلة لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب، وكذلك ضرورة وأهمية توثيق هذه الجرائم الاقتصادية لمحاسبة الجهة القائمة بالعدوان وتحميلها مسؤولية التعويض عن الأضرار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن التهجير وتدمير المباني والبنى التحية المادية ونشر البطالة؛ وهذه المسؤولية تستند بشكل محدد إلى المادة الثالثة من اتفاق لاهاي 1907.
التبعات الاقتصادية للحرب على غزة
تبين الورقة بأنه مع نهاية الشهر الثاني من الحرب هناك شلل شديد في الحركة الداخلية في الضفة الغربية، مما يؤثر على مسارات التجارة الداخلية والخارجية وكذلك على وصول الموظفين لأعمالهم، وكذلك تفاقمت نسبة الفقر بحيث يقدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن نسبة الفقر في فلسطين ستزيد إلى 35.8% مع نهاية الشهر الثاني للحرب، مقارنة مع 26.7% قبل العدوان.
وبينت الورقة أن الاقتصاد الفلسطيني يواجه صدمات شديدة لمستوى البطالة والدخل الأساسيين، حيث تقدّر منظمة العمل الدولية (ILO) انخفاضاً بنسبة 61% في التوظيف في قطاع غزة وانخفاضًا بنسبة 24% في الضفة الغربية، بواقع 182 ألف عاطل عن العمل حاليا في القطاع، يقابله فقدان 208 ألف عامل وظائفهم في الضفة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انتهاء فرص العمل في إسرائيل والمستوطنات الإسرائيلية. أدى ذلك الفقدان الإجمالي للوظائف إلى خسائر في دخل العمل تقدّر بحوالي 480 مليون دولار في الشهر الأول من الحرب.
حالة اقتصاد قطاع غزة عشية العدوان وأثر وقف العمالة في إسرائيل على اقتصاد الضفة الغربية
أشارت الورقة إلى أن اقتصاد غزة بدأ يتراجع بشكل حاد بعد عام 2006 بسبب الحصار والحروب، وتكبد اقتصاد غزة خسائر تزيد عن 16.5 مليار دولار خلال اخر 15 سنة (بدون الحرب الأخيرة)، كما تبين الورقة أن نسبة البطالة في غزة هي الأعلى في العالم حوالي 45% على مدار السنوات العشرة الأخيرة، ويشكل اقتصاد غزة جزئية بسيطة من حجم الاقتصاد الاسرائيلي، إذ أن الناتج المحلي في اسرائيل حوالي 146 ضعفه في غزة، ودخل الفرد في اسرائيل يصل 175 ضعف دخل الفرد في غزة.
كما تبين الورقة أن هناك فروقات واضحة للمؤشرات الاقتصادية الرئيسية بين الضفة وغزة، وهذه الفروقات نتيجة الظروف السياسية التي يتعرض لها القطاع، فقد كان اقتصاد غزة يشكل 35% من اقتصاد فلسطين وأصبح يشكل 17% في السنوات الاخيرة، كما أن هناك علامة فارقة وواضحة بسبب الحصار وهي أن صادرات غزة أصبحت شبه معدومة، ولم تتجاوز 11 مليون دولار سنويا في أحسن حالاتها بدلا من 550 مليون دولار، إلا أن 99% من صادرات فلسطين تخرج من الضفة الغربية، أيضًا تشير الورقة إلى أن واردات غزة لا تشكّل أكثر من 11% من واردات فلسطين وهذا لا يتناسب مع النسبة السكانية لغزة والتي تشكل 40% من سكان فلسطين.
الاعتداءات والتحديات التي تواجه مزراعي الخضروات في الضف الغربية إثر العدوان على قطاع غزة
بينت الورقة أن هناك العديد من الاعتداءات والتحديات التي واجهت مزراعي الخضار حيث أن 16% من المزراعين المستطلعين تعرضوا لاعتداء جسدي مباشر، وقد تم تسجيل حوالي 367 إعتداء خلال تشرين الأول وتشرين الثاني من قبل اتحاد المزراعين، وهذه الاعتداءات شملت الضرب والإعتقال وإطلاق النار والتهديد بالسلاح.
فيما يتعلق بالاعتداءات على الممتلكات فقد بينت الورقة أن 17% من المزراعين تعرضوا لاعتداء على ممتلكاتهم ومحاصيلهم، وشملت الحرق والتدمير والسرقة واقتلاع الأشجار، وتركزت هذه الاعتداءات في المناطق القريبة من الجدار وكذلك في مناطق جنين وجنوب الخليل وجنوب بيت لحم، كذلك فإن 50% من المزراعين المستطلعين لم يتمكنوا من الوصول إلى أراضيهم مرة واحدة على الأقل، و15% ممنوعون من الوصول إلى أراضيهم منذ بداية الأحداث.
ودعت الورقة إلى ضرورة أن تتولى وزارة الزراعة مسؤولية متابعة وفضح الهجمات التي يشنها الاحتلال والمستوطنون على المزارعين الفلسطينيين أمام المجتمع الدولي، وأن تقوم المؤسسات العاملة في القطاع الزراعي بتنسيق جهودها لتوثيق وحصر الهجمات على مزارعي الخضروات. بالإضافة إلى وضع خطة عاجلة لدعم المزارعين بشكل عام. ويتضمن ذلك تحديد المزارعين المتضررين من الهجمات والخسائر وتشكيل صندوق للاستجابة السريعة لمساعدة المزارعين في الحالات الطارئة وتعزيز قدرتهم على الصمود. وتفعيل مؤسسة صندوق درء المخاطر والتأمين الزراعي بالبدء في تطبيق التأمين الزراعي الشامل والاسراع في صرف تعويضات المزارعين المتضررين السابقة وإقامة نظام تعويض للأضرار الناتجة عن هذا العدوان الإسرائيلي.
محاور وأشكال العلاقات الفلسطينية- الفلسطينية على طرفي الخط الأخضر
تظهر الورقة بأن الشواهد التاريخية أن حجم العلاقات الاقتصادية بين الطرفين تتقلص بشكل كبير نتيجة التصعيد الإسرائيلي على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا سيؤدي إلى انخفاض حجم التبادلات التجارية والحركة الشرائية، بالتالي ستخفض التدفقات النقدية، وسيترتب على ذلك خسارة للمنشآت الاقتصادية الفلسطينية في قطاعات التجارة والسياحة بشكل رئيسي، خاصة التي تعتمد على تدفق فلسطينيي الداخل في نشاطها، ونتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تقدّر الخسائر الأولية على أنشطة التسوق من داخل أراضي الـ48 إلى مناطق الضفة الغربية خلال الشهرين الماضيين بحوالي 350 مليون شيقل.
تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاعي الصحة والتعليم في مدينة القدس
تشير الورقة بأن هنالك العديد من التداعيات التي أثرت على القطاع الصحي في مدينة القدس خاصة فيما يتعلق بعدم وصول المرضى من غزة لتلقي العلاج، إضافة إلى خروج الجرحى من غزة لتلقي العلاج في المستشفيات في الخارج بعد أن استعدت مستشفيات القدس لاستقبالهم، ومع توقف تدفق المرضى من غزة للعلاج أصبحت سيارات الإسعاف لا تعمل تقريباً حيث أنها كانت تعمل بشكل أساسي لنقل المرضى من قطاع غزة. كما تبين الورقة أن 50% من ذوي الإعاقة لم يستطيعوا الوصول إلى مركز الأميرة بسمة لاستكمال العلاج والتأهيل الذي يتلقونه.
أما فيما يتعلق بتداعيات العدوان على قطاع التعليم فإن الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية نتيجة رفض حكومة الاحتلال اليمينية تحويل أموال المقاصة تجعلها غير قادرة على دفع رواتب موظفيها في القطاع العام. جزء منهم المعلمون/ات في مدارس التربية والتعليم الفلسطينية في القدس وهو سبب آخر يمنعهم من الوصول إلى أماكن عملهم.
كما شهدت العديد من المدراس مداهمات من جيش الاحتلال وتعرض فيها المعلمون/ات للاستجواب وتفتيش هواتفهم. إضافة إلى ضغط كبير على المدارس التي تحولت حديثًا لمدارس تابعة للبلدية ووافقت على تدريس المنهاج الإسرائيلي حيث أن الرقابة على المنهاج المدرس اشتدت خلال هذه الفترة. كما يوجد أعداد لا يستهان بها من الطلبة الذكور في المدارس التابعة للبلدية يتم تسجيلهم وترفيعهم دون أن يحضروا للمدرسة. وذلك ضمن سياسة هذه المدارس التابعة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي حيث يفضلون عدم استقبال طلاب قد يعرضوا طاقم المدرسة لرقابة أمنية أو غيرها من التضييقات، وكذلك ارتفعت وتيرة التشديدات العقابية الإسرائيلية على الأطفال والشباب حيث أن أي طفل مقدسي يتعرض للاعتقال يمنع من استكمال تعليمه والعودة إلى مقعده الدراسي وهو ما من شأنه أن يخلق خوف وقلق بين الطلاب والأهالي. ولا تزال أثار هذه التضييقات المتوقعة من ارتفاع أعداد التسرب من المدارس أو ازدياد أيام التغيب عن المدرسة غير مرصودة بدقة.
وأجمع الحضور على ضرورة البحث في العديد من القضايا الأخرى خاصة فيما يتعلق بقياس مناعة الاقتصاد الفلسطيني، والتركيز على جانب العمليات، وأيضًا دراسة التأثيرات على البورصة الفلسطينية والتي تدرج أبرز 50 شركة فلسطينية، كما تم الحديث حول أهمية اقتراح بدائل وخيارات للخروج من حالة الوضع القائم "القاتم"، وكذلك أهمية استعراض الاحتكارات التي تحصل والتي بدورها تؤثر على قدرة الناس من الصمود.