رام الله- (الحياة الجديدة)- تشيـر تنبـؤات سـلطة النقـد في محاولــتها لاستشراف آفاق الاقتصاد الفلسطيني في العام 2021، إلى إمكانية تحقيق الاقتصاد لمعـدل نمـو يتجـاوز الـ 4%، مـع تحسـن مرتقـب في مسـتوى الدخل الفردي بحوالي1.8%. غـير أنها تؤكد أن هـذا التعافي يبقى عرضةً لبعـض المخاطر المحتملة، وما قد يتمخـض عنها من انحرافات، إيجابية أو سلبية، قـد تؤثر في القيم المتنبأ بها، والـتي قـد تنجم عن عـدم قدرة السـيطرة على الجائحة أو احتوائها، بسـبب النقـص في اللقاحات أو ظهور طفرات جديدة تحتاج إلى لقاحات جديدة. بالإضافة إلى تجدد الأزمات السياسية والاقتصادية مع الجانب الإسرائيلي.
جاء ذلك في تقرير الاستقرار المالي للعام 2020، الذي أصدرته سلطة النقد، يوم الخميس، ويستعرض مختلف التطورات في النظام المالي، بكافة مكوناته من مؤسسات مصرفية وغير مصرفية، وأشكال المخاطر المختلفة التي تعرض لها هذا النظام.
الاقتصاد شهد أسوأ الأوضاع
وأظهر التقرير أن الاقتصاد المحلي شهد خلال العام 2020 واحدًا من أسوأ الأوضاع منذ ما يزيد على عقدين من الزمن (منذ انتفاضة الأقـصى)، جراء تزامن تفــشي الجائحة مع تراجع المساعدات الخارجية، وتجــدد أزمة إيرادات المقاصة مع الجانب الإسرائيلي وعودتها إلى المشهد الاقتصادي من جديد، وهو ما أدى إلى تراجع الأداء الاقتصادي بشكل ملحوظ. فقد أسفر هذا الوضع عن انكماش الاقتصاد بنحو 11.5% (الأكبر منذ العام 2002) مقارنة مع العام 2019، لينخفــض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأسعار العام (2015) إلى حوالي 14.0 مليار دولار. إذ تراجع اقتصاد الضفة الغربية بنحو 11.3%، ليصل إلى حوالي 11.5 مليار دولار. في حين تراجع اقتصاد قطاع غــزة بحوالي 12.3% إلى حوالي 2.5 مليار دولار.
تراجع مســتوى معيشة المواطن
وأكد أن هـذا المسـتوى من الأداء إنعكس بشـكل مباشـر على مسـتوى معيشة المواطـن، مقاسًا بالدخل الفردي السنوي (متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي)، الذي تراجع في العام 2020 بنحو 13.7% ليبلغ حوالي 2,914 دولار. إذ تراجع في الضفـة الغربية بحـوالي 13.4% منخفضًا إلى 4,176 دولار، مقابل تراجع بنحو 14.8% في قطاع غــزة، لينخفـض الدخل الفردي إلى 1,212 دولار (الأدنى على الإطلاق)، مشـكّلا نحو ثلث دخل الفرد في الضفة الغربية.
بعـض العوامل أسهمت في التخفيف
غير أن بعض العوامل قد أسهمت في التخفيف نوعًا ما من حدة تداعيات التراجع في مستوى الدخل الفردي، فمن جهة، طرأ تراجع في المستوى العام للأسعار في فلسطين، إذ تراجعت أسعار المستهلك في الضفة الغربية بنحو 0.9%، مقارنة مع ارتفاع بنحو 1.8% في العام 2019، مع تراجع أقل حدة في قطاع غــزة بلغ 0.5%، مقارنة مع ارتفاع بنحو 0.4% في العام السابق. ولتسفر هذه التطورات عن تراجع المستوى العام للأسعار في فلسطين بنحو 0.7%، مقارنة مع ارتفـاع بلغ 1.6% في 2019.
ومن جهة ثانية، طرأ ارتفاع في معـدل الأجر اليومي الإسمي للعاملين الفلسـطينيين بنسبة 3.2% ليبلغ نحو 132.7 شيقل، جراء ارتفاع متوسط الأجر اليومي للعاملين في الضفة الغربية بواقع 2.5% وصولا إلى 121.9 شــيقل، وللعاملين في إسرائيل والمستعمرات بنحو 1.4%، ليبلغ 257.9 شيقل، وللعاملين في قطاع غزة بنسـبة 0.7%، ليصل إلى 61.6 شيقل.
ونظـرًا لتزامن هذا الارتفاع مع انخفاض المسـتوى العام للأسعار، فقد أسهم في تحسن مسـتوى الأجر الحقيقي (القوة الشرائية)، حيث سجّلت الأجور الحقيقية للعاملين في الضفـة الغربية ارتفاعًا بواقع 3.3%، وللعاملين في إسرائيل والمسـتعمرات بنحو 2.2%، وللعاملين في غزة بحوالي 1.2% مقارنة مع العام السابق.
ارتفاع معدلات البطالة
لكن في المقابل، أضاف هـذا المســتوى من الأداء مزيدًا من الضغوط على سوق العمل، دافعًا بمزيد من العاطلين عن العمـل إلى صفوف البطالة، المرتفعة أساسًا، والتي تعد من أبرز التحديات التي يعاني منها الاقتصاد الفلســطيني، وخصوصًا في قطاع غزة.
ففي ظل ضعف غالبية الأنشطة الاقتصادية، ليس فقــط لم يعد الاقتصاد قـادرًا على خلق فرص عمل جديـدة، بل وخسر أيضًا نحو 46 ألــف وظيفة من الوظائف القائمة، علاوةً على فقدان نحو 8 آلاف فرصة عمـل لدى سـوق العمل الإسـرائيلي.
ضغـوط على مالية الحكومة
كما أضافـت أزمات العام 2020 مزيـدًا من الضغـوط على مالية الحكومـة، محدثـةً مزيـدًا من الاختلالات، مـن عجـز ومتأخـرات وديـن. فمع انخفـاض الإيـرادات العامة والمنح، لم تتمكن الحكومة من سـداد كامل الالتزامات والنفقـات المترتبـة عليهـا، فارتفع العجز في الرصيد الكلي بعـد المنح (على أسـاس الالـتزام) إلى حـوالي 1.2 مليار دولار. إضافة إلى تزايد المتأخرات المترتبة على الحكومة بنحـو 5 ,14% من جهـة، ولجوء الحكومة إلى مزيد من الإقـراض الداخلي والخارجي، ليرتفـع الدين الحكومي (مقوما بالـدولار) بنحـو 30,6% عما كان عليـه في العـام 2019.
ارتفاع موجودات القطاع المصرفي
وفي ذات السياق، تشير البيانـات الماليـة الخاصة بالقطـاع المصرفي (كما في نهايـة العـام 2020) إلى ارتفـاع إجمالي موجـودات هـذا القطـاع بنسـبة 11.0% لتصل إلى 19.9 مليــار دولار. كما انعكست ثقـة الجمهــور المتزايــدة في تزايــد واضح في حجــم الودائع التي وصلــت إلى 15.1 مليـار دولار، متزايـدة بنحـو 13.1% عمـا كانـت عليه في العـام 2019، مـع تزايـد فـرص توظيفهـا في الاقتصـاد المحلـي، حيـث شـهدت المحفظـة الائتمانيـة ارتفاعًـا بـحوالي 11.5% لتبلـغ حـوالي 10.1 مليـار دولار، مشـكّلةً أكثـر مـن نصـف إجمـالي موجـودات القطـاع المصرفي، في إشـارة إلى مزيـد من التفعيـل لـدور الوساطة الماليـة بـين وحـدات الفائـض والعجـز وتعميـق الروابـط بـين القطاع المصـرفي وبقيـة قطاعـات الاقتصـاد المحلي.
سلطة النقد تتخذ إجراءات احترازية
وأشار محافظ سلطة النقد فراس ملحم، في بيان صحفي صدر الخميس، عقّب فيه على نتائج التقرير، إلى أن الاهتمام بالاستقرار المالي، يعكس مدى التركيز والاهتمام بالقطاع المالي، وتعزيز قدرته على مواجهة المخاطر لضمان ملاءته وقيامه بمهامه المختلفة، وبما يسهم في دعم النمو الاقتصادي المستدام وفي تحقيق التنمية بفاعلية وكفاءة، وضمان تدفق الأموال بسلاسة بين الأفراد والأسر وقطاع الأعمال والحكومة وبين المواطنين وبقية العالم.
وفي سياق تقييمه لوضع الاستقرار المالي في فلسطين خلال العام 2020، قال ملحم: "إن الظروف الصعبة التي عانى منها الاقتصاد دفعت سلطة النقد إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية، بهدف المواءمة بين الحفاظ على سلامة واستمرارية عمل المؤسسات الخاضعة لرقابتها وإشرافها المباشر، والاستمرار في تقديم مختلف الخدمات المصرفية لجمهور المواطنين من جهة، والتخفيف من الأضرار التي لحقت بالمواطنين وقطاع الأعمال، ودعم مختلف الأنشطة والقطاعات الاقتصادية والمحافظة على استمراريتها من جهة ثانية".
وأكد أن الإجراءات التي اتخذتها سلطة النقد قد أثبتت فعاليتها ونجاعتها في التعامل مع التحديات الإضافية التي فرضتها أزمات العام 2020، والإبقاء في نفس الوقت على القطاع المصرفي الفلسطيني سليمًا ومتينًا وقادرًا على تحمّل هذه التحديات والتعامل معها، وحتى تجاوزها، نتيجة لاحتفاظه بمستويات جيدة من رأس المال، وتمتعه بمستويات مريحة من السيولة.
لكنه شدد على أن المخاطر، وتحديدًا تلك المرتبطة بالجائحة، لا تزال تشكّل أحد أبرز المخاطر التي تواجه الاستقرار الاقتصادي والمالي، إلى جانب المخاطر الأخرى المتعلقة بإيرادات المقاصة، والمساعدات الخارجية، وغيرها، والتي لا تزال تلقي بظلالها على مجمل الوضع الاقتصادي والمصرفي.