رام الله-(شينخوا)-يحذر مسؤولون فلسطينيون من أن الوضع المالي للسلطة الفلسطينية يواجه خطر الانهيار نتيجة أزمة أموال عائدات الضرائب مع إسرائيل والتراجع الشديد في المساعدات الخارجية.
ودفعت أخطر أزمة مالية تواجهها السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها في العام 1994 بموجب اتفاق "أوسلو" للسلام المرحلي مع إسرائيل، إلى ارتفاع إجمالي ديونها المالية لثلاثة مليارات دولار أمريكي.
ويأتي ذلك في ظل انكماش غير مسبوق للاقتصاد الفلسطيني على صعيد النمو المتوقع، فضلا عن تدهور اقتصادي نتيجة تراجع مستوى المشاريع الدولية وتوقف المشاريع الممولة من الولايات المتحدة الأمريكية.
وتواجه السلطة الفلسطينية أزمة مالية خانقة منذ قرار إسرائيل اقتطاع مبالغ من أموال الضرائب الفلسطينية، بذريعة ما تقدمه السلطة من مستحقات مالية إلى أسر القتلى والأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وتستقطع إسرائيل في الأصل نسبة 3 في المائة من إجمالي قيمة الضرائب التي تحولها إلى السلطة وتقدر بأكثر من مليار دولار سنويا، كما أنها تستقطع منها الديون الفلسطينية مقابل توريد البترول والكهرباء وخدمات أخرى.
ورفضت السلطة استلام أي مبالغ من أموال عائدات الضرائب منقوصة من إسرائيل، وتمسكت حتى الآن بموقفها بضرورة تحويل الأموال كاملة دون أي استقطاع.
واضطرت الحكومة الفلسطينية إلى الاقتراض من البنوك المحلية لمواصلة صرف رواتب الموظفين العموميين بنسبة 50 في المائة، علما أن إجمالي فاتورة الرواتب تزيد عن 200 مليون دولار شهريا.
وصرح محافظ سلطة النقد الفلسطينية عزام الشوا، بأن الجهاز المصرفي الفلسطيني لا يزال يتمتع بالمتانة والسلامة، ما زال قادرا على التعامل مع الأزمة المالية الفلسطينية.
لكن الشوا دعا في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، المجتمع الدولي والدول العربية إلى الإيفاء بالتزاماتها تجاه الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية، لافتا إلى أنها تتفاقم يوما بعد يوم.
وذكر أن اللجنة المشتركة المشكّلة من سلطة النقد ووزارة المالية والتخطيط الفلسطينية تبذل جهودا كبيرة للحفاظ على الاستقرار المالي، محذرا من أن استمرار الأزمة لفترة أطول سيفاقم الأمور.
وفي السياق، قال وزير الشؤون المدنية الفلسطيني عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) حسين الشيخ، إن الحصار المالي "يشتد ضراوة" على السلطة الفلسطينية في ظل مقاطعتها الإدارة الأمريكية ورفضها المسبق مبادرة "صفقة القرن" التي تبلورها واشنطن للسلام مع إسرائيل.
ويقول مسؤولون في السلطة الفلسطينية إن أزمتها تكمن في محدودية البدائل لسد العجز الحاصل في موازنتها بعد وقف المساعدات الأمريكية بشكل كامل وتراجع المساعدات الدولية لها، وهو ما يزيد من التداعيات الخطيرة للقرار الإسرائيلي بشأن أموال الضرائب.
وفي دلالة على حدة الأزمة، أعلن رجال أعمال فلسطينيون داخل وخارج الأراضي الفلسطينية عن مبادرة لمنح الحكومة الفلسطينية قرضا ميسرا بمبلغ 150 مليون دولار أمريكي مقسمة على الأشهر الثلاثة القادمة.
وقال رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن المبادرة التي تضم 70 رجل أعمال فلسطينيا، جاءت للتأكيد على دعم القطاع الخاص الفلسطيني لموقف القيادة إزاء ما تتعرض له من أزمات، حتى تتمكن من الايفاء بالتزاماتها المالية في ظل ما تواجهه من عجز مالي.
وأوضح المصري أن القرض سيبدأ تنفيذه مع نهاية الشهر المقبل بنسبة فائدة ثلاثة بالمائة.
من جهته، قال الناطق باسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم، لـ(شينخوا) إن هذه المبادرة ستمكن الحكومة من الاستمرار في الوفاء بالتزاماتها، خاصة تسديد نسبة 50 في المائة من رواتب الموظفين العموميين جراء الأزمة الناتجة عن ملف عائدات الضرائب مع إسرائيل.
وأشار ملحم إلى أن هناك عدة اتجاهات يتم العمل عليها للتعامل مع الأزمة المالية للضغط على إسرائيل للإفراج عن أموال عائدات الضرائب كاملة من خلال التواصل مع المجتمع الدولي والتوجه للدول العربية لتوفير شبكة أمان مالية لفلسطين، إضافة إلى التحرك مع رجال الأعمال الفلسطينيين.
ويبرز المحلل الاقتصادي من الضفة الغربية هيثم دراغمة، أن السلطة الفلسطينية تعتمد منذ تأسيسها على المساعدات الخارجية وأموال عائدات الضرائب بشكل رئيسي في موازنتها والوفاء بالتزاماتها المالية.
ويقول دراغمة لـ(شينخوا) إن المصدرين المذكورين لموازنة السلطة الفلسطينية يعانيان منذ أشهر من تعثر شديد، وهو ما فاقم العجز المالي لديها وجعلها تواجه أكبر مخاطر انهيار مالي في تاريخها.
ويضيف أن الإيرادات المحلية التي تشكل 30 في المائة من الموازنة الفلسطينية تراجعت كذلك نتيجة أن عدم صرف الرواتب الحكومية كاملة أدى إلى ضعف القدرة الشرائية في الأسواق الفلسطينية وبالتالي انخفاض الإيرادات.
وينبه دراغمة إلى وجود "خذلان لدى السلطة الفلسطينية من مواقف الدول العربية التي لم تستجب حتى الآن لمطلب توفير شبكة أمان مالية للسلطة كبديل عن تراجع المساعدات الدولية خاصة توقف المساعدات الأمريكية".
ويعتبر أن الحكومة الفلسطينية تجد نفسها مجبرة على المزيد من خطوات التقشف المالي للحد من تسارع التدهور الاقتصادي وواقع العجز الحاصل أملا في التخفيف من وطأة الأعباء الاقتصادية التي يتعرض لها المجتمع الفلسطيني.
ومن المقرر أن يعقد وزراء المالية العرب اجتماعا في مقر جامعة الدول العربية في العاصمة المصرية القاهرة يوم الأحد المقبل بطلب فلسطيني لبحث تطورات الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية وما تحمله من مخاطر.
ويأتي تصاعد الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية مع استمرار مقاطعتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ قرار الرئيس دونالد ترامب، في ديسمبر 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وسيقاطع الفلسطينيون ورشة عمل تعقدها الإدارة الأمريكية الأسبوع المقبل في العاصمة البحرينية المنامة تحت عنوان (السلام من أجل الازدهار) مخصصة لبحث الجوانب الاقتصادية في الخطة الأمريكية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المعروفة باسم "صفقة القرن".