شركات إعلامية ناشئة تركز على قراء يدفعون المال وليس عدد النقرات

Publishing Date
جيسيكا ليسين، مؤسسة "ذا إنفورميشن" النشرة الإخباريةالمختصة بالتكنولوجيا-تصوير وكالات

نيويورك-أخبار المال والأعمال- خلال هذا الأسبوع، دفعت صحيفة "نيويورك تايمز" أكثر من نصف مليار دولار لشركة ناشئة للأخبار الرياضية أسست قبل خمسة أعوام فقط. وقد فقدت الصحيفة أيضا أحد كتاب أعمدتها اللامعين، وهو بن سميث، الذي يحاول تجربة حظه مع إطلاقه لخدمة نقل الأخبار الطموحة.
كلتا الحركتين تمثل رمزية الإعلام الرقمي في عصرنا هذا. ففي قطاع كثرت فيه الأحلام الفاشلة وانتشر التشاؤم، بدأت موجة جديدة من الشركات المتفائلة بدفع ما يقول عنها بعض المديرين التنفيذيين إنها أهم فترة للتغيير منذ أعوام.

حيث قال دوجلاس مكابي، المحلل في إندرز، "لقد دخلنا في مرحلة محمومة بالابتكار في الإعلام، سواء أكان ذلك من قبل الشركات القائمة أو الشركات الناشئة".
يختلف هذا الجيل من الشركات الناشئة عن سابقه الذين كانوا مهووسين بعدد مشاهدات الصفحات في منتصف العقد الأول من القرن الماضي، التي كانت تقدم للقراء قصصا بالمجان من أجل الوصول إلى جماهير كبيرة. وبدلا من ذلك، فإن هذه الشركات تعتقد أنه يجب دفع المال لقاء الصحافة، وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح بإمكان الكتاب الصحافيين تكوين علاقات مع قرائهم، بالطريقة نفسها التي يتعامل بها المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي مع متابعيهم.
وقد تمت المصادقة على نموذج هذه الشركات الناشئة هذا الأسبوع حين بيع موقع ذا آثليتيك، وهو موقع إخباري رياضي أسس قبل خمسة أعوام من قبل اثنين من زملاء العمل السابقين في مجموعة اللياقة البدنية سترافا، مقابل 550 مليون دولار. حيث كانت ثاني أكبر عملية استحواذ في تاريخ صحيفة "التايمز".

3


وقالت ميريديث كوبيت ليفيان، المديرة التنفيذية لصحيفة "نيويورك تايمز"، لصحيفة "فاينانشال تايمز"، "لقد انضممت إلى (صحيفة التايمز) مراهنة على أنه إذا ابتكرت شيئا رائعا حقا لا يستطيع الناس الحصول عليه في أي مكان آخر، فسيدفعون مقابل ذلك. أعتقد أن كثيرا من الأماكن قد أثبتت صحة هذا الأمر". وأضافت، "هناك سوق حقيقية للأشخاص الذين سيدفعون مقابل الاشتراكات. حتى في العالم الرقمي على الرغم من وجود عديد من البدائل المجانية. إنه شيء مختلف تماما عن مجرد... الجري من أجل الحصول على أعداد كبيرة من القراء".
يعتقد جون كيلي، المحرر السابق في مجلة "فانيتي فير" الذي شارك العام الماضي في تأسيس باك، وهي نشرة قائمة على الاشتراكات تغطي أخبار الأعمال والسياسة، أن هذا هو "أكبر تغيير تشهده السوق منذ 20 عاما". فقد جمعت باك سبعة ملايين دولار من المستثمرين من بينهم تي بي جي لتوظيف مجموعة من الصحافيين المؤثرين، حيث يمتلك كل منهم حصة في الشركة.

وقد كان التنفيذيون، والكتاب والمراقبون يتناقشون في مستقبل الصحافة طيلة عقدين من الزمن، حيث قوضت الإنترنت نماذج الأعمال الحالية. وقد قاد أصحاب رؤوس الأموال المغامرة طفرة في الابتكار بين 2014 حتى نهاية 2016، بينما ضخ المستثمرون من وادي السيليكون مئات الملايين من الدولارات في الشركات الإعلامية الناشئة عبر الإنترنت بتقييمات أكثر من مستواها.
أما موقع بازفيد، الذي حقق نجاحا واسعا من خلال انتشار مقاطع الفيديو المثيرة مثل تفجير بطيخة بالأربطة المطاطية، فقد بلغت قيمته 1.7 مليار دولار في 2016. لكن سرعان ما انفجرت الفقاعة بعد سيطرة كل من فيسبوك وجوجل على سوق الإعلانات عبر الإنترنت، الأمر الذي أدى إلى هبوط في تقييمات مجموعات الإعلام وتسريح الكوادر العاملة، حيث كان اعتمادها الأكبر ينصب على الإعلانات الرقمية، مثل موقعي بازفيد وفايس.
وقد خططت بازفيد العام الماضي لطرحها في الاكتتاب العام من خلال صفقة استحواذ من قبل شركة ذات أغراض خاصة بقيمة 1.5 مليار دولار. ومع ذلك، وبعد إدراجها في بورصة ناسداك في كانون الأول (ديسمبر)، انخفض سعر سهمها، حيث بلغت قيمة المجموعة 670 مليون دولار الجمعة قبل الماضية، وهو 1.2 ضعف إيراداتها السنوية فقط.

1


وفي المقابل، بلغت قيمة شركة أكسيوس أخيرا، وهي شركة ناشئة أسسها صحافيون سابقون في صحيفة بوليتيكو، 430 مليون دولار في جولة تمويلية، أي نحو خمسة أضعاف إيراداتها السنوية. بينما استحوذت شركة النشر الألمانية أكسل شبرينغر العام الماضي على بوليتيكو مقابل مليار دولار، وهو أيضا نحو خمسة أضعاف أرباحها السنوية. أما صحيفة "النيويورك تايمز" فيتم تداولها بـ3.6 أضعاف إيراداتها السنوية.
كما شهدت فايس ميديا، كما حدث مع بازفيد، سقوطا كبيرا في قيمتها السوقية. حيث تم تقييم فايس في ذروتها في 2017، عند 5.7 مليار دولار من قبل المستثمر تي بي جي. وبعد عامين فقط، باعت إحدى الشركات المستثمرة الأخرى - وهي ديزني - كامل حصتها في الشركة. وفي العام نفسه، اشترت فايس موقع الإنترنت المتخصص بشؤون النساء ريفاينري 29 في صفقة تشمل شراء جميع أسهمهم، ثم قامت الشركتان بتحديد قيمة مجموعتهما المدمجة بنحو أربعة أضعاف الإيرادات السنوية.
وقالت جيسيكا ليسين، التي أسست ذا إنفورميشن في 2013، وهي نشرة إخبارية عن التكنولوجيا تستهدف المديرين التنفيذيين في وادي السيليكون، إن الصناعة قد وصلت إلى "مستوى أكثر صحة".
وأضافت، "لقد مررنا بفترة كان يهرع فيها المستثمرون بأسرع ما يمكن بعيدا عن (شركات) الأخبار. ثم مررنا بمرحلة أخرى عندما كان أندريسن هورويتز يستثمر في في بازفيد... فقد كانت شركات التقنية تتأرجح قليلا من أجل الاستثمار في المحتوى في هذا الاتجاه". وقالت أيضا، "أما الآن، فهي مستهدفة، وهي بعيدة كل البعد عن التطرف حين كان (المستثمرون) إما يركضون للهرب منها وإما يقومون فقط بتحرير شيكات ضخمة."
إضافة إلى باك، سعى صحافيون آخرون أخيرا إلى تأسيس مطبوعاتهم الخاصة.

ففي الشهر الماضي، قام ريتشارد راشفيلد، الذي عمل سابقا في لوس أنجيلوس تايمز وغاوكر، بتحويل نشرته الإخبارية عن هوليوود إلى نموذج عمل جديد. ثم قام ليسين بالاستثمار فيها.
أما بعض المراسلين من بوليتيكو - التي أسسها صحافيون سابقون من واشنطن بوست - ممن تركوا وظائفهم العام الماضي لتشكيل بانشباول نيوز، حيث يتقاضون 300 دولار سنويا من القراء مقابل معلومات عن "صانعي القرار في واشنطن".
فيما تخلى صحافيون مؤثرون، مثل باري وايس وآندرو سوليفان عن وظائفهم في الشركات الإعلامية الرئيسة من أجل الالتحاق بمنصة سبستاك، وهي منصة تمكنهم من النشر الذاتي وفرض رسوم على القراء مقابل إتاحة الوصول إلى رسائلهم الإخبارية. ويحقق أفضل عشرة كتاب في سبستاك مجتمعين عائدات تزيد على 20 مليون دولار سنويا، وهو ما يفوق بكثير الرواتب التي تدفعها غرفة الأخبار التقليدية.
ولكن بشكل عام، هناك أموال أقل بكثير تتدفق نحو الوسائط الرقمية مقارنة بالعقد الأول من القرن الـ21. حيث ضخ المستثمرون في العام الماضي 115 مليون دولار من الاستثمارات في وسائل الإعلام الرقمية، وهو عشر مبلغ 1.1 مليار دولار الذي استثمروه في 2015، وفقا لبيانات بتشبوك.

وقد أبرز إدراج بازفيد الضعيف في سوق الأسهم وجود تشاؤم تجاه أنواع معينة من نماذج الأعمال، حيث فر جميع المستثمرين هاربين تقريبا من صندوق سباك الخاص بها قبل الإدراج في العام الماضي.
ومع ذلك، قال جاستن سميث، الرئيس التنفيذي السابق لشركة بلومبيرج ميديا، الذي أسس شركة ناشئة مع بن سميث، لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إنه قد "غمره اهتمام" المستثمرين هذا الأسبوع. لكنه امتنع من ذكر اسم أي منهم، حيث يقوم بتمويل العملية بنفسه، لكنه أبدى إعجابه بالفرصة التي أتيحت له.
وقال، "لقد كانت نيتفلكس هي صاحبة الريادة الحقيقية فقد عرفت هذا الجمهور في مجال المحتوى... هذه الاستراتيجية العالمية. إن نوعية الناس نفسها، هذا الجمهور، جميعهم يشتركون في اهتمامهم بمصلحة واحدة وهي الترفيه الرائع. إن هذه هي أفضل طريقة ممكنة لتفسير اهتمام الجمهور الذي نشهده. فالأمر يشبه إطلاق علامة تجارية إخبارية على مستوى الكوكب تقريبا وهو ما لم يتم القيام به في الحقيقة".
من السابق لآوانه تحديد مقدرة المستهلكين المالية للدفع مقابل جميع هذه الاشتراكات. حيث يكلف الاشتراك عبر الإنترنت في ذا إنفورميشن 39 دولارا شهريا، وهو ما يزيد على تكلفة الاشتراك في خدمات بث نيتفلكس، وديزني بلاس وإتش بي أوه مجتمعة، على الرغم من أنها تستهدف ذوي المقدرة المالية الأكبر. لكن لا تزال الأخبار صناعة آخذة في الانكماش، حتى قصة مثل قصة نجاح ذا أثليتيك فهي تخسر المال.
وحذر ليسين قائلا، "لا يزال من الصعب للغاية بناء مؤسسة إخبارية. إن هذا ليس عملا مناسبا لضعاف القلوب".

المصدر: فاينانشال تايمز