غزة-خليل الشيخ-الأيام-يقضي الشاب محمود روحي أحمد (25 عاماً) جُل وقته في تحويل قطع خشبية قديمة إلى قطع من الأثاث المنزلي جميلة الشكل.
يستخدم الشاب محمود الذي أتم دراسته الجامعية أدوات نجارة متواضعة وبعض الدهان عند قيامه بتدوير ألواح شحن البضائع وهو ما يعرف بـالصناديق الخشبية "المشاطيح" إلى أشكال فنية أو أدوات منزلية وقطع من الأثاث كالكراسي والطاولات.
واتخذ من ساحة منزله المتواضع في مخيم جباليا مكانا لتخزين الصناديق الخشبية التي يقوم بشرائها، وجزءا لورشته التي يعمل بها وحيداً، فهو يقضي ما بين ثماني إلى 12 ساعة عمل يومياً.
قال لـ "الأيام" وهو يستقبل مجموعة جديدة من هذه الأخشاب التي تكون على هيئة صناديق ومصنوعة من خشب قديم "منذ فترة وأنا أبحث عن مصدر رزق لكن الظروف لم تسمح لي بالعمل فوجدت في هذه المهنة فرصة سانحة لكي اكسب بعض المال".
وأوضح أنه يقوم بصناعة التحف والمعلقات الخشبية لكنه طور عمله وصار يصنع مناضد وكراسي خشبية جميلة الهيئة، لافتاً إلى أن من بين الزبائن من يطلب منه صناعة قطع أثاث منزلية كبيرة، كغرف النوم والكنب.
وتلاقي فكرة تدوير ألواح هذه الصناديق إقبالاً ورواجاً كبيراً خصوصاً وأنها قليلة التكلفة وبسيطة الصنع فضلاً عن أنها نالت إعجاب مُحبي الأثاث المتميز، وقد استهوت الكثيرين ممن يجدون الوقت الكافي لممارسة هواياتهم.
عمل المناجر
لكن فكرة وصناعة الأثاث لم تعد محصورة على عمل الهواة فقط، بل وجد أصحاب المناجر ومتخصصو صناعة الأثاث بفكرة استخدام ألواح الصناديق الخشبية فرصة ملائمة لتوفير نفقات الأخشاب المستوردة، وبالتالي صناعة الأثاث المنزلي الكبيرة كغرف النوم والمطابخ والكراسي.
وقال محسن الرحل (50 عاماً) صاحب منجرة، في بيت لاهيا، أن العمل في مجال تدوير "مشاطيح الخشب" يلقى رواجاً في هذه الأيام، وخصوصاً خلال فصل الصيف، مشيراً إلى أن المواطنين يرغبون في اقتناء منتجات "المشاطيح" من الأثاث المنزلي والمقتنيات الجميلة، لا سيما أن ثمنها في متناول الجميع.
وأضاف لـ"الأيام" إنه كان يستخدم أخشاباً مرتفعة الثمن يتم جلبها من داخل إسرائيل، لكن توافر هذا النوع من الخشاب القديمة شجعه على اقتصار صناعاته وفقاً لاحتياجات الزبائن.
وحول مصدر جلبه لهذه الأخشاب قال، إنه يقوم بشرائها من مستوردي البضائع وأصحاب الشركات التي تحضر بضائع للقطاع حيث يتراوح ثمن الصندوق الواحد ما بين 6 إلى عشرة شواكل، مؤكدا أنها أسعار منخفضة مقارنة بالأخشاب التي يتم استيرادها من إسرائيل.
ومع زيادة كميات هذا النوع من الأخشاب وزيادة الطلب على المصنوعات، كثرت المناجر التي تعمل في هذا النوع لاسيما في محافظة شمال غزة.
ولوحظ عدد كبير من هذه المناجر على امتداد طريق صلاح الدين الرئيس في القطاع، كما لوحظ زيادة حجم العمل فيها فضلاً عن ورش أخرى تتخصص بفرم الخشب غير الصالح للاستخدام، وبيعه كخشب "نجارة" لأصحاب مزارع الدواجن، وهو ما ساهم بتوفير فرص عمل لعدد من المواطنين.
قال الشاب منير دواس (30عاماً) من جباليا، بينما كان يقص بمنشار بدائي قطعا من الخشب القديمة: "نصنع عدة أشياء، منها كراسي ومكتبات وطاولات، وتعليقات ملابس، ونثريات، وهي قطع فنية مكتبية صغيرة، إضافة إلى قطع أخرى حسب توصية زبائن".
وأضاف في حديث لـ"الأيام" أنه يعمل في تلك المهنة منذ عدة سنوات ويكسب دخلاً مناسباً، مرجعاً ذلك لقلة تكاليفها وزيادة الطلب على مصنوعاته يزداد رويداً رودياً.
وبالإضافة إلى عمل الكراسي والطاولات، فإن الشاب "منير" يستخدم ماكينة لفرم قطع خشبية صغيرة، وتحويلها لنجارة لاستخدامات مزارع الدجاج أو بيعها ومكعبات صغيرة لاستخدامات التدفئة في فصل الشتاء.
ويتراوح ثمن الكيس الواحد من هذه القطع الخشبية ما بين 12 إلى 15 شيكلاً.
تحف خشبية وديكورات
لكن الشاب إحسان الأشقر (23 عاماً) من النصيرات حول مهنة استخدام ألواح الصناديق الخشبية إلى صناعة تحف فنية وليس فقط قطع أثاث، مؤكداً أن تلك الأعمال الفنية ذات قيمة جمالية وقوة أيضاَ.
وقال لـ"الأيام" صناعة التحف الفنية لا تحتاج لأخشاب مرتفعة الثمن، مشيراً إلى أنه يقوم بصناعة تحف وديكورات خشبية وأصص للزهور وبيعها لزبائن مخصصين.
ويقضى الشاب الأشقر الذي خصص لنفسه صفحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لترويج منتجاته من التحف، وقتاً طويلاً وهو يقوم بصناعة مثل هذه القطع الجمالية، لافتاً إلى أن أثمانها تتراوح ما بين 20 إلى 200دولار.
إنشاء استراحات
من جانبه ارتأى المواطن مازن الرضيع (44عاماً) من بيت لاهيا أن يُنشئ استراحة واسعة المساحة عند شاطئ البحر من ألواح الصناديق الخشبية.
وقال لـ"الأيام" أنه لم يجد أية صعوبة في شراء كميات كبيرة منها وبثمن زهيد لم يتعد 6شيكل للصندوق الواحد، لافتاً إلى أنه استخدم أكثر من 1500صندوق لهذا الغرض.
وأضاف أن استراحته نالت إعجاب الناس والمصطافين بسبب جمالية الصنع والديكورات وهو ما شجع آخرين على تقليده.
ظاهرة عالمية
قال المحلل في الشأن الاقتصادي، إسلام الشندعلي أستاذ الاقتصاد في جامعة القدس المفتوحة، أن عملية تدوير ألواح الصناديق الخشبية وعمليات تدوير السلع المستهلكة بشكل عام هي ظاهرة عالمية تعكس مدى التطور والانفتاح على سبل زيادة الإنتاج وهي صفة من صفات المجتمعات الاقتصادية القوية.
وأضاف لـ"الأيام": إن من بين فوائد وإيجابيات إعادة استخدام سلع مستخدمة في الصناعات المختلفة، في جميع دول العالم، هو زيادة الإنتاج بتكلفة قليلة وحماية البيئة بشكل عام، بصرف النظر عن النظام الاقتصادي السائد في تلك الدول سواء الرأسمالي أو الاشتراكي أو المختلط فجميع هذه الأنظمة تتحدث عن أهمية التدوير.
وأوضح الشندعلي، أن دولا كبيرة اقتصادياً كألمانيا تقوم بتدوير هذه الأخشاب، نافياً بشدة أن تكون ظاهرة استخدام الصناديق الخشبية في صناعة الأثاث بغزة ناجمة عن زيادة الفقر.
وتابع، إذا ما خصصنا الحديث حول ظاهرة تدوير هذه الأخشاب في القطاع، فلها أسباب من شقين: الأول التوجه لزيادة الإنتاج في مجال الصناعات الخشبية ذات صفة الطلب والجمال، ورخص الثمن وقلة التكاليف، والثاني توجه العاطلين عن العمل إلى البحث عن سبل العيش وتوفير سبل الحياة الكريمة.
واعتبر الشندعلي إنه في كلتا الحالتين فإن ما يجري يُعد ظاهرة جيدة اقتصادياً وبيئياً وحتى إنها تتلاءم مع التوجهات الاقتصادية العالمية.
وأجمعت مصادر محلية أخرى، أن استمرار زيادة العمل في تدوير الأخشاب في قطاع غزة قد يصل إلى مرحلة زيادة كبيرة في الإنتاج، ونشوء صعوبة في التسويق في ظل عدم البحث في وسائل للتصدير، فضلاً عن احتمالات ارتفاع أثمان هذه الصناديق لتزيد من تكلفة المنتجات الخشبية.