رام الله-أخبار المال والأعمال-يعقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) يوم الأربعاء 2 كانون الأول المحاضرة السنوية الحادية عشرة التي تحمل اسم الاقتصادي الفلسطيني المرموق، الدكتور يوسف صايغ (2004-1916). والدكتور صايغ هو واحد من أبرز الاقتصاديين العرب في القرن العشرين وكان ممن تركوا بصمات واضحة على أبحاث التنمية والتكامل الاقتصادي في الوطن العربي.
ستقدم المحاضرة لهذه السنة في بث مباشر من لندن البروفسورة ماريانا مازوكاتو، أستاذة اقتصاد الابتكار والقيمة في جامعة كلية لندن، ومؤسسة ومديرة معهد الابتكار والغرض العام في الجامعة. تعتبر مازوكاتو من أبرز الاقتصاديين البارزين عالمياً الذين يتحدون بجدارة بعض مسلمات السياسة الاقتصادية الشائعة وتجذب أفكارها مزيد من الاهتمام من الحكومات والحركات السياسية والمنظمات الدولية. نظراً لمركز مازوكاتو المرموق، وفي الظروف السائدة وعقد المحاضرة بالوسائل الرقمية والوجاهية المحدودة، تحولت محاضرة هذه السنة الاستثنائية، الى حدث علمي عالمي، يعقد ويبث من فلسطين، وقد سجل حتى 72 ساعة قبل انعقاد المحاضرة، 250 مشارك من فلسطين والمحيط العربي وآسيا وأوروبا وأميركا، بالإضافة الى عدد من المشاركين وجاهياً ضمن البروتوكولات الصحية المعمول بها.
ستتطرق البروفسورة مازوكاتو في محاضرتها التي تقدمها من لندن في بث مباشر بعنوان: "تحقيق النمو الشامل والمستدام المبني على الابتكار كمقياس مستجد للقيمة"، إلى من أين تأتي الثروات، من يكونها، وما الذي يستنزفها؟ في نظرة متعمقة للاقتصاد العالمي ما بعد جائحة كوفيد-19، وتبين مازوكاتو كيف غاب عن أعيينا وفكرنا ما تعنيه بالفعل "القيمة"، ولماذا نحتاج لإعادة التفكير في أنظمتنا المالية الحالية – حتى نستطيع توجيه الرأسمالية نحو مستقبل مجازف ومبتكر ومستدام لصالحنا جميعا.
تجدر الإشارة إلى أن ماس ينظم هذه المحاضرة السنوية والتي يقدمها نخبة من علماء الاقتصاد من جامعات أوروبية وأسيوية وأمريكية، أمام مجموعة من المختصين وذوي الاهتمام بالاقتصاد الفلسطيني احتفاءً بمساهمات يوسف صايغ العلمية والوطنية في دراسات التنمية الفلسطينية، حيث ترأس الفريق الكبير من الخبراء الذين قاموا بوضع البرنامج العام لإنماء الاقتصاد الوطني الفلسطيني (2000-1994). وكان الدكتور صايغ عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لسنوات طويلة، وعضواً في أول مجلس أمناء لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس).
من هي ماريانا مازوكاتو؟
أستاذة في اقتصاد الابتكار والقيمة العامة في جامعة كلية لندن University College London، وهي مؤسسة ومديرة معهد الابتكار والغرض العام في الجامعة الذي يُعنى بإعادة تعريف دور السياسات العامة في تحديد معدل النمو الاقتصادي واتجاهه. صنفت مازوكاتو كأكثر الاقتصاديين تأثيراً في العالم حسب مجلة كوارتز. تعمل مازوكاتو مع سياسيين وصناع قرار من دول مختلفة حول العالم، وبشكل أساسي مع المفوضية الأوروبية. هي مستشارة حزب العمال البريطاني في السياسة الاقتصادية، كما أنها مستشارة المرشحة الديمقراطية الأمريكية إليزابيث وورن، وأيضاً مستشارة زعيم الحزب القومي الاسكتلندي نيكولا ستورجن.
تدرس مازوكاتو كخبيرة اقتصادية علاقة الابتكار بالنمو الاقتصادي على مستوى الشركة، الصناعة، والدولة. لها العديد من المؤلفات أشهرها كتاب "الدولة الريادية: كشف أساطير القطاع العام مقابل القطاع الخاص" (2016)، وكتاب "قيمة كل شيء" (2018)،
وتركز على دور الابتكار والنمو الاقتصادي من خلال تحليل دور الحكومات في دعم الابتكارات كعامل أساسي لنجاحها، ومن هنا تطرقت كأمثلة إلى شركات "غوغل"، وآبل" و"فيسبوك"، والتي نجحت في دولة معينة وربما لم تلق ما يشابهها في دول أخرى مثلاً في دول أوروبا.
والتساؤل الأهم هنا، حسب رأي مازوكاتو، ما هو السر وراء نجاح هذه الشركات؟ هل نجحت باستخدام نفس آليات السوق المتبعة في العالم؟ هل هناك آليات تمويلية مختلفة تتبنى الابتكارات الجديدة وتخاطر في تمويلها أكثر من البنوك؟ أم أن الأمر يتعلق بسياسات تسويقية ناجحة جداً تختلف عن الآليات التسويقية التقليدية؟
اهتمت مازوكاتو في تحليل اللغة، الخطاب، الصور، والكلمات المستخدمة لوصف القطاع الخاص بأنه أكثر قدرة على الابتكار والإبداع من ناحية، وتشويه صورة القطاع العام ودوره والادعاء بأن تضخم القطاع العام في بعض الدول يحول دون أخذ القطاع الخاص لدوره الاستثماري الحيوي. لتفنيد هذه الادعاءات، أخذت مازوكاتو، على سبيل المثال، "هاتف آيفون" وبدأت بتحليل العناصر التي جعلته هاتفا ذكيا (الانترنت، شاشة اللمس، نظام تحديد الموقع..) ووجدت أن هذه الابتكارات جميعها تم تطويرها باستخدام أموال عامة ومشاريع من الموازنات العسكرية المخصصة للمعالجات الدقيقة، كما أن جميع هذه الابتكارات أشرفت عليها جامعات حكومية ومؤسسات بحثية، وليس بالضرورة رأسماليين مبدعين أو أذكياء، كما يبدو أحياناً. تطرح مازوكاتو مثالاً آخر يتعلق بالصناعات الدوائية، حيث يتم تمويل 75% من الابتكارات التي تتعلق بالمركبات الكيميائية الأولية من قبل مختبرات تتبع للقطاع العام. بينما ما ينفقه القطاع الخاص يركز على الدعاية والتسويق، وشراء الأسهم.
وعليه، ترى مازوكاتو دور الدولة في هذه الحالات تعدى ما يدعيه الاقتصاديون وصانعو "سياسات التصحيح الهيكلي" قيما يتعلق باختلالات السوق، حيث لم يقتصر دور الدولة على تمويل البحوث الأولية وإنما تعداها لتمويل البحوث التطبيقية. أي أن الدولة أخذت دور تحمل المخاطرة التي لا يتحملها المستثمرون عادة، والتي بطبيعة الحال تزداد في القطاعات التي تعتمد على التجربة والابتكار. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، إذا كانت الدولة التي تحمل المخاطرة، إذاً، لصالح من تعود عوائد الاستثمار؟ من هنا تطرح وجوب إيجاد آليات لإعادة توزيع القيمة المضافة بصورة مباشرة أكثر من الضرائب.
تأتي أفكار مازوكاتو على النقيض من أفكار غالبية اقتصاديي مرحلة الليبرالية الجديدة و"السوق الحرة"، وتدعو من خلال طروحاتها إلى دور أكبر للحكومات من أجل تحقيق النمو الاقتصادي. فالادعاءات التي تقول، إنه بإمكان القطاع الخاص وحده أن يقود السوق والنمو هو أمر غير صحيح بحسب تحليلها لعدد من الصناعات التي تقوم على الابتكار وتحليل الدور الذي لعبته الحكومات لتحقيق ما حققته هذه الشركات. من هنا تنطلق مازوكاتو إلى ما يمكن أن يكون "أخطر" بالنسبة لاقتصاديي هذه المرحلة، ألا وهو إعادة توزيع الدخل. تعتمد في ذلك على نظرية الإنتاج الجمعي للقيمة، فإنتاج القيمة ليس عملا فرديا بحيث تسيطر القلة القليلة على الكم الأكبر من فائض القيمة (أصحاب رؤوس الأموال، أو الرياديين)، إنما الدولة تساهم في إنتاج فائض القيمة، العمال من خلال قوة عملهم ينتجون فائض القيمة كذلك من هنا لا بد من توزيع مختلف للثروة يشمل جميع عناصر الإنتاج.