ماذا يعني رفع أسعار الفائدة؟

Publishing Date
صورة توضيحية-تصوير وكالات

رام الله-(وفا)- تتأهب الأسواق العالمية لقرار الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) برفع جديد لأسعار الفائدة في وقت لاحق اليوم الأربعاء، قد يكون الأكبر منذ 28 عاما.

وبينما كان التوقع برفع أسعار الفائدة، خلال اجتماع صانعي السياسة النقدية في المركزي الأميركي، بواقع نصف نقطة مئوية ليصل نطاقها إلى 0.75 -1.25%، فإن البيانات الأخيرة للتضخم الأميركي رفعت توقعات زيادة الفائدة إلى 75 نقطة أساس، لتصل إلى 1 – 1.5%.

والجمعة الماضي، أظهرت بيانات حكومية تسارعا غير متوقع للتضخم ليصل إلى معدل 8.6% في أيار الماضي، وهو أعلى معدل في 41 عاما، ما رفع الرهان على زيادة الفائدة بأسرع مما كان متوقعا.

فماذا يعني رفع الفائدة؟ وما تأثيره على مختلف الأنشطة والأصول؟

الدولار والسندات:

من شأن تشديد السياسة النقدة، وأداته الرئيسية رفع أسعار الفائدة، أن تزيد من قوة الدولار الأميركي، الذي يعتبر العملة الرئيسية في العالم، وأيضا رفع عائد السندات التي تبيعها الحكومة الأميركية لجمع التمويل اللازم للموازنة وخطط التحفيز الضخمة، وهي بمئات مليارات الدولارات في كل إصدار.

الذهب:

في العادة يستخدم الذهب، الذي لا يدر عائدا ويعتبر حافظا للقيمة، كأداة تحوط من التضخم، وهو في نفس الوقت ملاذ آمن خلال الأزمات.

ومن شأن ارتفاع عائد السندات أن يرفع كلفة الفرصة البديلة للذهب، إذ يبتعد المستثمرون عن هذا المعدن ويقبلون على السندات للحصول على عوائد.

أيضا، فإن عقود الذهب، سواء الفورية أو الآجلة، مقومة بالدولار، ومن شأن ارتفاع قيمة الأخير أن تزيد من كلفة اقتناء الذهب على حاملي العملات الأخرى، إذ يحتاجون إلى كمية أكبر من عملاتهم لشراء الدولار لدفع ثمن حيازاتهم من الذهب، ولهذا يفقد الأخير جاذبيته كلما زادت قوة العملة الأميركية.

الاستهلاك:

من شأن رفع أسعار الفائدة التأثير في حجم الاستهلاك، وذلك في اتجاهين.

الاتجاه الأول، رفع الفائدة وهو ما يغري الناس باستغلال فرصة الحصول على عائد لأموالهم، سواء من السندات أو الاحتفاظ بها على شكل وديعة لأجل.

والاتجاه الثاني أن الاستهلاك في كثير من الأحيان يمول بقروض، وهي لا تعود مفضلة بسبب ارتفاع كلفتها، وهذا يدعوهم لتأجيل الانفاق على مشترياتهم إلى ان يصبح التمويل اقل كلفة.

القروض:

على مدى عامي 2020 و2021، ارتفع حجم الدين في العالم إلى مستويات غير مسبوقة، للحكومات والشركات والأفراد، وذلك بسبب سعي الحكومات إلى تمويل حزم تحفيز ضخمة لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، واقدام الشركات على الاقتراض، خاصة عبر بيع أوراق مالية للبنوك المركزية، وكذلك الأفراد الذين استغلوا انخفاض كلفة الاقتراض (فائدة قريبة من الصفر) التي سادت خلال سنتي الجائحة.

بالمجمل، يبلغ الدين العالمي حاليا حوالي 300 تريليون دولار.

ورفع أسعار الفائدة يعني ارتفاع كلفة هذه الديون، بحيث تصبح بحاجة إلى تخصيص مبالغ أكبر لخدمتها (أقساط وفوائد)، وهذا يكون على حساب الأنشطة الأخرى، سواء الاستثمار أو الاستهلاك، كما أنها تقلل من اتجاه الناس للحصول على قروض جديدة.

في فلسطين، فإن رفع الفائدة يكبد المقترضين بالدولار لنوعين من الخسائر، الأول نتيجة زيادة الفائدة نفسها على قروضهم، والثاني نتيجة ارتفاع قيمة الدولار، وبالتالي حاجتهم إلى كمية أكبر من الشيقل لتسديد التزامات قروضهم.

وبالفعل، فقد تلقى المقترضون الفلسطينيون بالدولار إشعارات من البنوك، لشهرين متتالين، بارتفاع نسبة الفائدة على قروضهم، فيما تلقى مقترضو الشيقل، حتى الآن، إشعارا واحدة برفع بارتفاع نسبة الفائدة، ويتوقع أن يتلقوا المزيد من الإشعارات خلال الفترة المقبلة، سواء للمقترضين بالدولار أو الشيقل أو أية عملة أخرى متداولة.

النمو والبطالة:

بسبب دور الفائدة المرتفعة في خفض الاستهلاك، وحاجة الحكومات والشركات والأفراد إلى تخصيص أموال أكثر لخدمة ديونهم، والإحجام عن القروض الجديدة، وبالتالي تراجع الاستهلاك، فإن معدلات النمو تتباطأ، وفي مراحل وظروف معينة، قد تدخل اقتصادات الدول في حالة انكماش، ما يعني زيادة في البطالة وتراجعا في باقي مؤشرات الاقتصاد الكلي، وأي اقتصاد ينكمش لفصلين متتالين أو أكثر، فإنه يدخل في مرحلة ركود.

النفط:

والنفط ايضا كالذهب، عقوده مقومة بالدولار، لهذا فإن ارتفاع الدولار نتيجة تشديد السياسة النقدية، يرفع من كلفة التعامل بالنفط، لهذا يتراجع إقبال المستثمرين عليه، ما يشكل ضغطا على الاسعار.

أيضا، بسبب التأثير السلبي لرفع الفائدة على معدلات النمو، فإن الطلب على النفط يقل، فتتراجع الأسعار.

أسواق الأسهم:

أحدثت بيانات التضخم الأميركية، الجمعة الماضي، صدمة في أسواق الأسهم العالمية، إذ أذكت التوقعات بتسريع وتيرة رفع الفائدة، ما يعني ارتفاع كلفة التمويل على هذه الشركات، وأيضا تأثر أنشطتها سلبا باحتمال أن يؤدي رفع الفائدة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في مختلف دول العالم.

ومع اتساع الرهان على رفع أكبر لأسعار الفائدة، فإن دخلت الأسهم العالمية في موجة هبوط حاد، ويتوقع أن يتواصل إرتباكها مع تعهد البنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة في تموز/أيار المقبل، لأول مرة منذ عام 2011.

الأسعار:

تهدف البنوك المركزية من وراء رفع معدلات الفائدة إلى كبح التضخم، وبالتالي خفض الأسعار، خصوصا للسلع الأساسية كالطاقة والغذاء.

لكن هذا ليس مضمونا، بل ومستبعدا، للدول التي تعتمد إلى حد كبير على الاستيراد بهدف تغطية احتياجاتها من السلع الأساسية.

فعلى سبيل المثال، فإن فلسطين تستورد حوالي 100% من احتياجاتها من الطاقة (محروقات وكهرباء)، وحوالي 95% بالمئة من الغذاء، ومعظم هذه السلع المستوردة، يتم دفع ثمنها بالعملات الصعبة، وتحديدا الدولار.

لهذا، فإن ما سنكسبه جراء الانخفاض المحتمل في أسعار السلع عالميا بعد رفع أسعار الفائدة، ستعادلها، جزئيا او كليا، خسارتنا في ارتفاع الدولار، حيث سنحتاج إلى كمية أكبر من الشيقل (عملة الدخل الرئيسية في الأراضي الفلسطينية) لشراء الدولار بهدف تمويل الواردات.