رام الله-أخبار المال والأعمال-توقع صندوق النقد الدولي زيادة احتياجات التمويل على مدار العامين المقبلين في دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وأن تحتاج الأسواق الناشئة في المنطقة إلى نحو 1.1 تريليون دولار في 2021 - 2022 من 748 مليار دولار في 2018 - 2019.
وقال الصندوق، الأحد، "إنه على دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى الحد من احتياجها إلى التمويل، إذ إن تنامي الدين الحكومي الذي تفاقم بسبب الجائحة يهدد فرص التعافي".
ووفقا لـ"رويترز"، شهدت المنطقة، التي تضم 30 دولة من موريتانيا غربا إلى كازاخستان شرقا، تعافيا اقتصاديا في الربع الثالث مع تخفيف الدول إجراءات مكافحة فيروس كورونا المستجد.
لكن ما زالت التوقعات على درجة كبيرة من الضبابية وستتباين مسارات التعافي بناء على سرعة حملات التطعيم ومدى الاعتماد على القطاعات الأشد تضررا، مثل السياحة، والسياسات المالية للدول.
وقال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، "بدأ التعافي، لكنه متباين، وثمة ضبابية".
وأضاف "ضبابية النظرة المستقبلية نابعة من استمرار إرث ما قبل الجائحة، ولا سيما في الدول مرتفعة الدين". ويشير الصندوق إلى أن الدول السباقة إلى التطعيم، وتشمل دول الخليج الغنية بالنفط وكازاحستان والمغرب، ستبلغ مستويات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019 العام المقبل، بينما سيستغرق التعافي إلى تلك المستويات عاما آخر في الدول الأخرى.
وقال في أحدث توقعاته الإقليمية والاقتصادية: "قد تقيد متطلبات التمويل المرتفعة مساحة السياسة اللازمة لدعم التعافي".
وتآكلت الموارد المالية للدول العام الماضي جراء تراجع الطلب على السلع الأولية وانخفاض أسعارها. وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ارتفع عجز الميزانيات إلى 10.1 في المائة، من الناتج المحلي الإجمالي في 2020 من 3.8 في المائة، في 2019.
ودفعت الأزمة عديدا من الدول إلى الاقتراض، مستغلة وفرة السيولة في الأسواق العالمية، من أجل زيادة الإنفاق لتخفيف تبعات الجائحة.
ولهذا مخاطره على الاستقرار المالي، وقد يؤدي إلى تباطؤ التعافي الاقتصادي. ويعتمد عدد كبير من الدول على البنوك المحلية لتمويل احتياجات سيادية، ما قد يحد من توافر الائتمان للشركات والمشاريع الصغيرة.
وستصبح الدول ذات مستويات الدين المرتفعة أكثر انكشافا عندما يبدأ تشديد السياسات المالية العالمية، ما قد يرفع تكاليف الاقتراض ويزيد من صعوبة طرق الأسواق.
وقال الصندوق: "رغم أن مستويات الاحتياطي المريحة تقدم الدعم إلى الأسواق الناشئة في المنطقة، فإن أوجه الانكشاف أكبر للدول ذات الدين الخارحي المرتفع والمساحة المالية المحدودة".
وتابع "حري بالدول تنفيذ سياسات وإصلاحات للإسهام في خفض إجمالي احتياجات التمويل العام المرتفعة وتقليل، مع مرور الوقت، الانكشاف السيادي للبنوك".
وأوصى الصندوق بالتنسيق بين السلطات المالية والنقدية، فضلا عن تعميق أسواق الدين المحلية والتوسع في قاعدة المستثمرين.
وفي سياق متصل، توقع صندوق النقد الدولي أمس، أن تعود اقتصادات الدول التي بدأت تلقيحا مبكرا ضد فيروس كورونا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى مستويات ما قبل الوباء العام المقبل، وذلك بعدما رفع توقعاته للنمو في المنطقة لعام 2021.
وشهدت المنطقة التي تضم جميع الدول العربية وإيران تقلص نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.4 في المائة، في عام 2020 بسبب انخفاض أسعار النفط وعمليات الإغلاق لمنع انتشار فيروس كورونا.
وقال صندوق النقد في وقت سابق من هذا الأسبوع: "إن نمو الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة سيبلغ 4 في المائة هذا العام، في ارتفاع بنسبة 0.9 في المائة عن التوقعات السابقة في تشرين الأول (أكتوبر)".
وفي تقريره الأخير حول التوقعات الاقتصادية الإقليمية الصادر أمس، توقع الصندوق الدائن أن تعود مستويات الناتج المحلي الإجمالي للقاحات المبكرة إلى مستويات عام 2019 في عام 2022.
في المقابل، من المتوقع أن تحدث عملية التعافي في الدول البطيئة والمتأخرة في مجال التطعيم بين عامي 2022 و2023.
وقال جهاد أزعور، مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، "التعافي يسير على مسار متباين، حيث يلعب تقديم اللقاح دورا مهما في تحديد مدى فاعلية وعمق التعافي".
وأضاف أن "الانتعاش متعدد السرعات يدور على مستويات مختلفة بين أولئك الذين يسارعون في تقديم اللقاح ليصلوا بسرعة إلى تلقيح كامل سكانهم أو 75 في المائة منهم، وأولئك الذين سيكونون بطيئين في التطعيم أو سيتأخرون في ذلك".
وأطلق عديد من دول المنطقة، خصوصا الخليج، حملات تطعيم واسعة النطاق، بينما لا يزال يشكل الوصول إلى إمدادات اللقاح لعديد من الدول الأخرى تحديا كبيرا بسبب كميات اللقاح المحدودة والصراعات الداخلية وضعف الموارد المالية.
وبعد انكماش بنسبة 4.8 في المائة في عام 2020، فإنه من المتوقع أن تحقق دول الخليج الغنية بالنفط نموا بنسبة 2.7 في المائة هذا العام.
ولبنان، الذي يعاني أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، هو الدولة الوحيدة في المنطقة التي من المتوقع أن يتقلص نشاطها الاقتصادي هذا العام، بعدما شهدت انكماشا كبيرا بنسبة 25 في المائة، العام الماضي. وأجرت الدولة العاجزة منذ شهور عن تشكيل حكومة جديدة، محادثات مع صندوق النقد بشأن دعم مالي العام الماضي، لكنها سرعان ما تعطلت، بسبب الافتقار إلى توافق سياسي بشأن الإصلاحات المطلوبة. وقال أزعور: "في غياب حكومة، من الصعب جدا علينا تقديم أي شيء غير المساعدة الفنية".
وتوقع صندوق النقد الدولي مزيدا من ارتفاع التضخم في إيران هذا العام، ودعا إلى إصلاحات مع تعافي الاقتصاد من أزمة فيروس كورونا.
وتضررت إيران ضررا بالغا من جائحة كوفيد - 19 العام الماضي، إذ تفاقمت الضغوط الاقتصادية الناجمة عن عقوبات تكبح مبيعات النفط الحيوية لعضو "أوبك".
ويتوقع صندوق النقد أن يرتفع التضخم إلى 39 في المائة هذا العام من 36.5 في المائة العام الماضي.
وقال أزعور: "مستقبلا، من المهم الشروع في التعامل مع بعض أوجه الضعف القائمة في الاقتصاد. بغية معالجة مسألة التضخم من المهم معالجة تعدد أنظمة سعر صرف العملة في إيران، وهذا لن يساعد على معالجة التضخم فقط، بل على تحسين استقرار الاقتصاد الكلي عموما".
وأضاف أنه "يجب إعطاء أولوية لتحسين الشمول المالي"، مشيرا إلى القطاع المالي والمؤسسات المملوكة للدولة، فضلا عن إتاحة بعض المجال للقطاع الخاص، وهو ما سيساعد أيضا على توفير فرص العمل.
ويتوقع الصندوق ارتفاع البطالة إلى 11.2 في المائة هذا العام و11.7 في المائة العام المقبل من 10.8 في المائة في 2020.
كانت إيران طلبت تمويلا طارئا بخمسة مليارات دولار من صندوق النقد العام الماضي لمساعدتها على مواجهة تفشي فيروس كورونا.
وقال أزعور: "إن الطلب ما زال قيد البحث، للحصول على المعلومات الضرورية لتقييم متطلبات ميزان المدفوعات والقدرة على السداد وخدمة الدين".
وفي لبنان، ذكر أزعور أن لبنان لا يمكنه أن ينتشل نفسه من الأزمة الاقتصادية دون حكومة جديدة تجري تغييرات وتطلق إصلاحات تأخرت كثيرا. تخلف لبنان عن سداد ديونه العام الماضي، ما أدى إلى انهيار العملة وانكماش الاقتصاد 25 في المائة في 2020، وفقا لتقرير لصندوق النقد الأسبوع الماضي.
وفي الأشهر الأخيرة، تفاقم الخلاف بشأن تشكيل حكومة جديدة، ما يؤخر إحياء محادثات تمويل مع الصندوق.
وقال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، "لا يمكن أن يحدث تغيير في الاتجاه بالقطعة. يتطلب الأمر توجها شاملا".
وتابع أن "الإصلاحات ينبغي أن تركز على القطاع المالي والميزانية والحوكمة والفساد والمرافق الخاسرة التي أسهمت في ارتفاع الدين".
وقال: "في غياب حكومة جديدة يمكنها قيادة هذا التحول، من الصعب للغاية توقع أن يتحسن الوضع من تلقاء نفسه"، ليضم صوته إلى مجموعة من المسؤولين يطالبون بوضع نهاية للخلافات بشأن تشكيل الحكومة. بدأت أزمة لبنان قبل الجائحة وتسارعت بعد انفجار ميناء بيروت في آب (أغسطس) الذي أسفر عن مقتل 200 شخص.
وصرح أزعور بأن ثمة حاجة إلى دعم دولي من خلال المنح.
وقال: "لبنان يحتاج إلى تمويل ضخم من أجل إنعاش الاقتصاد كي يتيح للدولة السير على مسار الإصلاح الذي سيستغرق وقتا، لكنها في أمس الحاجة إليه". ومضى قائلا: "لبنان يحتاج إلى إعادة بناء الثقة بين مواطنيه والمستثمرين والمجتمع الدولي. حزمة الإصلاح نقطة البداية. ومن أجل ذلك تحتاجون إلى حكومة جديدة تقود تطبيق برنامج الإصلاح هذا".
وفي تونس، قال: "إن تونس لم تطلب بعد برنامج تمويل جديدا من الصندوق"، وذلك عقب تصريحات من وزير المالية بأن مناقشات بشأن تمويل جديد ستبدأ الشهر الجاري.
اتفقت الحكومة التونسية مع نقابة العمال ذات النفوذ، الاتحاد العام للشغل، على برنامج إصلاح اقتصادي نهاية الشهر الماضي يتناول قضايا الدعم والضرائب والشركات المملوكة للدولة، ما قد يفتح الطريق أمام اتفاق مع صندوق النقد.
وقال علي الكعلي، وزير المالية والاقتصاد ودعم الاستثمار، في مقابلة مع "رويترز" في 31 آذار (مارس)، "إن وفدا تونسيا سيبدأ مناقشات بشأن برنامج تمويل مع الصندوق منتصف نيسان (أبريل)".
وقال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، "لم نتلق أي طلب من السلطات بشأن برنامج جديد".
وتابع "نشط الصندوق كثيرا في تونس على مدار الأعوام العشرة الماضية، ودعم عملية الانتقال في تونس، ونتطلع إلى مزيد من العمل مع السلطات لاستكشاف سبل مساعدة تونس مستقبلا".
انكمش اقتصاد تونس 8.8 في المائة العام الماضي، إذ أضرت جائحة كوفيد - 19 بقطاعات حيوية مثل السياحة، لكن من المتوقع تحقيق نمو 3.8 في المائة هذا العام، بحسب تقديرات الصندوق.
وقال أزعور: "أعتقد أن من المهم أن تضع تونس جدول إصلاح شامل يعالج دينا ينمو سريعا، ويضع الاقتصاد على مسار نمو أسرع، ويوسع كذلك نطاق نظام الحماية الاجتماعية مع إصلاح القطاع العام، ولا سيما الشركات المملوكة للدولة".
حصلت تونس العام الماضي على نحو 750 مليون دولار من خلال قرض مساعدة عاجلة من الصندوق لمواجهة التداعيات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا.
Publishing Date