نيويورك-(فاينانشل تايمز)- أدت موجة الاستدامة إلى نقل تريليونات الدولارات إلى الصناديق ذات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة وجلب أجندة جديدة بقيادة أصحاب المصالح إلى مجالس إدارات الشركات.
تنضم الآن شركات المحاسبة الأربع الكبرى إلى الموجة الرائجة التي توفر فرصتين مغريتين: توسعة ما يجب على الشركات تفسيره، وفرصة لتغيير العلامة التجارية للمهنة التي ابتليت بالفضائح من خلال تقديم المشورة بشأن تغير المناخ والتنوع ـ وكسب ثقة المستهلكين.
وضعت شركة برايس ووترهاوس كوبرز PwC الطلب المتزايد للمشورة بشأن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في صميم خطة استثمارية بقيمة 12 مليار دولار أعلنت عنها في حزيران (يونيو) تشمل إضافة 100 ألف موظف وإطلاق "معاهد ثقة" لتدريب العملاء على الأخلاقيات.
قال بوب موريتز، الرئيس العالمي للشركة، إن هذا الاستثمار سيعيد تعريف وتغيير العلامة التجارية للشركة "للتأكد من أننا قيمون لما يحتاج إليه عملاؤنا وما يحتاج إليه العالم".
بدورها أعلنت شركة ديلويت عن "برنامج تعلم عن المناخ" هذا الشهر لموظفيها البالغ عددهم 330 ألفا. وتضمن عمل شركة كيه بي إم جي لمعايير الحوكمة والمعايير البيئية والاجتماعية مساعدة شركة إيكيا على تحليل المخاطر الاجتماعية والبيئية المرتبطة بالمواد الخام لمتجر التجزئة السويدي للأثاث، وتقديم المشورة بشأن أول سند أخضر صدر في الهند.
كانت شركات المحاسبة الأربع الكبرى، بما فيها شركة إي واي EY، في خضم نقاش تحاول فيه مجموعات العمل صياغة معايير دولية جديدة لقياس الاستدامة.
لكن نظرا لتركيزها الجديد على الحوكمة والمعايير البيئية والاجتماعية الذي يلوح في الأفق بشكل أكبر في تسويقها لأنفسها، يتساءل بعض الشركاء عن المدى الذي ستتحول فيه شركاتهم ويحذرون من أنه قد يعرض الشركات إلى انتقاد لاذع إذا فشلت في تطبيق المعايير التي تروج لها.
تستجيب شركات المحاسبة الأربع الكبرى جزئيا لارتفاع ميزانيات العملاء لتطوير خطط انبعاثات صافية صفرية ومبادرات الاستدامة الأخرى. تتبع المقاييس غير المالية مثل بصمات الكربون للشركات، وليس فقط نتائجها المالية، يمنحها فرصة لتوليد المزيد من دخل الرسوم وتحسين هوامش الربح.
ومن شأن إدخال مقاييس موحدة لإعداد تقارير الحوكمة والمعايير البيئية والاجتماعية والمؤسسية الموحدة للشركات أن يضيف مزيدا من العمل للمحاسبين. من المحتمل أن يتم تسهيل ذلك من خلال مجلس معايير الاستدامة الدولية المقترح، وهو هيئة قد يتم إنشاؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) لتعكس الدور الذي يلعبه مجلس معايير المحاسبة الدولية في وضع معايير التقارير المالية.
قال شريك سابق في شركة برايس ووترهاوس كوبرز: "أحد التحديات التي واجهتها المهنة (...) هي أن بعضهم يعد التدقيق أو البيانات المالية وظيفة امتثال". أضاف: "إذا نظرت (الشركات) إلى شيء ما على أنه عملية شراء لامتثال أو لسلعة فإنها تخفض السعر. إذا نظرت إليه على أنه شيء يضيف قيمة، فإنها مستعدة لدفع السعر المناسب للقيمة التي يوفرها مزود الخدمة".
يقدم توجه المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة لشركات المحاسبة الأربع الكبرى فرصا أخرى أيضا تتعدى المحاسبة.
بحسب شريك في واحدة من شركات المحاسبة الأربع الكبرى، ستكون هناك قدرة متزايدة على بيع الخبرات مثل إضافة معايير متعلقة بالمناخ لتصميم حزم الرواتب التي يحصل عليها المسؤولون التنفيذيون. وقد تضاعف بالفعل عدد الشركات العالمية التي تدخل مقاييس بيئية أو اجتماعية عند تقرير رواتب المسؤولين التنفيذيين منذ 2018، وفقا لآخر تقرير صدر عن مجلس الاستدامة الدولية لمعايير الحوكمة والمعاييرالبيئية والاجتماعية.
كان هدف شركة برايس ووترهاوس كوبرز من "المعادلة الجديدة" التي تتضمن تغيير العلامة التجارية على أساس "الثقة"، الاستفادة من "نقطة انعطاف" حيث تفكر الشركات في كيفية شرح تأثيرها في المجتمع عقب الجائحة، حسبما قال شخص مطلع على الخطط.
أضاف الشريك قائلا بدلا من "الإجابة عن الأسئلة المطروحة علينا" ببساطة، تريد الشركة "صياغة" أسئلة العملاء والاستعانة بفرق شركة برايس ووترهاوس كوبرز الخبيرة في الأمور ذات الصلة وبأصحاب المصالح الآخرين مثل الموظفين. وذكر أن الاستشاريين الذين يقدمون المشورة للشركات التي تشتري تكنولوجيا جديدة، مثلا، يمكن أن يقدموا المساعدة على دعم العاملين الذين يخاطرون بفقدان وظائفهم نتيجة لذلك.
من الواضح أن المستشارين والمحاسبين يرون المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة فرصة تجارية. الأمر الأقل وضوحا هو ما إذا كان حجم التغييرات في مؤسساتهم سيتوافق مع ضجيجهم التسويقي.
في بعض الأحيان، تعاني الشركات لتوضيح ما تعنيه بتركيزها على مفاهيم واسعة مثل "الثقة" و"الاستدامة" في الممارسة العملية.
بونت رينجين، الرئيس التنفيذي العالمي لشركة ديلويت، نشر أخيرا تغريدة حول مقال كتبه بعض كبار المفكرين في الشركة حول "الرابط بين الثقة والازدهار الاقتصادي".
جاء في المقال: "أن الثقة شاملة"، فهي "مادية، عاطفية، رقمية، مالية، أخلاقية. ما كان من الجيد وجوده أصبح الآن من الواجب وجوده. أصبح المبدأ الآن محفزا. القيمة الآن لا تقدر بثمن".
"برنامج التعلم عن المناخ" هو أحدث مبادرة من قبل شركة ديلويت متعلقة بالمناخ. مقارنة بجميع العروض الترويجية، فإنها مجرد عرض تقديمي عبر الإنترنت مدته 35 إلى 45 دقيقة، مع حفنة من العناصر التفاعلية ودعوة للموظفين للتقليل من تأثيرهم الشخصي في المناخ.
بينما تؤكد شركات المحاسبة الأربع الكبرى تغير المناخ والمساواة في موادها التسويقية والتوظيفية، فإن الكثير من استثماراتها تقع في مجالات ليست ذات صلة. ركز إعلان استراتيجية شركة برايس ووترهاوس كوبرز بشدة على "الثقة" و"الاستدامة" لكن مبلغا كبيرا من 12 مليار دولار تخطط لاستثمارها سيتوجه نحو اثنين من آفاق النمو الرئيسة الأخرى: التكنولوجيا وآسيا.
من المتوقع أن يكون الجزء الأكبر من صافي وظائفها الجديدة البالغة 100 ألف وظيفة في مجال التكنولوجيا، مستفيدة من طلب الشركات التي تسعى للحصول على مساعدة في مجال الأمن السيبراني، والمنصات السحابية، وعلوم البيانات. القليل فقط سيتعلق بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة. لم تعط شركة برايس ووترهاوس كوبرز أي رقم محدد.
سيخصص ربع الاستثمار الجديد لمضاعفة أعمال شركة برايس ووترهاوس كوبرز في آسيا، حيث نمت سوق الاستشارات وحدها بمقدار الثلث منذ 2015 إلى 32.9 مليار دولار، وفقا لصورس جلوبال ريسيرتش، لكنه يمثل أقل من 15 في المائة من إيرادات الشركة.
لكن الرغم من الضجة حول المناخ والتأثير الاجتماعي، فإن اهتمام الشركات الاستشارية المستمر بفرص النمو الأخرى يشير إلى أنها تدرك أن تقديم المشورة في مجال المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة لن يحل محل جميع عملياتها الحالية، أو حتى يعيد تشكيلها.
وهي تتعمق أيضا في تقديم الاستشارات المتعلقة بالاستدامة على الرغم من ادعاء النقاد أن الأداء المتفوق للاستراتيجيات التي تتحدث عن مواضيع الحوكمة والمعايير البيئية والاجتماعية والمؤسسية هو مجرد وهم، أو سيكون قصير الأجل.
خلص اثنان من أساتذة جامعة هارفارد هذا الشهر إلى أن بيان الطاولة المستديرة للشركات الأمريكية في 2019 الذي يبشر بعصر جديد من رأسمالية أصحاب المصالح كان "للاستعراض في الغالب". ويضم أعضاء المائدة المستديرة رؤساء شركات المحاسبة الأربع الكبرى، إضافة إلى الشركات الاستشارية المنافسة، أكسنتشر، وباين آند كومباني، ومجموعة بوسطن الاستشارية، وماكينزي.
حتى لو كانوا يتحوطون لرهاناتهم من خلال الاستثمار في التكنولوجيا أو التحولات الإقليمية، فإن القفز علنا إلى موجة المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة الرائجة والظهور كمنارات للثقة يحمل أيضا مخاطر للمستشارين.
قال شريك إداري بريطاني في شركة محاسبة أخرى عن خطط شركة برايس ووترهاوس كوبرز: "أعتقد أنهم سيصبحون هدفا للناشطين". مجادلا أنه من خلال الترويج لمؤهلات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة الخاصة بها فإن الشركة
ستجذب التدقيق في سجلها الخاص.
أضاف: "لا يتطلب الأمر الكثير (...) ليجد شخص ما أن شركة برايس ووترهاوس كوبرز في الدولة ’س‘ لا تمتثل تماما لمعايير انبعاثات الكربون الخاصة بها، أو أنها تخدم العملاء ذوي السجلات المروعة أو الذين يملكون تاريخا من العبودية الحديثة".
ردا على السؤال عما إذا كان تركيز شركة برايس ووترهاوس كوبرز على الثقة وعدا يصعب تحقيقه بالنظر إلى الفضائح التي ابتليت بها صناعتها، قال تيم رايان، الرئيس والشريك الأول لشركة برايس ووترهاوس كوبرز في الولايات المتحدة: "هنالك دائما مخاطرة في القيادة. لسنا مثاليين لكننا نستثمر بشكل كبير للتأكد من أن كل ما نفعله يتعلق بالتحسين".