يحث الأونكتاد المجتمع الدولي على تقديم الدعم المالي الكافِي والمستقر للشعب الفلسطيني لتخفيف المعاناة ومنع تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية العميقة
جنيف-أخبار المال والأعمال- أظهر أحدث تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) بشأن مساعدته للشعب الفلسطيني أن اقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة نما بنسبة 7.1 في المائة في عام 2021، بعد انكماشه بنسبة 11.3 في المائة في عام 2020 في أعقاب جائحة كوفيد-19.
لقد تفاقمت الأزمة المالية التي تواجهها السلطة الوطنية الفلسطينية مع الانخفاض الكبير في دعم المجتمع الدولي لموازنتها، ولذا لم يعوض الاقتصاد بعد عن الخسائر الفادحة التي تكبدها منذ أوائل عام 2020 .
ويذكر التقرير أن الانخفاض المستمر في دعم الموازنة منذ الأزمة المالية العالمية، وتفاقم الأزمة المالية التي تواجهها الحكومة الفلسطينية يتناقضان مع تصريحات المجتمع الدولي المؤيدة لحل الدولتين.
وأشار التقرير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني في عام 2021 ظل أقل بنسبة 5.1 في المائة من مستواه قبل الجائحة.
وهذا الانتعاش المحدود قد تركز بشكل غير متساو في الضفة الغربية، حيث ظل النمو ضعيفا في قطاع غزة، مما أدى إلى اتساع الهوة بينهما.
وفي عام 2021، ظلت البطالة مرتفعة حيث بلغت 26 في المائة، في الأرض الفلسطينية المحتلة، بينما كان أكثر من نصف القوى العاملة في غزة عاطلا عن العمل، وحصل 83 في المائة من العمال على أقل من الحد الأدنى للأجور.
ونتيجة لذلك، تفاقم الفقر، حيث تشير أحدث البيانات إلى أن 36 في المائة من السكان الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر. وفي الوقت نفسه، ارتفع انعدام الأمن الغذائي من 9 في المائة إلى 23 في المائة في الضفة الغربية، ومن 50 في المائة إلى 53 في المائة في غزة.
حواجز منهجية
يقول التقرير إن الحواجز المنهجية التي يفرضها الاحتلال تحرم الحكومة الفلسطينية من أدوات السياسة والحيز المالي والنقدي المتاح للحكومات الأخرى، وتحد من قدرتها على التصدي بفعالية لجائحة كوفيد-19 .
وإذا استمر الوضع الراهن - مع ترسيخ الاحتلال وتضاؤل مساعدات المانحين- على المدى القصير إلى المتوسط، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي سيواكب بالكاد النمو السكاني، الأمر الذي يعني ضمنا، في أحسن الأحوال، ركود نصيب الفرد من الناتج المحلي المحلي الإجمالي واستمرار ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
ويسلط التقرير الضوء على دور الاحتلال في إضعاف الاقتصاد الفلسطيني وحرمان منتجيه من الوصول إلى الأسواق الإقليمية والعالمية، وهو أمر ضروري لاقتصاد صغير الحجم يتسم بضعف القوة الشرائية المحلية.
ويشير التقرير إلى أن الاحتلال يضعف القدرة التنافسية للمنتجين الفلسطينيين من خلال زيادة تكاليف النقل والإنتاج، ويمنع تحقيق فوائد التجارة الدولية، ووفورات الحجم والاندماج في سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية.
ويؤدي ذلك إلى ضعف وعدم تنوع قطاع التصدير والاعتماد على الواردات، حيث تمثل 10 منتجات كثيفة العمالة ثلثي إجمالي الصادرات.
والنتيجة هي عجز تجاري هائل بنسبة 37 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم، والاعتماد التجاري على إسرائيل التي استحوذت على 72 في المائة من إجمالي التجارة الفلسطينية لعام 2021 .
تفاقم الأزمة المالية وتلاشي مساعدات المانحين
تنفذ الحكومة الفلسطينية إصلاحات مالية بعيدة المدى، مما أدى إلى انخفاض العجز الجاري في الموازنة من 23.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2007 إلى 5.6 في المائة في عام 2021، وخفض نسبة إجمالي الإنفاق الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 20 نقطة مئوية، من 50.5 في المائة في عام 2007 إلى 30.4 في المائة في عام 2021 .
وعلى الرغم من الإصلاحات، ظلت الحكومة منذ عام 2020 في قبضة واحدة من أعمق الأزمات المالية في تاريخها، والتي تتمثل في فجوة تمويل كبيرة وانخفاض حاد في المساعدات الخارجية.
وبالإضافة إلى ذلك، تسيطر سلطة الاحتلال على أكثر من ثلثي الإيرادات المالية الفلسطينية، التي يمكنها (وغالبا ما تفعل) أن تعلق تحويلها و/أو تطبق عليها اقتطاعات أحادية الجانب قبل تحويل المتبقي.
وفي عام 2021، انخفض إجمالي مساعدات المانحين إلى 317 مليون دولار، أو 1.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو انخفاض حاد مقارنة بملياري دولار أو 27 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008.
وفي الوقت نفسه، انخفض دعم الموازنة إلى النصف مقارنة بعام 2020، حيث بلغ 186 مليون دولار، أو 1 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 24 في المائة في عام 2008. كما انخفض الدعم التنموي من ذروة بلغت 10.6 في المائة في عام 2000 إلى 0.73 في عام .2021
إن ضعف الموارد المالية يقوض قدرة الحكومة الفلسطينية على القيام بوظائف الدولة الأساسية والوفاء بمختلف التزاماتها، حيث إن الحكومة دفعت رواتب جزئية لموظفي القطاع العام، منذ تشرين ثاني/ نوفمبر 2021 .
ويتفاقم تأثير الأزمة المالية لأن الحكومة الفلسطينية ليس لديها بنك مركزي، ولا تصدر عملة وطنية، مع محدودية إمكانية الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، ولذا استنفدت حدود ومصادر الاقتراض المحلية الآمنة. ويمكن التغلب على الأزمة برفع القيود التي يفرضها الاحتلال والتي تسهل من تسرب الموارد المالية الفلسطينية إلى خزينة سلطة الاحتلال وتقلص القاعدة الضريبية بتشديد الخناق على النشاط الاقتصادي.
القيود المفروضة على التنقل توسع الفجوة بين الجنسين
يسلط التقرير الضوء على أن القيود التي يفرضها الاحتلال على التنقل لها تأثير أكبر على النساء الفلسطينيات. وأن هذه القيود تقوض حق المرأة في المشاركة المتساوية في سوق العمل عن طريق إعاقة وصولها إلى العمل والتعليم والخدمات الصحية.
وتواجه النساء الفلسطينيات مخاوف إضافية تتعلق بالسلامة أثناء التنقل وعند نقاط التفتيش، مما يفرض على العديد منهن العمل من المنزل أو بالقرب من المنزل، أو البقاء عاطلات عن العمل.
وعلى الرغم من أن النساء الفلسطينيات يتمتعن بتعليم أفضل وسنوات دراسية أكثر من الرجال، إلا أنه بحلول نهاية عام 2021، كانت 54 في المائة منهن عاطلات عن العمل مقارنة بـ 30 في المائة من الرجال.
وفي الوقت نفسه، تكسب المرأة، في المتوسط، 20 سنتا مقابل كل دولار يكسبه الرجل من الدخل القومي الإجمالي.
هدم الأصول في الضفة الغربية وتزايد المعاناة في غزة
تسيطر سلطة الاحتلال على المنطقة (ج)، التي تمثل أكثر من 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية، حيث يصعب على الفلسطينيين الحصول على تصاريح للبناء لأغراض السكن أو الأنشطة الاقتصادية أو تطوير البنية التحتية، مثل الطرق وشبكات المياه والطاقة. وإذا شيد مبنى دون تصريح، كما هو الحال في كثير من الأحيان، يتم هدمه.
وفي عام 2021، بلغ عدد المباني الفلسطينية في الضفة الغربية التي تم هدمها أعلى مستوى له منذ خمس سنوات: حيث تم هدم 911 مبنى. ولم تسلم المباني الممولة من الجهات المانحة: فقد هدم 140 مبنى لتقديم الخدمات الإنسانية، بما في ذلك مباني سكنية ومعيشية ممولة من المانحين.
ويتسبب هدم الأصول في ظروف معيشية لا تطاق تدفع الفلسطينيين إلى مغادرة المنطقة (ج).
وتخضع غزة لحصار منذ عام 2007 أدى إلى اضعاف اقتصادها، وهي تعاني أيضا من عمليات عسكرية دمرت الكثير من بنيتها التحتية وأجبرت 80 في المائة من سكانها على الاعتماد على المساعدات الدولية.
ولا تزال غزة واقعة في حلقة مفرغة، حيث تقتصر تدخلات المجتمع الدولي والجهات المانحة عادة على الأنشطة الإنسانية والتأهيلية الفورية والعاجلة، وتوجه القليل من الموارد المتبقية للتنمية المستدامة وتلبية احتياجات التنمية طويلة الأجل.
نبذة عن الأونكتاد
الأونكتاد هو منظمة الأمم المتحدة المعنية بالتجارة والتنمية. وهو هيئة حكومية دولية دائمة أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1964.
الأونكتاد جزء من الأمانة العامة للأمم المتحدة والتي يبلغ عدد أعضائها 195 دولة، وهو أحد أكبر مؤسسات منظومة الأمم المتحدة.
يدعم الأونكتاد البلدان النامية بهدف الوصول إلى فوائد الاقتصاد المعولم بشكل أكثر عدالة وفعالية.
يقدم الأونكتاد التحليل الاقتصادي والتجاري، وييسر بناء توافق الآراء، ويقدم المساعدة التقنية لمساعدة الدول النامية على استخدام التجارة والاستثمار والتمويل والتكنولوجيا من أجل التنمية الشاملة والمستدامة.