رام الله-أخبار المال والأعمال- باتت الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية، تهدد وفائها بالتزاماتها خلال الأشهر القليلة المقبلة، خاصةً على صعيد رواتب الموظفين العموميين ومستحقات المورّدين.
وتعوّل السلطة الفلسطينية على اجتماع المانحين الذي سيعقد في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري بالعاصمة النرويجية أوسلو، لاستئناف المنح الخارجية التي تراجعت إلى الصفر خلال العام الحالي، ما دفع الحكومة إلى الاقتراض من البنوك وترشيد إنفاقها في محاولة لتغطية مصاريفها.
ويترافق انقطاع المنح الخارجية، مع اقتطاع إسرائيل لأموال من عائدات المقاصة الفلسطينية، وتذبذب الإيرادات المحلية في ظل تراجع الوضع الاقتصادي، الذي لا يزال يعيش تداعيات جائحة "كورونا" السلبية.
وقال رئيس الوزراء محمد اشتية خلال استقباله وفدًا من أعضاء الكونغرس الأميركي، يوم الاثنين، إن "السلطة الفلسطينية تفي بالتزاماتها المالية في الضفة بما فيها القدس وغزة ومخيمات اللجوء في سوريا ولبنان، لكنها بسبب الاحتلال غير قادرة على السيطرة على الحدود والمعابر والمقدرات الطبيعية من أرض ومياه وغيره، ما يضعها في وضع مالي صعب".
وطالب اشتية الولايات المتحدة بإعادة بقية المساعدات التي كانت تقدم سابقا من أجل مساعدة الحكومة والشعب الفلسطيني على مواجهة التحديات المالية.
بلغ متوسط الدعم السنوي للميزانية العامة الفلسطينية، نحو 1.1 مليار دولار حتى 2013، تراجع تدريجيا حتى استقر عند متوسط 500 مليون دولار في 2019، وفقًا لتقرير سابق لوكالة "الأناضول"
وحتى 2016، كانت الولايات المتحدة إلى جانب السعودية، تصنفان كأكبر مانحين فرديين للموازنة، بحسب ما تظهره البيانات التاريخية لوزارة المالية الفلسطينية، قبل أن يتوقف الدعم الأميركي اعتبارا من 2017، مع وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض.
سبق التوقف تخفيف المنح الموجهة للموازنة، إذ بلغ الدعم الأمريكي في 2013 نحو 350 مليون دولار، وبدأ بالتراجع مع توجه السلطة الفلسطينية للانضمام إلى منظمات دولية، بعد حصولها على عضوية بصفة مراقب بالأمم المتحدة.
في 2016، وهو آخر عام دعمت فيه الولايات المتحدة الموازنة الفلسطينية، بلغ إجمالي مساعداتها 76 مليون دولار أمريكي، بينما تم تحويل 65 مليون دولار مطلع 2017، قبيل تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة.
اعتبارا من آذار 2017 تظهر بيانات وزارة المالية أن الحكومة الفلسطينية لم تتلق دولارا واحدا من الإدارة الأمريكية لدعم الموازنة.
ورغم استئنافها للمساعدات التي تقدمها لوكالة "الأونروا" وتفعيل عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في الأراضي الفلسطينية منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى سدة الحكم، إلا أن المساعدات الأمريكية المباشرة لخزينة السلطة لم تعد كما كانت.
وفي أحدث تقرير له، دعا البنك الدولي إسرائيل إلى وقف الاقتطاعات من عائدات المقاصة الفلسطينية ومعالجة الملفات المالية العالقة، كما دعا المانحين إلى استئناف المساعدات للمالية العامة.
وجاء في التقرير إن "المالية العامة للسلطة الفلسطينية ما زالت تواجه تحدياتٍ جسيمة، وعلى الرغم من زيادة عائدات المالية العامة، فإن الإنفاق العام ارتفع بالمعدل نفسه وهوت المساعدات إلى مستوى قياسي متدنٍ، وزادت الضغوط على المالية العامة من جراء استقطاعات إضافية أجرتها الحكومة الإسرائيلية من الإيرادات الضريبية الشهرية التي تقوم بتحصيلها لحساب السلطة الفلسطينية (إيرادات المقاصة)".
وأضاف التقرير: "بعد حساب الدفعات المُقدَّمة من إيرادات المقاصة التي قدَّمتها الحكومة الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية، والتمويل المقدم من المانحين، من المتوقع أن يصل عجز موازنة السلطة الفلسطينية إلى 1.36 مليار دولار في 2021".
وتابع: "قد تواجه السلطة الفلسطينية صعوبات في الوفاء بالتزاماتها الجارية قرب نهاية العام، (إذ) لم تعد قادرة على الاقتراض من البنوك المحلية، ولذلك قد تضطر إلى زيادة تراكم المتأخرات المستحقة للقطاع الخاص، الأمر الذي يؤدي إلى سحب مزيد من السيولة في السوق".
وقال البنك الدولي إن "فجوة التمويل المتوقعة ما تزال كبيرة جداً".
وطالب البنك في تقريره الحكومة الإسرائيلية بـ"معالجة بعض تسرُّبات الموارد من المالية العامة التي لا تزال قائمة، فعلى سبيل المثال، تقوم بتحصيل الإيرادات الضريبية من الشركات العاملة في المنطقة (ج)، وتُحصِّل رسوم المغادرة على الجسر، ولكن لم يحدث تحويل منتظم لهذه الإيرادات إلى السلطة الفلسطينية كما تقضي الاتفاقيات المُوقَّعة".
وأضاف: "إذا تم صرف بعض هذه الأموال، فسوف يتيح تمويلا سريعا تشتد الحاجة إليه في هذه الأوقات الصعبة". كما دعا التقرير المانحين إلى المساعدة في خفض عجز الموازنة.
وتبلغ نفقات الحكومة الفلسطينية الشهرية أكثر من مليار شيقل، تتضمن فاتورة الرواتب وأشباه الرواتب وغيرها من النفقات.
وتبلغ حوالة المقاصة الشهرية التي تصل من إسرائيل نحو 550-600 مليون شيقل. وتعمل الحكومة على تغطية المبلغ عبر الاقتراض من البنوك أو من خلال المساعدات والمنح الخارجية.
وقال مصدر في وزارة المالية إن الحكومة ستتمكن من صرف رواتب موظفيها عن شهري تشرين الثاني الجاري وكانون الأول المقبل، لكن الصورة لا تزال قاتمة حول قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها كاملة بدءًا من مطلع العام المقبل 2022.